ألفة السلامي تكتب: قمة المنامة ما بين انتظارات الشارع العربي والدول الغربية!
ADVERTISEMENT
بدأت القمة العربية الـ 33 أعمالها اليوم في العاصمة البحرينية المنامة بجدول أعمال متخم بالقضايا الشائكة، تتصدره القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومستجداته، خاصة في ضوء اجتياح غزة والانتهاكات في القدس المحتلة والأسرى واللاجئين وسبل دعم صمود الشعب الفلسطيني. وربما يعلم الرأي العام العربي أن مواقف دولهم ليست متناغمة بالشكل الكافي، لكن من المهم أيضا أن نعرف كيف يرى بعض المراقبين الغربيين لشؤون الشرق الأوسط لهذه القمة وعلى ماذا يراهنون.
إذا عرفنا كيف يفكر الآخرون فينا وفي قضايانا فقد يساعد ذلك في معرفة الطريق الذي يجسد مصالحنا بشكل أوضح، وليس مصالحهم، والتمسك بالثوابت العربية التي تكسبنا قوة ولا تزيدنا ضعفا. يعرف الرأي العام العربي أن الجامعة العربية منظمة ناضلت من أجل الوفاء بوعدها منذ تأسيسها في عام 1947 وتعاني حاليا من ضعف هيكلها، خاصة بعد الربيع العربي الذي أرهق العديد من أعضائها ونشر الفوضى في أرجائهم.
غير أنها اليوم تشبه العديد من المنظمات الإقليمية والدولية الكبرى الأخرى التي تعاني هي نفسها من الشيخوخة وتتطلب إصلاحات لتطوير عملها، ناهيك أنها تجمع أعضاء ذوي أجندات وأولويات مختلفة يعملون للتوصل إلى اتفاق حول الأدنى من القواسم المشتركة، مع محاولة دفعه إلى السقف الذي يلبي طموحات شعوبها ومصالحهم. مع ذلك ورغم تلك التحفظات وحتى الانتقادات، لا يطالب العاقلون بإنهاء مؤسسة الجامعة بل يسعون لتطويرها وتحديثها وإصلاح آليات عملها وهو بند دائم خلال العقدين الأخيريْن في مؤتمرات قمة القادة مثله مثل البند المتعلق بالتقدم لاستكمال إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي العربي، والتعاون العربي في مجال التكنولوجيا والأمن المائي والسبراني وتطوير التعليم وتمكين الشباب والمرأة.
لكن المثير للانتباه أن وسائل الإعلام الغربية ركزت في تناولها لاجتماع القمة العربية حول قضية واحدة، وهي كيفية "جرّ" بقية الدول العربية الأعضاء في مؤسسة القمة إلى قرار تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية. ويراهنون على أن حث المملكة العربية السعودية للتطبيع مع الكيان المحتل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية هو القرار الذي ينتظره "العالم" كجزء من ترتيب أمني إقليمي جديد؛ ويصفونه بأن من شأنه "إضفاء المزيد من المصداقية على هذا النهج". وهؤلاء الكتّاب يتحايلون بكل الطرق للإيحاء بأن غالبية الدول العربية تغرّدُ داخل السرب المتجه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بينما الاستثناء يتمثل في دول قليلة تغرد خارج السرب، ويصفونها بـ "النشاز "!.
والرسالة هنا التي يبعث بها المسؤولون الغربيون، من خلال تلك الأقلام، هي تشجعين القادة العرب لتحمل مخاطر المغامرة من أجل المضيِّ في السلام مع العدو، وتجاوز القيود الحالية لإقناع الأعضاء الآخرين الرافضين للسلام مع إسرائيل حتّى يصلوا إلى الإجماع. ويشيرون إلى أن الجامعة العربية لاعبًا لا غنى عنه في أي اتفاق سلام شامل ويعوّلون عليها لحلحلة الدول الرافضة لهذا النهج، دون الإشارة من قريب أو بعيد للاعتداءات والجرائم الإسرائيلية.
إذاَ هذا ما يحلمون به ويتمنون حدوثه. وفي المقابل، تبقى أنظار الشارع العربي تتطلع لما سيخرج من قرارات عن القادة العرب، وتتوق لتكون أكثر جرأة سياسيًا لإيقاف الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وحماية المدنيين من رحى الآلة العسكرية للاحتلال الغاشم المستمرة للشهر السابع على التوالي ومنع اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، في ضوء الافتقاد لأي تصور لوقفه نظرًا لتعنت حكومة نتنياهو اليمينية ومجاراة الإدارة الأميركية لها. وهناك بلا شك مسؤولية أخلاقية وسياسية عربية تجاه الوضع الكارثي للفلسطينيين، وهم أكثر حاجة الآن من أي وقت مضى لرؤية هذا الدعم العربي وتصورات لخوض معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية في أروقة الأمم المتحدة باستخدام العلاقات العربية الاستراتيجية مع قوى "وازنة" في عواصم عالمية لصنع القرار لإحداث اختراق حقيقي قادر على وقف إطلاق النار في غزة، ومحاسبة الاحتلال على ما اقترفه من جرائم إنسانية وفتح أفق سياسي أرحب لتحقيق سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة.
الطريق مازال طويلًا، ولكن ما يتردد في أروقة قصر الصخير في المنامة يشير إلى أن الاتجاه هو وضع سقف زمني للعملية السياسية والمفاوضات مع الكيان المحتل، وعدم تركها مفتوحة كما يحدث منذ السابع من أكتوبر، مع اتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين. ولا أحد يعلم حتى الآن إذا ما كان القادة سيتفقون في النهاية على المطالبة بنشر قوة أممية في غزة، لكن المتداول أنهم سيفعلون، مع السعي بعدها لحث مجلس الأمن لإصدار قرار، تحت الفصل السابع، يقضي بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والمتواصلة الأراضي، على خطوط ما قبل الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي وجود للاحتلال على أرضها، مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة.