تصدير العقار وأولويات الحكومة
ADVERTISEMENT
أكثر ما أخشاه في الوقت الراهن أن تتراجع حالة الزخم والاهتمام الحكومي بمبادرات تعزيز موارد النقد الأجنبي ومن بينها تصدير العقار، بعد التحسن الشديد في تدفقات العملة الأجنبية، واطمئنان الحكومة إلى قدراتها على تلبية ما عليها من التزامات محلية ودولية.
لقد نجحت صفقة رأس الحكمة ونجح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرهم من شركاء التنمية، في تدبير تمويلات تتخطى في مجموعها 57 مليار دولار خلال عدة سنوات، لكن هل يكفي هذا المبلغ؟ وهل يمكن الاعتماد عليه منفردًا في ضمان استقرار الإصلاحات النقدية وعدم عودة أزمات سعر الصرف مجددا؟
الإجابة بالتأكيد ستكون النفي، فقد كنا على وشك الانهيار، ونحن الآن نعبر الأزمة بهدوء وقدرات أفضل بفعل الجهود الحكومية في إبرام تلك الاتفاقيات، ولكن تقرير صندوق النقد الأخير عن المراجعتين الأولى والثانية للاقتصاد المصري قد كشفت عن وجود فجوة تمويلية تقدر بحوالي 28.5 مليار دولار حتي 2027، مع احتساب التدفقات الواردة من الاتفاقيات السابقة.
هذه الفجوة يمكن تغطيتها بسهولة إذا لم تركن الحكومة إلى ما حققته في السابق، ولا تتباطأ في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لدعم الاستثمار والتصدير الصناعي، وتفعيل مبادرات تعزيز النقد الأجنبي وخروجها سريعًا إلى النور.
إن الدراسات الحكومية تتوقع أن يحقق ملف تصدير العقار ما يقارب ثلاثة مليارات دولار سنويًا على أقل تقدير، علمًا بأن التقرير الأخير للبنك المركزي المصري أشار إلى أنه تم شراء عقارات من خارج مصر بقيمة 500 مليون دولار خلال الـ 6 أشهر الأولى من العام المالي الجاري بنسبة نمو 54%، وهي عائدات تدخل مباشرة في شرايين الاقتصاد وتختلف تمامًا عن القروض أو التمويلات الخارجية المطلوب سدادها للدائنين في كل الأحوال.
لقد مثلت تحديات العملة وتواجد سعرين للصرف في تقويض الفكرة، لكن الوقت الحالي بات مناسبًا للتحرك قدمًا في هذا الملف والإعلان عن تفاصيل مبادرة تصدير العقار وما ستقدمه من حوافز للعملاء والمطورين العقاريين، مع ضرورة إطلاق حوار مجتمعي بين أطراف السوق حول التصور الحكومي، للوصول إلى أفضل صيغة تحقق مصلحة الدولة والمطور والعميل على حد سواء حتى تتحقق المرجو منها سريعًا.
لدينا بالفعل تنوع كبير في المنتجات القابلة للتصدير بفضل الطفرة العمرانية الكبيرة في كافة ربوع مصر، والمنتجات العقارية لا تقل في الجودة والتصميم عن مثيلتها في أوروبا وأمريكا، بل وتتفوق عليها في المشروعات الساحلية على البحرين الأحمر والمتوسط، ولا شك أن مشروع رأس الحكمة مع اكتماله سيقود لثورة حقيقية في التصدير العقاري لمنطقة الساحل الشمالي، هذا بالإضافة إلى المشروعات التجارية والإدارية المتطورة والتي تراعي متطلبات الشركات الأجنبية.
إن السوق المصري سوق واعد ومؤهل لتحقيق طفرة كبيرة في تصدير العقار، لكن الأمر يحتاج إرادة حكومية لحل كافة المشكلات التشريعية والبيروقراطية التي تعطل الانطلاق مع تقديم كافة الحوافز المطلوبة.