مصر وتجارة البيانات.. نحو رؤية جديدة لقناة السويس
ADVERTISEMENT
ربما لا يفطن غير المتخصصين في علوم الحوسبة والبيانات حجم الكنز الاستراتيجي الذي تمتلكه مصر بفضل موقعها الجغرافي الفريد الذي يجعلها مؤهلة بدون مبالغة إلى أن تصبح أهم معبر دولي لما يمكن تسميته بـ "تجارة البيانات" التي تمر من أقصى حدود قارة آسيا وصولًا لأوروبا عبر البحر الأحمر، من خلال كوابل الألياف الضوئية التي تمر في أعماق البحار والمحيطات، قبل أن يتم ربطها بنقاط الإنزال الأرضية التي تحظى بأعلى درجات التأمين والموثوقية.
ولعل التوترات الأمنية غير المسبوقة التي يشهدها البحر الأحمر حاليا، والتي ألقت بظلال قاتمة على حركة التجارة التقليدية بين قارات العالم القديم، قد تفتح لمصر آفاقًا بديلة تمكنها من تعزيز ريادتها الدولية في خدمات نقل البيانات، وما يصاحبها من خدمات ذات قيمة إضافية، يمكنها أن تُشكل مصدرًا للعملة الصعبة، تفوق ما تجلبه قناة السويس سنويًا بعشرات المرات.
الأرقام تشير إلى أن نحو 95% من حركة الإنترنت في العالم تمر عبر كابلات ضوئية في مسارات بحرية، بينما يتم الاعتماد على الكابلات الأرضية في تمرير 5% فقط من حركة البيانات، وبحسب البيانات الرسمية فإن قناة السويس يمر فيها نحو 17 كابلا بحريًا فقط، وهو في ظني رقم ضئيل قياسًا بالقدرات الرقمية التي تمتلكها البلاد، والتي يمكن توظيفها لجعل مصر مركزا إقليميا لخدمات نقل البيانات عبر القارات الثلاثة.
وبالفعل هناك مؤشرات ملموسة على الاهتمام الكبير الذي تمنحه الحكومة لملف تنمية محور قناة السويس، مدفوعًا برغبتها في تعزيز قدراته اللوجستية والفنية ليصبح أحد أهم المناطق الاقتصادية المتكاملة على مستوى العالم، لكن هذا الاهتمام يجب أيضا أن يمتد برؤية أشمل يتم من خلالها التركيز على محور قناة السويس باعتباره أحد أهم مسارات الإنترنت على مستوى العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك منافسة شرسة من دول المنطقة على استضافة مراكز البيانات، وخدمات الحوسبة السحابية المملوكة للشركات الدولية العملاقة مثل أمازون وأبل وميكروسوفت وجوجل.
ما أود الإشارة إليه أنه - وبحكم التاريخ - ثبت أن منطقة الشرق الأوسط تعتبر أحد أهم النقاط الأكثر التهابًا على مستوى العالم، الأمر الذي يحتم علينا أن نكون أكثر واقعية ومرونة ونضجًا في قراءة التحولات الجيوسياسية التي تحدث على مستوى العالم وهذه التحولات ترتبط بشكل وثيق بتغيرات غير نمطية في حركة الاقتصاد العالمي.
وتكفى الإشارة إلى أن قيمة سوق البيانات الدولية خلال العام الماضي وصل لنحو 2.5 تريليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو إلى 3.3 تريليون دولار خلال هذا العام بفضل زيادة استخدام البيانات في قطاعات الأعمال المختلفة، مثل التسويق والتصنيع والرعاية الصحية، فضلا عن تنامي الطلب على المعلومات من قبل الحكومات نفسها، ولست في حاجة إلى التذكير بأن النمو المتسارع في الاقتصاد الرقمي، يعتمد في الأساس على حركة البيانات، وفي ظني أنه قد حان الوقت كي نتوقف قليلا ونطرح تساؤلات موضوعية حول نصيبنا من هذا النشاط المتنامي، ومدى امتلاكنا استراتيجية واضحة للاستفادة من الممرات الملاحية المصرية بوصفها أحد أهم المسارات الدولية للإنترنت، - دون التقليل من دورها المشهود في حركة التجارة التقليدية الدولية - والنظر في مدى الحاجة لإنشاء إطار تنظيمي يضمن سلامة وكفاءة نقل البيانات عبر تلك الممرات، وعلى رأسها قناة السويس، وذلك إذا ما قررنا المضي قدما في هذا الاتجاه.