ياسر حمدي يكتب: حياة المصريين في خطر.. أسعار الدواء أمن قومي!!
ADVERTISEMENT
شهد سوق الدواء في مصر وخصوصًا في السنتين الماضيتين ارتفاعات قياسية في الأسعار فاقت 100% وطالت عددًا كبير جدًا من أصناف الأدوية، مقابل انخفاض كميات الأدوية المعروضة، وأخذت الأزمة في التفاقم خلال الأسابيع الأخيرة لتصل حد اختفاء أدوية لأمراض شديدة الخطورة، بما يهدد حياة ملايين المواطنين المصابين بأمراض مزمنة على رأسها السكر، والكلى، والكبد، واضطراب المناعة الذاتية.
الشعب المصري يعي جيدًا حجم الأزمة الإقتصادية الحالية التي يمر بها العالم أجمع، والتي تأثرت بها مصر سلبًا كباقي الدول بلا إستثناء، وأرتفعت معها الأسعار بشكل جنوني، ويعلم تمام العلم أن هذه الكارثة العالمية ناتجة عن زيادة معدلات التضخم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما سبقها من أزمات كأزمة كورونا وغيرها، لكنه يئن من جشع التجار ومحتكري السلع، والزيادات المتكررة لأسعار المنتجات الدوائية شبه اليومية، والغير مبررة من شركات الأدوية ومستغلي الأزمات.
المواطن يقدر حجم التحركات المكوكية للحكومة من أجل إحتواء الأزمة الراهنة، وبسط السيطرة عليها، ولعل أخرها ما قامت به وزارة الصحة بالتحذير من نقص الأدوية وإختفاء عدد غير قليل منها من الأسواق، ومدى تأثيره على سوق الدواء في مصر، في محاولة منها للتنبيه على تفاقم المشكلة وسرعة التحرك من قبل الجهات المعنية للقضاء عليها، وما سبقها من قرارات رئيس الوزراء للسيطرة على جنون الأسعار وضبط السوق المحلية، لكنها بلا جدوى من وجهة نظر المواطن، كونه لم يلمس أي إنخفاض ملحوظ حتى الآن، بل زادت شركات الأدوية الطين بلة وتمادت في عنادها وظلت ترفع أسعار منتجاتها يومًا تلو الأخر، في غياب دور هيئة الدواء المصرية وجميع الأجهزة الرقابية!!.
المؤكد أن القرارت وحدها لا تكفي، والقوانين الرادعة ليس لها قيمة أمام معدومي الضمير، طالما لا تضرب الحكومة بيد من حديد، فما فائدة ما تم الإتفاق عليه من قرارات وزيادة في العقوبات المفروضة على المحتكرين والمستغلين للأزمة، أمام إستمرار تفاقمها!؟، بل وتزداد سوءًا يومًا تلو الأخر، لأن الجاني يضرب بهذه القوانين عرض الحائط، ويتمادى في جرمه للمجتمع، لأنه يعلم جيدًا أن الرقابة عليه غير صارمة، وأن المواطن لا يحمله المسؤولية، ويعي أن الشعب يلقي باللوم كله على الحكومة وحدها.
الحقيقة المؤكدة أن هناك جشع من شركات تصنيع الدواء وإستغلال للأزمة الدولارية الحالية بشكل مغالى فيه، والحكومة وحدها هي التي تتحمل المسؤولية كاملة، وعليها سرعة ضبط الأسعار في الأسواق بشتى الطرق المختلفة، لأنها الخاسر الأول والوحيد لهذه المعضلة، وعليها بسط سيطرتها بقوة وحزم على أسعار المنتجات الدوائية، كون الدواء يعد أمن قومي، ولا بد من تشديد العقوبات الرادعة وتنفيذها بشكل فوري وسريع على جميع المستغلين للأزمة من خلال تكثيف حملاتها الرقابية والتفتيشية على جميع الشركات والمصانع المنتجة للعقاقير والمخازن التي تعمل على توزيعها.
مصنعي الدواء في مصر لا تحكمهم قواعد الإقتصاد ولا الأعراف السائدة في الأسواق في مثل هذه الأزمات، بل يحكمهم الجشع في المكاسب والأرباح الطائلة غير المشروعة وغير العادلة، أصبح الحال يسيطر عليه المصلحة والمنفعة الخاصة، مستغلين عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسواق والأسعار، يحددون السعر برغبتهم ومن وجهة نظرهم الخاصة، لا يعنيهم حال المواطن المكلوم، ولا أنين الأسر المطحونة التي باتت لا تستطيع تلبية أبسط متطلبات حاجتهم المعيشية.
المواطن يئن ويستنكر الزيادات المستمرة في أسعار الدواء، واصفًا الأمر بأنه «تسعير بشكل مُبالغ فيه»، والملفت للنظر بل والمؤسف هو إعتماد هيئة الدواء المصرية، خلال الأيام الماضية، زيادات جديدة في أسعار عدد من الأصناف الدوائية بنسب متفاوتة، امتدت لتطول بعض الأدوية «الأكثر مبيعًا» في الصيدليات المحليّة، ويرجع ذلك إلى طلب الشركات المنتجة رفع الأسعار لمواجهة الزيادة المضطردة في تكاليف الإنتاج!!.
المجتمع كان يأمل منذ سنوات في ظهور هيئة خاصة بالدواء في مصر، حتى تنتظم وتستقر أمور الصناعة، إلا أنه بعد 3 سنوات يبدو أن الأمر مخيبًا للآمال ويضر بحقوق المواطنين في توفير الدواء كحق من حقوق الإنسان! فهل يعقل أنه منذ يناير 2023 لا يرى المواطن سوى زيادات متتالية لأسعار الأدوية حتى وصلت لأكثر من نحو 2278 صنفًا بنسب تبدأ من 35% وتصل إلى 100% للأدوية المحلية، بينما وصلت الزيادة للأدوية كاملة التصنيع بالخارج لأكثر من 250% خاصةً الأصناف الأكثر أهمية في عام واحد!!؟، مما أدى لوجود أعباء إضافية على المريض، ولم تعلق هيئة الدواء المصرية بشكل رسمي على أسباب وتفاصيل تلك الزيادة، كما لم تعلن رصدًا لعدد الأصناف التي شهدت زيادة في الأسعار خلال الأسابيع الماضية!!.
المخزي هو زيادة بعض الأصناف أكثر من 3 مرات في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وهو ما نتج عنه «تشوهًا سعريًا» لسلعة مسعرة جبريًا بحسب القانون، وما نتج عنه من خلافات شديدة بين المواطنين والعاملين بالصيدليات من شكوك حول التلاعب أيضًا وتسبب في تضخم كبير جدًا باقتصاديات ما يزيد عن 80 ألف صيدلية، مع العلم أن الزيادة في سعر أي صنف لا تتم إلا بعد موافقة هيئة الدواء المصرية، وبعد تحقيق كافة الشروط واستيفاء جميع الإجراءات اللازمة، والتي لا تقل عن ستة أشهر في المرة الواحدة لزيادة سعر المنتج الواحد من تاريخ تقديم طلب الزيادة في سعر هذا الصنف.
إن تأثير الأوضاع الإقتصادية لصناعة يتم إستيراد معظم مكوناتها من الخارج وترتبط ارتباطًا وثيقًا بأسعار الصرف لا يجب أن يتحملها المستهلك وحده، وعليه يجب تقديم حلول نظرًا لأن هذا التسعير يقابله نقص أصناف دوائية سواء أصلية أو مثيلة وبديلة، ووفق مصادر بقطاع الدواء، تحدثت معها، فإن شركات الأدوية المحلية والأجنبية تتقدم بطلبات لمراجعة أسعار بعض أصنافها، في خضم أزمة إرتفاع أسعار مُدخلات الإنتاج من مستلزمات ومواد خام، في حين تعقد لجنة «التسعيرة» بهيئة الدواء اجتماعات دورية للنظر في تلك الطلبات، وتحديد نسبة الزيادة على أصناف محددة.
على الحكومة أن تعي جيدًا أن مشروعاتها الكثيرة والعملاقة التي حققتها خلال السنوات الماضية وحجم إنجازاتها الكبير في الإستثمارات المختلفة قد تضيع في لحظة ما أما الضغوط الهائلة الراهنة التي يمر بها المواطن ويئن منها الشعب، وعليها ألا تصم أذانها عن أهات الأهالي والأسر التي لا تستطيع توفير الدواء لأبنائهم، ومن قبله لقمة العيش نتيجة الزيادة الهائلة في إرتفاع الأسعار، والمستفيد منها هم مستغلي الأزمات فقط.
بصراحة على الحكومة أن تعلن وبشكل فوري فرض «التسعيرة الجبرية» على كافة السلع الغذائية والمنتجات الأساسية، وليس فقط الدوائية، ولكي ترفع عن نفسها الحرج أمام العالم عليها أن تأكد أن هذا الإجراء مؤقت لحين القضاء على مشكلة الدولار وسعر الصرف، ومن قبلهما جشع التجار والسيطرة على الأسعار، ولحين الإنتهاء من هذه الأزمة، كما يستلزم عليها أن تنشر السعر العادل بعد إضافة هامش ربح بسيط جدًا خلال الفترة المقبلة في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بشكل رسمي وملزم لجميع الشركات والتجار، وحال عدم الإلتزام يستوجب الإبلاغ عنه على أرقام واضحة ومحددة مع سرعة إتخاذ الإجراء القانوني اللازم والصارم ضده.
وللقضاء نهائيًا على مشكلة التلاعب بالأسعار لا بد أن تتعاون جميع أجهزة الدولة المعنية وخصوصًا المجموعة الوزارية المسؤولة عن الحالة الإقتصادية في الرقابة الصارمة والحازمة على الأسواق والسلع، وتكثيف حملاتها التفتيشية على الشركات والمحلات والمتاجر، مع الاستعانة بالأجهزة الأمنية كجهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني وقطاع المباحث العامة بالتعاون مع وزارة التموين وجهاز حماية المستهلك للتحري وكشف التجار المتلاعبين بالسعر وأماكن إختباء السلع، وهي مهمة وطنية تتعلق بالأمن القومي المصري شأنها شأن باقي الأمور التي تهدد أمن وإستقرار الوطن، ولا بد من إتخاذ إجراءات جريئة وفورية، وأن تعلن الحكومة وقت زمني محدد للقضاء على مشكلة تفاقم الأسعار بوجه عام، وعلى مجلس النواب القيام بدوره في مراقبة المدة المحددة ومراجعة مؤشرات الأداء، وأن تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة لتحقيق الإستقرار، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه.