ياسر حمدي يكتب: هرتلة الإسرائيليين.. والصهاينة العرب!!
ADVERTISEMENT
مع بداية العام الجديد ولو كان لي أن أقرأ الطالع السياسي مثلما يفعل العرافون لقلت إن الحرب في غزة ستستمر في ٢٠٢٤ حتى نهايته، وربما يشتد أوزارها يومًا بعد يوم بسبب فشل نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب، فلا هو هجَّر أهل قطاع غزة، ولا هو حرَّر رهينة واحدة بالقوة، ولا هو قتل واحدًا من قادة حماس الثلاثة الذين أعلن عن استهدافهم؛ وهو لا يملك إزاء هذا سوى إطالة أمد الحرب؛ لأن في نهايتها موته كسياسي إلى الأبد.
فشل إسرائيل في حربها في قطاع غزة جعل السياسيين في إسرائيل يطلقون «هرتلات» مختلفة تجاه مصر بسبب شعورهم بالألم من جانب، ورغبتهم في الهروب إلى الأمام من جانب آخر، ورمي البلا على مصر من جانب ثالث، ففي يوم الخميس الماضي تبجح المتطرف «بتسلئيل سموتريتش» وزير المالية الإسرائيلية، وأحد أهم أركان حكومة بنيامين نتنياهو قائلًا: إن «إسرائيل ستعمل على إقامة سورٍ فاصلٍ بين قطاع غزة ومصر في منطقة رفح لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة، وأن هذا السور الفاصل سيوقف ضخ الأكسجين في شرايين ما أسماهم بالإرهابيين».
ومنذ ثلاثة أيام ظهر «أفيجدور ليبرمان» في مقطع تليفزيوني وهو رئيس حزب متطرف وسبق له أن شغل منصب وزير الدفاع، وصرح قائلًا: «أنا لا يهمني مصر.. مصر تساعد حماس.. مصر وحماس شىء واحد.. يجب أن نضرب محور فلادلفيا.. أنا لا يهمني مصر.. مصر وحماس شىء واحد!!» كلام ليبرمان أكبر رد على لجان الخونة التي تتهم مصر بالتخلي عن غزة أو عدم مساندة أهلها، لكن هذا لا ينفي أن ما يقوله «هرتلة» صهيونية متعمدة.
بعد ظهور ليبرمان بيوم واحد صرح بنيامين نتنياهو بأن محور فلادلفيا لا بد أن يكون تحت سيطرة إسرائيل؛ من وجهة نظري الخاصة فإن هذا تصريح للاستهلاك المحلي من جانب، ولقياس رد فعل مصر من جانب آخر، رد فعل مصر مفهوم ومعروف ومعلن على لسان رئيسها وقواتها المسلحة عدة مرات، إذا تم تهديد الأمن القومي المصري فسنرد بالقوة وستكون كل المعاهدات في الحالة «لم يكن».
لكن الحقيقة أن نتنياهو يقصد أن يكون المحور تحت سيطرة إسرائيل من جانب غزة، وهذا أمر عليه أن يجربه أو يسعى له وهو جزء من الاعتداء الصهيوني على غزة وسيقاومه أهل غزة كما يقاومون كل اعتداء؛ وما أقصده أن تصريح نتنياهو حول ضرورة السيطرة على محور فلادلفيا من جانب غزة لم يأت بجديد، هو يحاول السيطرة على غزة كلها، ورد الفعل المصري وصل نتنياهو بكل تأكيد، لذلك تبقى هذه هرتلة صهيونية، ومحاولة من أكبر مسئول صهيوني للإيحاء بأن مصر تساعد حماس، وأن السلاح يدخل من الجانب المصري، وأن هذا هو مبرر إسرائيل في هزيمة حماس أو قتل قادتها أو تحرير الرهائن.
العقل الصهيوني المريض يقول لقادة إسرائيل إن مصر تذل الصهاينة في غزة من خلال حرب المدن التي لا يمكن حسمها بسهولة، وإن استفزاز مصر للدخول في حرب نظامية قد يكون هو المخرج للجيش الذي إدعى أنه لا يقهر؛ هذه ضلالات صهيونية واضحة؛ ستندم إسرائيل لو استفزت جيش مصر كما لم تندم من قبل، ومع ذلك مصر هي التي تحدد متى وأين وكيف تخوض معاركها؟، وحتى يحدث ذلك سيظل الساسة الصهاينة يهرتلون بالتصريحات كلما شعروا بالفشل.
الشارع الإسرائيلي ملتهب بالغضب ويزداد يومًا تلو الأخر حيث تأثرت عجلة الاقتصاد جراء هذه الحرب الشنعاء، بالإضافة إلى التكلفة المباشرة للعمليات الحربية؛ وهي باهظة بطبيعة الحال، وأن مزيدًا من العمليات يعني موت مزيد من الرهائن ومزيدًا من تظاهرات أسر الرهائن وأصدقائهم ومزيدًا من غضب الرأي العام على بنيامين نتنياهو وحكومته، وتصاعد هذا العضب بلا شك بعد أن نشرت «هآرتس»، منذ ثلاثة أيام، أن المرحلة المقبلة من الحرب ستستمر ستة أشهر، وهذه «مرحلة» واحدة، وليست الحرب بكاملها، وكلما استمرت الحرب زادت خسائر إسرائيل المادية والمعنوية.
هآرتس نشرت منذ أيام مقالًا للواء سابق في جيش إسرائيل هو «إسحق بريك» يتهم فيه الجيش بالفشل، ويطالب بأن تعلن إسرائيل عن أهداف أكثر تواضعًا حتى تستطيع تحقيقها، ويقول إن صورة إسرائيل المنتصرة عسكريًا من صناعة قنوات تليفزيونية كثيرة «لم يقل إن بعضها عربي للأسف»!، وفي التفاصيل يقول إسحق بريك إن شبكة أنفاق حماس ضخمة للغاية ومن المستحيل القضاء عليها لأنها - والكلام على عهدته - مرتبطة بشبكة أنفاق أخرى في مصر عبر رفح المصرية.
لا أعرف مدى دقة كلام إسحق بريك عن أنفاق غزة، ولكني أرى فيه رد أكثر من كافٍ على لجان الذباب الإلكتروني التي تدعي أن مصر أغلقت الأنفاق خدمة لإسرائيل، في حين أن إسرائيل تتهم مصر أنها تساعد حماس بالسلاح عبر أنفاق أخرى غير تلك التي كان يتسلل منها الإرهابيون لسيناء؛ أيًا كانت صحة هذه الادعاءات، فالجميع هناك يعترفون بأن الحرب ليست نزهة ويحملون مصر المسئولية بالكامل.
بشكل عام هناك ميل لدى إسرائيل لإلقاء اللوم على طرف قوي يبرر فشلها في الحرب، وإلى جانب اتهام مصر بشكل صريح بمساعدة حماس ودعمها، هناك ميل لتوسيع جبهة الحرب، واتهام إيران وعدة دول أخرى بنفس التهم، حيث ظهرت أصوات تتحدث عن توسيع نطاق المواجهة، منها ما قاله رئيس الأركان هناك حول أن إسرائيل تعرضت للهجوم من سبع جهات ردت على ست منها.
وخلاصة كل ذلك أن إسرائيل لم تحقق نصرًا سهلًا في غزة كما يبشر فريق «الصهاينة العرب» ورموزهم في بعض قنوات الإعلام، فإسرائيل نفسها تعترف بأنها لم تنتصر، وأنها في حاجة لمزيد من الوقت لتحقيق أهدافها التي أعلنتها، واحتمال تحقيقها لهذه الأهداف أقل من احتمال فشلها، وبالتالي فإن صورة انتصار إسرائيل هي من صُنع قنوات التليفزيون، وبعضها عربي للأسف الشديد جدًا!!.
وفي النهاية سوف يرحل سموتريتش وليبرمان ونتنياهو وبقية العصابة المتطرفة إلى المكان الذي يستحقونه، ويبقى الشعب الفلسطيني على أرضه في قطاع غزة متواصلاً مع مصر وكل العرب.