عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء: يجوز لـ المرأة أن تقرأ القرآن دون إرتداء الحجاب

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

أوضحت دار الإفتاء المصرية، حكم إرتداء المرأة لـ الحجاب أثناء قراءة القرآن الكريم من المصحف، وهل يجب إرتداؤه أم يجوز لـ المرأة أن تقرأ القرآن دون إرتداء الحجاب.

حكم إرتداء الحجاب أثناء قراءة القرآن

وقالت دار الإفتاء: إن لقراءة القرآن آداب ينبغي مراعاتها لتحصيل أكبر قدر من ثوابها، ومنها ستر العورة، والطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، واستقبال القبلة واتباع أحكام التلاوة.

وأكدت دار الإفتاء، أنه من الأفضل ارتداء المرأة الحجاب واستقبال القبلة أثناء قراءة القرآن الكريم، ولكن لا مانع شرعًا من قراءة القرآن بدون حجاب إذا كانت المرأة في بيتها.

حكم الحجاب في الإسلام

وأوضحت دار الإفتاء، أنه فيما يتعلق بحكم الحجاب في الإسلام؛ فمن المقرر شرعًا بإجماع الأولين والآخرين من علماء الأمة الإسلامية ومجتهديها، وأئمتها وفقهائها ومُحَدِّثيها: أنَّ حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف، وهي السن التي ترى فيها الأنثى الحيض وتبلغ فيه مبلغ النساء؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجهَ والكفين.

وزاد جماعة من العلماء القدمين في جواز إظهارهما، وزاد بعضهم أيضًا ما تدعو الحاجة لإظهاره كموضع السوار وما قد يظهر مِن الذراعين عند التعامل، وأمَّا وجوب ستر ما عدا ذلك فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون سلفًا ولا خلفًا؛ إذْ هو حكمٌ منصوصٌ عليه في صريح الوحْيَيْن الكتاب والسنة، وقد انعقد عليه إجماع الأمة، وبذلك تواتَرَ عملُ المسلمين كافة على مر العصور وكر الدهور مِن لَدُنْ عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأجمعوا على أن المرأة إذا كشفَتْ ما وجب عليها سترُه فقد ارتكبَتْ مُحرَّمًا يجب عليها التوبةُ إلى الله تعالى منه، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأحكام القطعية التي تشكل هوية الإسلام وثوابته التي لا تتغير عبر العصور.

الأدلة من القرآن على فرضية الحجاب

وتابعت دار الإفتاء: إن تفصيل أدلة فرضية الحجاب على الوجه الذي ذكرناه ما يلي؛ فأما دليل الكتاب:

فقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]. والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآية هي أن النساء كن يُظهِرن شعورهن وأعناقهن وشيئًا من صدورهن فَنَهاهُنَّ الله عز وجل عن ذلك، وأمرهن بإدْناء الجلابيب على تلك المواضع التي يكشِفْنَها؛ حتى ينكف عنهن الفُساق إذا رأوا حشمتهن وتستُّرَهن، وأكد على شمول الحكم فيها لكل أفراد النساء بقوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

فنهت الآية الكريمة المؤمنات عن إبداء زينتهن، واستثنت الزينة الظاهرة، وقد فسَّر السلف الصالح -مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الأئمة المجتهدين والفقهاء المتبوعين- الزينة الظاهرة التي يجوز للمرأة إبداؤها بالوجه والكفين، وزاد بعض السلف -كالسيدة عائشة رضي الله عنها- القدمين، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والثوري والمزني من الشافعية واختيار ابن تيمية من الحنابلة، وبعضهم زاد موضع السوار، وفسرها بعض السلف بالثياب، أما غير ذلك فلم يختلف أحد من السلف ولا الخلف في عدِّه من الزينة الواجب سترها، أي إن ما عدا هذه الزينة الظاهرة لا يجوز للمرأة إظهاره باتفاق العلماء وليس هو محلًّا للخلاف أصلًا على اختلاف أقوالهم في تفاصيل الزينة الظاهرة.

وجاء الأمر الإلهي في الآية للنساء المؤمنات بضرب الخُمُر على الجيوب، والخُمُر: جمع خِمَار، وخمار المرأة في لغة العرب هو مَا يُغطِّي رَأْسها، قال العلامة الفيومي في "المصباح المنير" (مادة خمر): [الخِمار: ثوب تغطي به المرأة رأسها، والجمع خُمُر] اهـ. والجُيُوب: جمع جَيْب، وهو الصدر. فجاء على غاية ما يكون وضوحًا في بيان المقصود؛ فإن التعبير بضرب الخمار على الجيب: يقتضي ستر الشعر والعنق والنحر، والعدول عن التعبير بضربه على الوجه إلى الضرب على الجيب يقتضي في الوقت نفسه كشفَ الوجه، وهذا مِن أبلغِ الكلام وأفصحِه، وأبينِه وأوضحِه.

قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (19/ 159): [يقول تعالى ذكره: وليلقين خُمُرهنَّ، وهي جمع خمار، على جيوبهنَّ، ليسترن بذلك شعورهنَّ وأعناقهن وقُرْطَهُنَّ] اهـ.

وقال الإمام أبو محمد بن حزم في "المحلَّى" (2/ 247، ط. دار الفكر): [فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة، والعنق، والصدر. وفيه نص على إباحة كشف الوجه؛ لا يمكن غير ذلك أصلًا] اهـ.

وقال الإمام القرطبي في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (8/ 5071، ط. مجموعة بحوث الكتاب والسنة): [أيْ: وليلقين خمرهن، وهو جمع خمار على جيوبهن، ليسترن شعورهن وأعناقهن] اهـ.

وقال الإمام السمرقندي في "بحر العلوم" (2/ 508): [قوله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ يعني: ليرخين بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ، يعني: على الصدر والنحر. قال ابن عباس: «وكنَّ النساء قبل هذه الآية يبدين خمرهن من ورائهن، كما يصنع النبط، فلما نزلت هذه الآية، سدلن الخمر على الصدر والنحر». ثم قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ، يعني: لا يظهرن مواضع زينتهن، وهو الصدر والساق والساعد والرأس، لأن الصدر موضع الوشاح، والساق موضع الخلخال، والسَّاعد موضع السوار، والرأس موضع الإكليل، فقد ذكر الزينة وأراد بها موضع الزينة] اهـ.

وقال الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 251، ط. مطبعة السعادة): [ويستر الخمار عنقها وقصتها ودلاليها ولا يظهر منها غير دور وجهها] اهـ.

وقال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (6/ 42، ط. دار الكتب العلمية): [ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها؛ ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية؛ فإنهن لم يكن يفعلن ذلك، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء، وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن] اهـ.

الأدلة من السنة على فرضية الحجاب

أما الحديث: فأخرج أبو داود في "سننه" واللفظ له، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شُعَب الإيمان" عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما دخلَتْ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم وعليها ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.

وتضعيف هذا الحديث بسعيد بن بشير، وخالد بن دريك: غير سديد؛ فقد وثق سعيدًا جماعةٌ من الأئمة، وصحح حديثَه الحاكمُ في "المستدرك" وقال: [وسعيد بن بشير: إمام أهل الشام في عصره إلا أن الشيخين لم يخرجاه بما وصفه أبو مسهر من سوء حفظه، ومثله لا ينزل بهذا القدر] اهـ. ووافقه الحافظ الذهبي، وأما خالد بن دُرَيك فقد وثقه النسائي وغير واحد.

وقد عُلِّل هذا الحديث أيضًا بالإرسال بين خالد بن دُرَيْك وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا التعليل متعقَّبٌ مِن وجهين:

الأول: أن المرسل مقبول إذا عضَّده قول صحابي أو فعله، كما هو مذهب الإمام الشافعي والمحققين من الأصوليين، قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 319، ط. دار الكتب العلمية): [مع هذا المُرسَل قولُ مَن مضى مِن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة، فصار القولُ بذلك قويًّا] اهـ.

الثاني: أنه منجبر بالطرق الأخرى للحديث؛ حيث ورد مِن أكثر مِن طريق: فأخرجه أبو داود في "المراسيل" عَنْ قَتَادَةَ مرسلًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِلِ»، وهو مرسل صحيح.

وأخرج الطبراني في معجميه: "الكبير" و"الأوسط"، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها أنها قالت: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشةَ بنتِ أبي بكر، وعندها أختُها أسماءُ بنتُ أبي بكر، وعليها ثيابٌ شاميةٌ واسعةُ الأكمام، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فخرج، فقالت لها عائشة رضي الله عنها تَنَحَّيْ؛ فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرًا كرهه، فتنَحَّتْ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسألَتْه عائشةُ رضي الله عنها: لم قام؟ قال: «أَوَلَمْ تَرَيْ إِلَى هَيْئَتِهَا، إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا إِلَّا هَكَذَا» وأخذ بكُمَّيْه، فغطى بهما ظهر كفَّيْه حتى لم يبد مِن كفَّيْه إلا أصابعُه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يَبْدُ إلا وجهُه. قال الحافظ الهيثميُّ في "مجمع الزوائد" (5/ 137، ط. مكتبة القدسي): [فيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح] اهـ.

وقد تقرر عند أهل الحديث أن المرسل إذا تعددت مخارجُه فهو في محل القبول؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [يُقْبَلُ إِنِ اعْتَضَد بمجيئِهِ مِن وجهٍ آخرَ يُبايِنُ الطريقَ الأُولَى، مسنَدًا أو مرسَلًا، لِيَرْجحَ احتمالُ كونِ المحذوفِ ثقةً في نفسِ الأمرِ] اهـ. نقلًا عن "نزهة النظر" للحافظ ابن حجر (ص: 101-102، ط. مطبعة سفير).

وأخرج أبو داود والترمذي في "سننهما" عن نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟» قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وفي هذا الحديث دليلٌ على وجوب احتجاب المرأة عن الرجل ما لم يكن مملوكًا لها، وأنها إنما أُمِرت بالاحتجاب منه هنا إذا ملك ما يؤدي به وإن لم يؤده حقيقةً تورعًا، قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم على التورع، وقالوا: لا يعتق المكاتب وإن كان عنده ما يؤدي حتى يؤدي.

وأخرج أبو داود في "السنن" عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ، إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ».

قال الحافظ ابن الملقن في "البدر المنير" (7/ 510، ط. دار الهجرة): [هذا إسناد جيد، وسالم وثقه يحيى بن معين، وليَّنه أبو زرعة، وقد تابعه سلام بن أبي الصهباء، عن ثابت لا جرم، قال الحافظ ضياء الدين في "أحكامه": لا أعلم بإسناده بأسًا. وقال ابن القطان في كتابه "أحكام النظر": لا يبالى بقول أبي زرعة -يعني: السالف- فإن العدول متفاوتون في الحفظ بعد تحصيل رتبة العدالة، والحديث صحيح] اهـ.

وهذا الحديث صريحٌ في وجوب تغطية الرأس؛ لتحرُّج السيدة فاطمة رضي الله عنها من كشف رأسها حتى تغطي رجلها، ولو كان أحد الموضعين أوجب من الآخر في التغطية، أو كانت تغطية أحدهما واجبة وتغطية الآخر سنة لقدَّمَتْ الواجبَ بلا حرج.

وأخرج الترمذي والنسائي في "سننهما" عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، فَقَالَتْ: إِذن تَنْكَشِف أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ»، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قال الشيخ المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (5/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [قوله (يرخين) بضم أوله من الإرخاء وهو الإرسال أي يرسلن من ثيابهن (شبرا) أي من نصف الساقين] اهـ.

وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مِمَّا أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ» قُلْتُ: كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ عِظَامَهَا». قال الحافظ ضياء الدين المقدسي في "الأحاديث المختارة" (4/ 149، ط. دار خضر): [إسناده حسن]، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 136، ط. مكتبة القدسي): [رواه أحمد، والطبراني، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات] اهـ.

وأخرج أبو داود في "سننه" عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِقَبَاطِيَّ، فَأَعْطَانِي مِنْهَا قُبْطِيَّةً، فَقَالَ: «اصْدَعْهَا صَدْعَيْنِ، فَاقْطَعْ أَحَدَهُمَا قَمِيصًا، وَأَعْطِ الْآخَرَ امْرَأَتَكَ تَخْتَمِرُ بِهِ»، فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ: «وَأْمُرِ امْرَأَتَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهُ ثَوْبًا لَا يَصِفُهَا».

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدِي فَتَاةٌ، فَأَلْقَى إِلَيَّ حِقْوَهُ، فَقَالَ: «شُقِّيهِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَتَاةِ وَبَيْنَ الَّتِي عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِنِّي لَا أَرَاهُمَا إِلَّا قَدْ حَاضَتَا».

وأخرج ابن ماجه في "سننه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَاخْتَبَأَتْ مَوْلَاةٌ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «حَاضَتْ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَشَقَّ لَهَا مِنْ عِمَامَتِهِ، فَقَالَ: «اخْتَمِرِي بِهَذَا».

وأخرج الإمام أحمد والروياني في "مسنديهما" عَنْ عُقْبَةَ بن عامر رضي الله عنه أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».

وفي رواية الروياني أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وتَنْشُرَ شَعْرَهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لِغَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكَ، مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ، وَلْتُهْدِ هَدْيًا -وَأَحْسَبَهُ قَالَ: وَتُغَطِّي شَعْرَهَا-».

قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 83، ط. دار العربية): [هذا إسناد فيه عبد الكريم، وهو ابن أبي المخارق، ضعَّفه أحمد وغيره، بل قال ابن عبد البر: مجمع على ضعفه. انتهى. رواه محمد بن عمر في مسنده عن سفيان بالإسناد والمتن، إلا أنه قال من ثوبه بدل عمامته] اهـ.

قال الإمام الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5/ 398-399، ط. مؤسسة الرسالة): [فكان فيما روينا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقبة أن يأمر أخته بالكفارة فيما كان منها من المعصية، وتَرْكِ تلك المعصية؛ إذْ كانت الشريعة تمنعها منها.. وكانت في نذرها بمعنى الحالفة لكشفها شعرَها في مشيها، فلم يكن منها ما حلفت عليه؛ لمنع الشريعة إياها عنه، فأُمِرَتْ بالكفارة عنه كما يؤمر الحالف بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيها] اهـ.

وقد بلغ من أهمية حجاب المسلمة أن ارتبط في الشريعة ارتباطًا وثيقًا بالصلاة؛ بحيث إنها لا تقبل دونه، أي إنه فرض ديني إسلامي وليس رمزًا طائفيًّا؛ فأخرج الخمسة إلا النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ -من بلغت سن المحيض- إِلَّا بِخِمَارٍ».

قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 198، ط. دار الحديث): [وفي قوله: «إِلَّا بِخِمَارٍ» ما يدل على أنه يجب على المرأة ستر رأسها وعنقها ونحوه، مما يقع عليه الخمار] اهـ.

وقال الشيخ أبو الحسن المباركفوري في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 478، ط. الجامعة السلفية): [والحديث يدل على أن رأس المرأة عورة، وأنه يجب عليها ستر رأسِها وعنقِها حال الصلاة] اهـ.

وأخرج أبو داود في "سننه" والحاكم في "المستدرك" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/ 634، ط. دار الفكر): [قال الشافعي: لو انكشف شيء مما سوى الوجه واليدين، فعليها الإعادة. نَقَلَهُ الطِّيبي] اهـ.

وأخرج الطبراني في مُعجَمَيْه: "الأوسط" و"الصغير" عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِي زِينَتَهَا، وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ».

وأخرج أبو داود في "المراسيل" عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ رُؤُوسَهُمْ»، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: «وَامْرَأَةٌ قَامَتْ إِلَى الصَّلَاةِ وَأُذُنُهَا بَادِيَةٌ».

وهذه الأحاديث توضح بجلاء ارتباط الحجاب بالدين حتى إن الصلاة التي هي من أركان الدين لا تقبل دونه، أي إنه فرض ديني إسلامي وليس رمزًا طائفيًّا.

الإجماع على فرضية الحجاب

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفًا وخلفًا على وجوب الحجاب وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة.

ومما نُقِل من إجماع الأمة في ذلك:

قال الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه "مراتب الإجماع" (ص: 29، ط. دار الكتب العلمية): [وَاتَّفَقُوا على أَن شعر الحُرَّة وجسمها حاشا وَجههَا ويدها عَورَةٌ، وَاخْتلفُوا فِي الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ حَتَّى أظفارهما أعورة هِيَ أم لَا] اهـ. وأقره على ذلك الشيخ ابن تيمية الحنبلي؛ فلم يتعقبه في كتابه "نقد مراتب الإجماع".

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي في "التمهيد" (15/ 108، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [أجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة] اهـ، وقال أيضًا (6/ 364): [كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم. وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور: على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها] اهـ.

وهذا صريح في أن المختلفين في الوجه والكفين ونحوهما؛ كالقدمين، وموضع السوار من الذراعين، قد انعقد بينهم الإجماع على وجوب تغطية ما سوى ذلك، ولا يوجد عند المسلمين أي قول بجواز كشف ما عدا ذلك من جسد المرأة.

وقال الحافظ ابن عبد البر أيضًا في كتابه الحافل "الاستذكار" (2/ 196، ط. دار الكتب العلمية): [أجمع العلماء على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين] اهـ. ثم قال (2/ 201): [الذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيق سابغ وتخمر رأسها؛ فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها] اهـ.

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي في "قواطع الأدلة في الأصول" (2/ 82، ط. دار الكتب العلمية): [الأصل أن بدن المرأة كله عورة وأن عليها الستر وترك التبرج، إلا أن موضع الوجه منها موضع الحاجة والضرورة؛ لأن إثبات عينها والمعرفة بها عند المعاملات لا يقع إلا برؤية الوجه، وأيضًا فإن مصلحتها في أسباب معاملتها لا يكمل إلا بذلك، وأما الشعر فلا ضرورة في إبرازه بحال فصار كسائر بدنها] اهـ.

وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (12/ 237، ط. دار الكتب المصرية): [أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلها عورة، إلا وجهها ويديها؛ فإنهم اختلفوا فيهما] اهـ.

وعلى ذلك فوجوب ستر المرأة جسدها ما عدا وجهها وكفيها وقدميها وبعض ذراعيها هو من الأحكام الشرعية القطعية التي أجمع عليها المسلمون عبر العصور على اختلاف مذاهبهم الفقهية ومشاربهم الفكرية، ولم يشذ عن ذلك أحد من علماء المسلمين سلفًا ولا خلفًا، والقول بجواز إظهار شيء غير ذلك من جسدها لغير ضرورة أو حاجة تُنَزَّل منزلتَها هو كلام مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين المسلمين، وهو قولٌ مبتدَعٌ منحرف لم يُسبَقْ صاحبُه إليه، ولا يجوز نسبة هذا القول الباطل للإسلام بحال من الأحوال.

تابع موقع تحيا مصر علي