ياسر حمدي يكتب: خطيب الجمعة.. ودعوة الأوقاف للصلاة على النبي
ADVERTISEMENT
الجمعة قبل الماضية دعت وزارة الأوقاف جموع المصلين في ربوع القطر المصري إلى الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد قضاء صلاة الجمعة مباشرة بالصلاة الإبراهيمية، ولاقت إستحسان وقبول منقطع النظير، وحرص المصلين جميعًا على الإبتهال بالصلاة والسلام على شفيع الأمة، ورأيت في وجوه الحاضرين معي أثناء الصلاة وقتها عاطفة جياشة للحبيب المصطفى، كما مُلئت عيونهم بدموع الحب والفرح والشجن بالصلاة على رسول الإنسانية وخير البرية ما جعلني اشعر بالإنبهار.
الدعوة التي أطلقها وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، وجميع قيادات الوزارة، وفرح بها المصريون جميعًا وسرت قلوبهم، لم تلقى قبولًا وإستحسانًا في المحروسة وحدها قط؛ بل سارع عدد كبير جدًا من الدول الإسلامية في جميع انحاء العالم في العمل على تنفيذها ودعوا إليها في بلدانهم، وتحولت هذه الجمعة إلى دعوة «مليارديرية» حول الكرة الأرضية للصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بفضل ما قامت به وزارة الأوقاف المصرية.
في هذا اليوم العظيم تحولت مساجد المحروسة من صلاة جمعة عادية إلى عيد كبير سعد به جموع المسلمين وفرحوا به فرحًا جمًا، وهللوا خلف كل إمام بالصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وظلت مكبرات الصوت تردد أصوات وتهليل المصلين لأكثر من الربع ساعة، والجميع سواء من هم داخل المساجد أو المواطنين في الشوارع وحتى من هم داخل الشقق والمنازل يصلون في سعادة بالغة ويسلمون على الحبيب المصطفى.
الغريب أن هذه الدعوة العظيمة قوبلت بالسخرية من قبل المشككين والمهاجمين والمتربصين والمتنطعين؛ ووجهت لها بعض الإنتقادات على أيادي عدد من الخبثاء والمضللين بحجج واهية، ودعوا أعوانهم للهجوم عليها والسخرية منها على جميع وسائل التواصل الإجتماعي خلال هذا الإسبوع الماضي، على الرغم من تحقيقها نجاحًا باهرًا وتحولت إلى ما أسميته «عرسًا دينيًا» ادخل البهجة والسرور على قلوب المسلمين.
الأغرب ما قام به خطيب جمعة اليوم في خطبته على منبر المسجد الذي تعودت على الصلاة فيه منذ أن تم إفتتاحه منذ اربعة أعوام أو يزيد، فقبل أن اسرد ما قام به الخطيب خلال خطبته؛ سوف اخبركم ببعض التفاصيل عن هذا المجمع الإسلامي العظيم، الذي اعتبره منارة لعلوم الدين الإسلامي الحنيف، فمنذ نشأته وجميع القائمين عليه يتبعون منهج السنة النبوية الشريفة، ويعلمون المصلين العلوم الشرعية بإحترافية وعلم يتسم بالوسطية والاعتدال، ونهج تنويري على خطى الأزهر الشريف، وبما دعى إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، دون التطرق للسياسة أو الفكر المتطرف التي تتزعمه وتتبناها جماعة الإخوان الإرهابية ومعاونيها.
الحقيقة التي لا يمكن الجدال فيها أن القائمين على إدارة هذا المسجد ينتقون جميع الخطباء الذين يلقون خطبة الجمعة، فجميع المشاركين في الخطبة وإلقاء الدروس الدينية أساتذة بما تحتوية الكلمة من معنى، فهم من علماء الأزهر الشريف دراسة وفكر، والغالبية العظمى منهم حاصلون على درجة الدكتوراه من نفس الجامعة؛ والأقلية على درجة الماجستير، ولا يتحدثون إلا بقال الله وقال الرسول، ولم ولن يتطرقوا للسياسة ولا حتى الإشارة إليها في دروسهم التعليمية الراقية والمستنيرة، فقط تعاليم العلوم الدينية والشرعية بما ورد عن رسول الإنسانية.
أما الأئمة الذين يأمون المصلين للصلاة فحدث ولا حرج، أصواتًا ذهبية وحناجر قوية تتغنى بكلام رب البرية بالقراءات العشر، تشعر معهم وكأنك في الحرم المكي، بلابل تغرد وتشدوا بكلام المولى سبحانه وتعالى بمقاماته وألحانه الربانية التي تشفي القلوب وتشرح الصدور، مع روعة المؤذن وهو ينادي للصلاة بالأذان، حقيقي هذا الصرح الديني العظيم مميز عن غيره في كل شيء، فيه من الروحانيات ما يجعلك تشعر بغذاء الروح وطعم العبادة، جهد مشكور لإدارة هذا الصرح الإسلامي الحنيف، داعيًا الله لهم بالسداد والتوفيق وأن يجمعنا الله في الفردوس الأعلى من الجنة.
بالعودة لخطيب هذه الجمعة، فقد بدأ خطبته بأسلوب شيق رائع وجميل وممتع يشد معه المتلقي للمتابعة، وللأمانة كان عبقري في فن الخطابة، تحدث عن السلام النفسي عند بعض الناس في العصر الجاهلي، وبدء يقارن بين عصر ما قبل الإسلام والوقت الحالي الذي نعيش فيه، وعدد الأمثلة؛ وضرب مثل بما كان يميز «ورقة بن نوفل» هذا الراهب الذي إتفق عليه معظم المؤرخين المسلمين بأنه يعد هو أول من آمن بالنبي الكريم من الرجال.
عبقرية الخطيب جعلته يربط بين العصر الجاهلي والفتن التي تحاك بالمسلمين الآن، وظلت الخطبة في غاية التشويق والروعة والجمال اللغوي واللفظي حتى قبل نهاية الشق الثاني والأخير من الخطبة، حينها كان يتحدث عن التبرج في العصر الجاهلي وما يحدث الآن، وأكد على أن التبرج في وقتنا هذا يتفوق على ما حدث في العصر الجاهلي بكثير وتخطاه بمراحل عدة، ثم تحول فجأة وأظهر خبثه في الربط بين العصرين حينما تحدث بتهكم شديد على الدعوة التي قامت بها وزارة الأوقاف للصلاة على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وهاجم هذه الدعوة بقوة ثم أنهى خطبته، الغريب أن دعائه كله في نهاية الصلاة كان يحمل تفريج الكرب وإزالة الهم والغم عن مصر، والدعوة لها بالأمن والأمان والسخاء والرخاء، وتوفيق الحاكم وسداده في إدارة شؤون البلاد.
انتهت الصلاة، وقررت أن أواجهه أمام المصلين، اقتربت منه واستأذنته في التعليق على ما قاله عن هذه الدعوة العظيمة من وزارة الأوقاف، قلت له أمام كل المصلين إنني كنت أنوي مقاطعته أثناء الصلاة، لكن خشيت أن تفسد صلاتي، وقلت له إن معظم ما قاله عن هذه الدعوة خطر وخطير، وليس من الإسلام في شيء، وأخبرته أن ذلك على حد علمي بعلوم ديننا الحنيف.
سألته لماذا هاجمت هذه الدعوة على الرغم أنها دعوة للصلاة على النبي ولا هناك ما يدعوا للهجوم عليها؟ قال لي أنه لم ولن يفعل الرسول الكريم وأن دعى لمثلها، فقلت له لكن الصلاة على النبي حث عليها الله في كتابه الكريم وأمرنا بالصلاة عليه كما يصلي عليه وملائكته ورسله، وأن الصلاة على النبي غير مشروطة بوقت معين ولا مكان محدد، ويجوز التذكير بها والدعوة لها، فرد قائلًا: «لا يجوز الدعوة لها عنوة وجبرًا»، ولِما كانت الدعوة في هذا التوقيت؟.
كان ردي عليه هل وزارة الأوقاف دعت لشيء يغضب الله أم أنها دعت للصلاة على النبي محمد؟ وهل الدعوة للصلاة على النبي بدعة كما يدعي البعض؟ ولماذا لم نحسن الظن بما قام به وزير الأوقاف ووزارته من طلب الناس بالصلاة وسلام على رسولنا الكريم؟، كما ذكرت له أن الوزارة في دعوتها أكدت على أن الصلاة على النبي وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة والصحيحة في جميع كتب علم الحديث يقبل الله بها الدعاء، ويرفع بها الكرب، ويزيل بها الهم والغم، ويقضي بها الحاجات، ونحن ندعوا للصلاة عليه من أجل ذلك، خاصةً في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار التي تؤرق جميع المسلمين، وللتذكرة.
كما سألته: لماذا لم نرى إنتفاضة عارمة وغضب شديد كهذا على ما قامت به جماعة الإخوان الإرهابية من إعتلاء منابر جميع مساجد وزوايا المحروسة من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها في خطبة واحدة كل ما فيها هي الدعوة لخروج الناس للإستفتاء على تعديل الدستور؟!! وذلك بعد قامت بالضغط على المجلس العسكري، بعد أحداث يناير ٢٠١١، وفرضت عليه جبرًا أن يعلن بتعديل بعض مواد الدستور وقتها؟!! ثم ذكرت له مستنكراً أنهم لو سمح لهم الأخوة الأقباط حينها بإستعلاء كنائسهم لدعوة المسيحيين يومها لفعلوا، ولم نرى أي أحدٍ منكم تفوه ولو بشجب أو إستنكار بسيط أو غضب حتى لفعلتهم، فلماذا إذن هذا الغضب الشديد وهذه الهجمة الشرسة لفعل هو في الأصل من خصال الدين؟!! وأمر طيب، ألم يكن هذا كيل بمكيالين؟!! قلت له كلامًا كثيرًا في هذا الاتجاه، فلم يرد، ثم حاول أن يتملص مما أقول.
لكن اصريت على استكمال الحديث وقلت له لماذا هذه البلبلة التي حدثت بين المصلين في أمر جوهري ليس من ثوابت ولا صميم الدين، أليس مثل هذا الخلاف على أمر بسيط من أمور الدين قد محى مجهودك العظيم في خطبة رائعة مثل هذه، ويضعف الدين أمام المتربصين به والمستغلين لخلاف علمائه على أمور قد تبدوا بسيطة ويمكن أن نتداركها ببساطة وسهولة ويسر، كما يعطي الفرصة لكثير من الرويبضة الذين يستغلون مثل هذه الخلافات ويدعون لهدم ثوابت الدين والضرب في أعمدته مثلما فعل السفهاء منهم بالتشكيك والتضليل في صحيح البخاري ويهاجمونه؟!!
وقلت له أيضًا كان من الأحرى أن تحرج الوزارة بشكل لطيف وخفيف ولا يحدث هذه الزوبعة وتلك البلبلة بين صفوف المصلين وأن تقول ما قمت به شيء محمود ولقى استحسان الناس ونحن ندعوا له كل يوم ونذكر به جموع المسلمين، فهو سنة مؤكدة غفلنا عنها، فوجب علينا أن نذكر بها في كل وقت وحين كما فعلت الأوقاف، لكن دعت له بشكل فيه بعض الأخطاء الطفيفة التي نذكر أنفسنا ونذكر الوزارة بعدم الوقع فيها مرةً أخرى، خصوصًا وأنك تتحدث بلباقة وطلاقة، فرد: ما قامت بيه وزارة الأوقاف من فرض وإجبار أئمتها وإلزامهم بتصوير الناس أثناء الصلاة على النبي بدعة، فقلت: معلوم للعامة أنه بعد ٣٠ يونيو وما تلاها من أحداث دموية، فرضت الوزارة ذلك على أئمتها ووحدت صفهم في موضوع الخطبة كذلك من أجل تقييم الأئمة وتنقيح خطبهم من بعض الأفكار المغلوطة والمتطرفة، وعدم التحدث في الأمور التي تحدث بلبلة بين صفوف الشعب، فرفض الرد وأنهى الحديث.
فهمت من كلام بعض المصلين الذين خرجوا معي بعد نهاية الصلاة، والمقربين من إدارة هذا الصرح الديني الإسلامي الكبير أن إدارة المسجد رشيدة وتتسم بالحكمة، ولن تسكت على هذا أبداً، ولم تمر فعلته مرور الكرام، وأنها سوف توجه له تحذير شديد اللهجة على فعلته هذه، وإن رفض فسوف تمنعه من الصعود على هذ المنبر العظيم مرة أخرى، وأنا شخصيًا على يقين تام أنهم سيفعلون ذلك.
أعرف وأدرك الجهد الكبير جدًا الذي يقوم به الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في إبعاد مثل هذه النوعية من الخطباء والأئمة من على المنابر، ومن كل الأماكن التي يمكن أن يؤثروا فيها على عقول الناس خصوصًا الشباب، وأعرف كثيرًا عن المجهودات التي بذلها ومعه كبار مساعديه، لكن كنت أتمنى أن تدعوا الوزارة لهذه الدعوة الكريمة دون أن تلزم أئمتها بأشياء تجعل مثل هؤلاء المتربصين بها يستغلونها ضد أمرهم الطيب، وتترك الأمر كله بين يدي المصلين وجمع المسلمين في كل مكان، وأنا على يقين تام أنها كانت ستتم بهذا الشكل الذي ظهرت عليه.
المهم أتمنى أن تتواصل جهود وزارة الأوقاف للتفتيش الدائم والمستمر على كل الزوايا والمساجد، لأن مثل هذه النوعية من الخطباء يمكن أن تدمر كل الجهود التي تبذلها الدولة في مقاومة التطرف والإرهاب.