عاجل
الإثنين 23 ديسمبر 2024 الموافق 22 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: هل نجحت القمة العربية في جدة أم لا؟

ياسر حمدي
ياسر حمدي

سؤال يشغل بال كثيرين من الذين تابعوا القمة العربية الدورية الثانية والثلاثين، والتي انعقدت يوم الجمعة الماضي في مدينة جدة السعودية، بمشاركة سورية رسمية، وركزت القمة خلال ساعاتها المحدودة التي بدأت في الثالثة إلا الربع عصرًا وانتهت في الثامنة مساءًا بالمؤتمر الصحفي للأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية السعودي على ملفات سوريا والأزمة في السودان والقضية الفلسطينية إضافة إلى قضايا الأمن العربي والتنمية.

وقبل الإجابة على هذا السؤال المهم علينا أن نعي جيدًا أنه بحسب التحليلات فإن قمة جدة هي قمة إنهاء النزاعات وتصفية آثار الربيع العربي المزعوم، وبالتالي فإن علينا أن نطرح السؤال: وماذا بعد؟، نعرف جميعًا أن الوحدة السياسية بين الدول العربية هي أمر خيالي غير قابل للتحقق لعشرات الأسباب على الأرض، رغم أن الوحدة ظلت حلم الشعوب العربية سنوات طويلة، ومن هنا علينا أن نفهم ونعي هل نجحت قمة جدة أم لا؟ ولعلها وجهة نظر الغالبية العظمى من أبناء الوطن العربي.

لكن الوحدة الإقتصادية بين العرب هي أمر قابل للتحقق ومفيد لكل العرب، فقيرهم وغنيهم، ومع ذلك لا تتحقق أبدًا، وبالتالي يتأكد لنا ما إذا كانت القمة العربية قد نجحت هذه المرة أم لا؟، والجميع يعلم أن هناك من يحرص على تحقيق الوحدة الإقتصادية والسوق العربية المشتركة، ويبذل الجهد حتى يتأكد من عدم تحققه.

حلم المفكرون كثيرًا بالوحدة الإقتصادية بين العرب وضربوا مثلًا بالإتحاد الأوروبي الذي حقق التكامل بين دوله كلها رغم إختلاف اللغات والعقائد، ووجود تاريخ سابق من العداء بين دوله المختلفة، وحربان عالميتان، وملايين القتلى ومع ذلك نجح الأوروبيون في استغلال الاختلافات بينهم لتحقيق الوحدة، والعرب المشتركون في اللغة والوطن والعرق؛ لا حول لهم ولا قوة، والسؤال إذن متى يتحقق حلم الوحدة الإقتصادية والسوق العربية المشتركة؟.

حلم العرب في الستينيات بتحقيق الوحدة بينهم لكنهم ساروا من سيئ إلى أسوأ، بدلًا من الوحدة جاءت الهزيمة ثم الإحتلال ثم الخلاف على طريقة حل القضية ثم غزو العراق للكويت ثم وجود قوات أجنبية في المنطقة ثم حرب العراق وغزوها ثم داعش وتفجير الإرهاب ثم محاولات إسقاط الدول الوطنية كان آخرها السودان ثم ذهب العرب جميعًا إلى قمة جدة واتفقوا على تصفية آثار حرب هذا الربيع العربي الكاذب.

من وجهة نظري هذا هو سؤال المستقبل: ماذا بعد قمة جدة والإتفاق على تصفية أثار الربيع العربي وتنحي الخلافات العربية جنبًا إلى جنب؟ كيف تتجاوز دول، مثل سوريا ومصر أيضًا آثار ما سمي بالربيع العربي؟، كيف يفرض العرب أنفسهم كقوة إقتصادية على عالم يتشكل من جديد الآن؟، كيف يستفيد العرب من رءوس الأموال ومن القوة البشرية ومن الأرض الخصبة ومن القوة العسكرية؟، كيف يساند بعضهم البعض بدلًا من أن يضعف بعضهم البعض؟.

وإن شئت فسأل كيف يستثمر العرب الأثرياء في الدول العربية ذات الاقتصادات الواعدة فيفيدون ويستفيدون وفق قاعدة الجميع يربح؟، بل كيف يمد العرب أيديهم لدول الجوار بقوة يستمدونها من ودهم فتكف هذه الدول أذاها عن أي دولة عربية خشية من تضامن بقية الدول معها؟.. هذه كلها أسئلة تطرحها قمة جدة ونهاية مرحلة محاولات تصفية الدول الوطنية العربية، وتجيب على سؤالنا الأساسي والأهم هل نجحت قمة جدة أم لا؟.

الإجابة عن السؤال مرتبطة إرتباط وثيق بالإجابة على جميع الأسئلة السابقة، كما أنها نسبية ومختلفة كلاً حسب مصلحته، فلو نظرنا لقمة جدة من حيث التنظيم والتمثيل الدبلوماسي والسياسي نجدها قد نجحت في هذا الجانب بإمتياز خصوصًا بعد عودة سوريا لأحضان الجامعة العربية، وعاد الأسد لعرينه رئيسًا للجمهورية السورية وممثلًا شرعيًا لوفدها في الجامعة العربية وذلك بعد إنقطاع عن القمة منذ عام ٢٠١٢.

لكن من ناحية أخرى الشكل الذي ظهرت به قمة جدة والبيان الختامي لها يفتح الباب للتساؤل حول مستقبل العمل العربي في المرحلة القادمة.. والمعنى أنه إذا كان العرب قد اتفقوا على ضرورة إطفاء الحرائق وإيقاف معاول الهدم فمتى يتفقون على البناء؟، ومتى نرى وحدة إقتصادية وثقافية عربية؟.. لقد مر العمل العربي بمراحل مختلفة منذ دعت مصر لتأسيس جامعة الدول العربية عام ١٩٤٦ وعقد اجتماع التأسيس في القاهرة، ومن وقتها وحتى الآن الوحدة العربية محلك سر.

مازال العرب يقولون إن القضية الفلسطينية هي قضيتهم المركزية، وإنهم يؤيدون حل الدولتين ويدينون إسرائيل وسياساتها العنصرية، لكن ماذا بعد؟، فهناك عددًا كبيرًا من الفلسطينيين يقولون سرًا وجهرًا إن العرب خذلوهم ولم يعودون يقدمون لهم إلا الكلام الإنشائي، وهذه حقيقة مؤكدة، في حين تعيث إسرائيل قتلًا وتدميرًا وإرهابًا وتهدد الأرض ويواصل مستوطنوها اقتحام المسجد الأقصى بصورة شبه يومية.

الحقيقة وحدة العرب سواء سياسيًا وإقتصاديًا أو حتى وحدتهم في كلا الأمرين كان سيضفي عليهم القوة الخارقة التي ستجعل إسرائيل وغيرها كالولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وغيرهم يقرون بذلك ويحترمون قراراتهم السياسية ويعملون على حل القضية الفلسطينية بالشكل الذي يرضي العرب أنفسهم، ومن ثم يعم الهدوء والسلام على المنطقة الشرق أوسطية بأكملها.

واقعيًا الحال العربي شديد البؤس وبالتالي حينما لا تكون هناك مصيبة جديدة فهو أمر جيد، لكن في نفس الوقت لا بد من آلية جديدة للعمل العربي المشترك بحيث نبدأ في علاج مشاكلنا بجدية ونتخلص من كل الأسباب التي قادتنا لهذه المشاكل والأزمات.

لعل من المؤكد أن السوق العربية المشتركة تعطي الصوت العربي مكانة في الساحة الدولية، كون القوة الإقتصادية أهم دعائم القرار السياسي، إلا أن هذه السوق لم تقم إلى يومنا هذا، ومع إدراك جميع الدول العربية أهمية هذه السوق والمصالح التي يمكن الحصول عليها سواء كانت سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية، إضافة إلى أنها تشكل الأداة الفعالة لقيام تكامل إقتصادي عربي يقضي على التناقضات الموجودة بين مختلف الدول العربية ويمهد لقيام وحدة سياسية مستقبلًا.

وفي النهاية أكاد اجزم أن الوحدة الإقتصادية أو التكامل الإقتصادي بين العرب هو مستقبل العرب الحقيقي هو والتكامل الثقافي الفني، ويا حبذا لو تمت معهما الوحدة والتوافق العربي والقومية العربية هذا الحلم الذي طال انتظاره، وعلى جامعة الدول العربية وأمينها العام أن يطرح التكامل والتوافق العربي على الدول العربية كطريق وحيد للمصلحة المشتركة.

تابع موقع تحيا مصر علي