حسانين توفيق يكتب: قضايا التحول الرقمي و الحوار الوطني
ADVERTISEMENT
تابعت باهتمام انطلاق الحوار الوطني، والتحضيرات التي جرت لهذا الحوار واستغرقت نحو العام أو ما يزيد قليلا، وللأمانة فإن هذا الحوار هو بادرة أمل وخطوة على طريق بناء جمهورية جديدة تعبر عن أحلام وآمال وطموحات كل المصريين في وطن يستوعب الجميع ولا يفسد الخلاف في الرأي له قضية، لكن ما أدهشني أن بعض القضايا الهامة والحيوية غابت تماما عن مائدة هذا الحوار وعلى رأسها قضايا التحول الرقمي والإشكاليات المتعلقة بها.
معروف مثلا أن مصر تبذل جهودا كبيرة على كافة المحاور منذ عام 1999 لتحويل الخدمات العامة إلى الحالة الرقمية لدعم أهداف التنمية المستدامة، لكن رغم كل هذه الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة فإن دولا أفريقية مثل جنوب أفريقيا ومورشيوس تتفوق على مصر في هذا المجال، بل أن مصر في كل هذه السنوات لم تدخل ضمن أعلى 30 دولة في العالم على مؤشر تطور الحكومة الالكترونية الصادر عن الأمم المتحدة.
وفى حقيقة الأمر فإن ما جرى في مصر يمكن توصيفه بأنه ميكنة للخدمات العامة وليس رقمنه بالمعنى المتعارف عليه عالميا، وإلى اللحظة لم يتحقق مفهوم ربط الأنظمة الرقمية الحكومية، وتواجهنا مشاكل عديدة في رفع كفاءة البنية التحتية وأداء شركات الاتصالات وقدرتها على تغطية كافة مناطق الجمهورية، وهو ما يقف عائقا أمام التحول الرقمي الكامل للنظام التعليمي وخدمات أخرى كثيرة.
عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق الهاتف المحمول في مصر وصل إلى 71.5 مليون مستخدم بنهاية العام الماضى، بينما ارتفع إجمالي عدد مشتركي الإنترنت فائق السرعة ADSL إلى 11 مليون مشترك خلال نفس الفترة، ورغم ذلك فإن المواطن المصري لا يستطيع أن ينهي إجراءات ترخيص سيارته بالكامل إلكترونيا بل ولا يستطيع أن يحرر توكيلا لمحامي دون أن يذهب إلى مقر الشهر العقاري.
هذا على جانب الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وعلى الجانب الآخر الذى لا يقل أهمية بل أصبح ضرورة ملحة، إذا تحدثنا عن الاستثمار وجهود جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وهو الموضوع الذى تم إفراد لجنة مختصة بمناقشته فى المحور الاقتصادى، فلا حديث عن بيئة استثمار جاذبة بدون تحول رقمى حقيقي يمكن من خلاله المستثمر أن يتعرف على فرص الاستثمار المتاحة بضغطة زر، وأن يتقدم بطلب الحصول على الأرض اللازمة للمشروع وإنهاء كافة الإجراءات والتراخيص دون أن يتردد على "نوافذ" الهيئات المتعددة، ومعرفة كافة الرسوم التى يتوجب عليه سدادها قبل أن يخطو خطوة واحدة ويسددها إلكترونيا ويحصل على رخصه إليكترونيا. كل هذا لن يتحقق بدون تحول رقمى كامل وحقيقي وليس مجرد ميكنة لبعض الخطوات أو لبعض الجهات والهيئات التى يتعامل معها المستثمر.
حتى نحقق هدف الـ 100 مليار دولار صادرات خلال 5 سنوات، لا بديل عن توطين الصناعات عالية التكنولوجيا وعالية القيمة المضافة، ولا بديل عن التوجه بقوة نحو تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة، وإذا تحدثنا عن الأمن الغذائى ومواجهة ارتفاع الأسعار لا بديل عن زيادة المساحات المزروعة وزيادة الإنتاجية والاهتمام بالبحث العلمى والتكنولوجي لإدخال أحدث التقنيات التى تحقق هذا الغرض بأقل تكلفة وأقل جهد.
إذا وقولا واحدا التكنولوجيا وتحقيق التحول الرقمى الحقيقى هو السبيل نحو تحقيق كل هذه الأهداف وأكثر، وآمل أن يحتل الموضوع الحيز الذى يستحقه على طاولة الحوار الوطنى خلال الأيام القادمة.