المكون العاطفي في الإنسان
ADVERTISEMENT
يشكل المكون الانفعالي في الإنسان ما قيمته الثلث من جملة البناء النفسي، والذي يتضمن الحالة المزاجية، والتزكية العاطفية، وأخيرا الحالة النفسية، لأن التركيبة البيولوجية للإنسان تتألف من الشق الأول وهو الشق النفسي، الذي يتعامل مع الحياة من خلال مدخلات الحواس الخمس، ثم ربط هذه المدخلات بالرصيد المعرفي، وفي النهاية يتم تحديد ردود الأفعال التي تصل للعقل، والذي يمليها بدوره للجسم، وهو الشق الثاني، أي الشق البدني على شكل أوامر ليؤتي رد الفعل المناسب، سواء في شكل انفعال عاطفي مثل الفرح أو الاستياء، أو ردة فعل بدنية مثل صد الأذى.
الابتزاز العاطفي أحد صور التلاعب النفسي بالضحية
والابتزاز العاطفي هو أحد صور التلاعب النفسي بالضحية، حيث يقوم المبتز باستخدام الميل العاطفي لدي الضحية، وتوجيه ردود الأفعال ناحية مصلحته، فيما يشبه الإكراه أو التهديد، وعادة ما يكون المبتز على دراية تامة بالميل العاطفي للضحية، بل ولديه بعض اليقين بكيفية الاستجابة للابتزاز.
كيف تتجنب الابتزاز من خلال الشراك العاطفية؟
كما أوضحنا سلفًا؛ الابتزاز العاطفي هو تبديل الإرادة الطوعية للفرد والتي تخضع لإدارة العقل، ونزع حسابات المنطق وإخضاعها منفردة للانفعال العاطفي، ويعتبر الانفعال العاطفي عنصرًا مؤثرًا وخطيرًا عندما يزاحم العقل في قراراته، ولتقريب المسألة حول التدخل العاطفي، دعونا نراجع بعض المواقف الحياتية، لنفهم كيف ومتى يعمل هذا المؤثر:
* قد تصادف شخصًا يشبه في ملامحه أبيك، أو عزيزًا مفقودًا لديك؛ فيشرع الانفعال العاطفي في تأسيس علاقة انفعالية فورية مع هذا الشخص بلا ضوابط منطقية، فأنت لا تعرف اسمه، ومع ذلك تمنحه كافة الحصص المخصصة لأبيك، وهى الحب والاحترام والدفء وربما تتقدم للعطف عليه، وكلها أمور لا ضرر منها سوى أنها في سياق مجهول الأساس، وبالطبع، يمكن لهذا الانفعال العاطفي أن يقودك لكراهية أناس لم تتعامل معهم سلفًا، ولا ذنب لهم سوى أنهم يشبهون آخرين في رصيد الذاكرة لديك، وقد يربطهم بك بعض البغض أو الكراهية، فينالوا - بلا ذنب - نفس العداء. يختلف هذا الانفعال العاطفي بالطبع عن الظاهرة العلمية المعروفة، وهى «الارتباط الشرطي».
تعالوا نحاكي السيناريو المتكرر الذي يعيش فيه البعض دور المبتز دون وعي؛ فمثلا: لا توجد طريقة مباشرة تمكنني من تفريغ محفظتك وتجعلك طواعية تمنحني ما بها من أموال، ولكن بالابتزاز العاطفي سأفلح..!!
مشاهد من مهنة التسول
وإليك بعض المشاهد التي كثيرًا ما نرصدها في الشارع المصري، ومنها مشهد الطفلة ذات السنوات السبع وهي منكفئة على كتاب القراءة وبجوارها علبة ورنيش الأحذية والفرشاة، وغالبا بدون الصندوق الذى نعرفه للعامل المحترف. هذا المشهد مألوف في أشهر الدراسة وفي فترة الدراسة الصباحية ويمتد لفترة بعد الظهر، ما يعنى أن الطفلة ليست مرتبطة بالمدرسة، ومعه أيضا مشهد الطفل الفقير المنكفئ على عمل الواجب على الرصيف في وسط البلد على نور الشارع.
أمَا المشهد الثاني، فتراه غالبا أمام مدخل المحال التجارية الفخيمة، التي تبيع الملابس النسائية بوسط العاصمة، أو على مرمى البصر من بائع الإيشاربات الحريمي حيث يستغرق زمن الفرز والفصال بين الزبونة والبائع ما أقله عشر دقائق، وهو زمن يكفي لبناء علاقة الابتزاز العاطفي واستدعاء صورة طفلك الغالي، والتعوذ بالله من أن يلقى هذا المصير، فيقايض المبتز هذه الأم وتنتهي الترضية بدفع بعض النقود.
أما المشهد الثالث، فهو «بيع الخطايا»، أو كما يعرفه رجال الاقتصاد وخبراء التأمين ببيع الدين أو نقل المخاطر، وتبدأ عملية الابتزاز عندما يقوم عامل التوصيل (الدليفري) بتقديم نفسه بأنه مكتمل الإيمان، وسوف يسمعك نغمة هاتفه التي استبدل فيها الجرس بالأدعية أو تلاوة القرآن، فتصلك الرسائل بامتلاك هذا الشاب لكل ما ينقصك من حسن العلاقة مع الله، وهنا يبدأ الاشتعال العاطفي، فيقايض الضحية دون أن يدري على شراء الرضا الرباني من خلال العطف على أحد عباده المحبوبين الطيعين، فيغدق عليه الهبات.
ونصل للمشهد الأخير في أطروحتنا، وهو مشهد عامل النظافة التابع للبلدية ذو الزى المميز؛ جاكيت فسفوري أخضر وبدلة عامل نظافة خضراء، وتراه وهو ممسك بالمكنسة الطويلة ويجلس على الرصيف وهو منهك كالمسكين المفتري عليه، ويظهر لك انكسار المغلوب على أمره.
هذا الكذاب أمره مفضوح، فلا يوجد كناس مسموح له بالتعاقد مع المقاول للأحياء أكبر من 45 سنة، كما أن العمال ليس مكانهم الشوارع المكتظة بالسيارات بوسط المدينة، فهذه الطرقات يتم تنظيفها بسيارات البلدية في الفترة الصباحية.
لا تعذب نفسك مع هؤلاء، لأنك تشارك دون أن تدري في صناعة النصاب والكذاب، وأنت لا تدري ماذا يصنع الجنيه الذى تمنحه للمتسول وتظن أنه سيتعشى به. يجب كبح جموح العاطفة قليلًا، فهذا المتسول مر عليه سنوات وهو مستأجر لمنطقة التسول بأرقام تذهلك، وتكون أنت السبب في اكتواء قلب أبوين على طفلهما المخطوف والمستخدم في حرفة التسول.
يجب التنبه إلى أن القضية عقلانية، بنيت على ثوابت علمية لا تحتمل الاعتراض ولا تخضع للنفي، ولا يجب أن ينتهي عنها الجدل حول الفقر والفقراء والعطف والزكاة والتراحم وفتح قنوات الجدل الدينية، على الأقل ليس في ما يتعلق بهذه المشاهد.
يهدف هذا المقال لمحاربة «الفقر»، ولا علاقة له بـ «الفقراء»؛ لأن أبطال هذه النماذج المذكورة هنا ليسوا من الفقراء، بل من النصابين.