عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١٦)

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي السادس عشر في السيرة المحمدية لخير البرية سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم بعنوان «غزوة أحد في القرآن»، مازلنا مع هذه الغزوة الكبيرة ففيها من المواقف والبطولات الشخصية والعظيمة ما يجعلها من أهم الغزوات التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من أهم ما تأكد لجموع الناس من المسلمين هو طاعة الله ورسوله.

ففي هذه الغزوة مثَّل المشركون بكثير من قتلى المسلمين، فكان النساء يُجَدِّعْنَ الأنوف ويُقَطِّعْنَ الآذان ويتخذن منها قلائد، وكما ذكرنا من قبل بقرت هند بطن سيدنا حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت كبده ولاكَتْها لتأكلها فلم تُسِغْها ولفظتها.

ثم خرج صلى الله عليه وسلم في صبيحة يوم أحد لتتبع العدو، وأمر أن لا يخرج إلا من كان حاضرًا معه بالأمس، فاستجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القَرْح وضمدوا جراحهم، فخرجوا واللواء معقود لم يُحل حتى وصلوا حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثمانية أيام ليرهب قريشًا، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوةً، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، فلما علم بذلك أبو سفيان وأصحابه فتَّ في أعضادهم فمضوا سراعًا إلى مكة والرعب ملء قلبوهم، بعد أن كانوا مصرين على الكرَّة على المدينة لاستئصال المسلمين، على زعمهم.

في هذه الغزوة نزلت آيات كثيرة نحو الستين آية في سورة «آل عمران»، من أول قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١)} [آل عمران: ١٢١]، إلى قوله تعالى: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)} [آل عمران: ١٧٩].

مزج العتاب الرقيق بالدرس النافع وتطهير المؤمنين، حتى لا يتحول انكسارهم في الميدان إلى قنوط يفل قواهم، وحسرة تشل إنتاجهم فقال تعالى في كتابه: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)} [آل عمران: ١٣٧ - ١٣٩].

بيَّن المولى عز وجل أن المؤمن - مهما عظمت بالله صلته - فلا ينبغي أن يغتر به أو يحسب الدنيا دانت له، أو يظن قوانينها الثابتة طوع يديه.

وقوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)} [آل عمران: ١٤٠]، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢)} [آل عمران: ١٤٢].

لقد جمع محمد صلى الله عليه وسلم الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله، والذين ارتبطوا به عرفوه إماماً لهم في الحق، وصلة لهم بالله، فإذا مات عبد الله، ظلَّت الصلة الكبرى بالحيِّ الذي لا يموت باقية نامية، وهذا ما وضحه المولى عز وجل في قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤} [آل عمران: ١٤٤].

في تلك الآيات عبر لمن اعتبر؛ فقد بين الله فيها أمورًا، خليق بكل مؤمن أن يتدبرها؛ ففيها بين الله الأسباب الحقيقية لهذا الابتلاء، حيث قال: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)} [آل عمران: ١٥٢]، فذكر سبحانه وتعالى أن ما أصابهم في أحد إنما هو نتيجة الفشل والتنازع والعصيان، وكل هذه متى حصل واحد منها في جيش فقد النظام والروح التي يستحق بها الظفر.

تابع موقع تحيا مصر علي