ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١١)
ADVERTISEMENT
أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».
هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.
مقالي الحادي عشر في سيرة محمد بن عبدالله الرحمة المهداة بعنوان «غزوة أُحد»، وقعت تلك الغزوة في أوائل شوال من السنة الثالثة للهجرة، ومن حديثها أن قريشًا لما أصابها ما أصابها في غزوة بدر، عزمت على أن تأخذ بثأرها، فمشى كثير ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم بها فكلَّموا أبا سفيان بن حرب في ذلك، ثم اجتمعت قريش بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وتهامة، وكان أبو سفيان قائد جيش قريش، والنساء يضربن بالدفوف وينحن على قتلى بدر يحرضن بذلك المشركين.
وكان السبب الرئيسي للغزوة وكما ذكرنا هو رغبة قريش في الانتقام من المسلمين بعد أن ألحقوا بها الهزيمة في غزوة بدر، ومن أجل استعادة مكانتها بين القبائل العربية التي تضررت بعد غزوة بدر، فقامت بجمع حلفائها لمهاجمة المسلمين في المدينة المنورة.
وكان عدد المقاتلين من قريش وحلفائها حوالي ثلاثة آلاف، في حين كان عدد المقاتلين المسلمين حوالي ألف، وانسحب منهم حوالي ثلاثمئة، ليصبح عددهم سبعمئة مقاتل.. وقُتل سبعون من المسلمين في الغزوة، في حين قُتل اثنان وعشرون من قريش وحلفائها… ويعتقد المسلمون أن نتيجة غزوة أحد هي تعلم وجوب طاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واليقظة والاستعداد، وأن الله أراد أن يمتحن قلوب المؤمنين ويكشف المنافقين كي يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم منهم.
أصبح معلوم للجميع أنه كان من نتائج غزوة بدر ازدياد قوة المسلمين، وتهديدهم لطريق قريش التجاري إلى بلاد الشام، بل وشكلوا تهديدًا لنفوذها في منطقة الحجاز بأسرها؛ لأن اقتصاد قريش قائم على رحلتي الشتاء والصيف، وإن تم قطع أحد الطرق فذلك يلحق ضررًا بالآخر؛ لأن تجارتهم في بلاد الشام قائمة على سلع اليمن، وتجارتهم في اليمن قائمة كذلك على سلع بلاد الشام.. فأرادت قريش أن تهاجم المسلمين لتقضي عليهم قبل أن يصبحوا قوة تهدد كيانهم.
استعدت قريش وحلفائها، فذهب كل من صفوان بن أمية، وعبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل إلى أبي سفيان بن حرب ليطلبوا منه مال قافلته كي يستطيعوا تجهيز الجيش لمهاجمة المسلمين، حيث كان مقدار ربح القافلة حوالي خمسين ألف دينار، فوافق أبو سفيان، وبعثت قريش مندوبين إلى القبائل لتحريضهم على القتال، وفتحت باب التطوع للرجال من قبائل الأحباش وكنانة وأهل تهامة.
فجمعت قريش ثلاثة آلاف مقاتل مع أسلحة و700 درع، وكان معهم أيضًا 3 آلاف من البعير و200 فَرسًا و15 ناقة ركبت عليهن 15 امرأة لتشجيع المقاتلين، وتذكيرهم بما حدث في غزوة بدر، ودعمهم في حال الحاجة.. وكانت القيادة العامة للجيش بيد أبي سفيان، في حين كان خالد بن الوليد قائد الفرسان بمعاونة عكرمة بن أبي جهل، أما قيادة اللواء فكانت لبني عبد الدار.
في أثناء استعداد قريش وحلفائها للقتال، طلب أبو سفيان من العباس بن عبد المطلب أن يشارك في قتال المسلمين، لكنه رفض وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم سرًا بالخطر الذي يهدد المسلمين، فقال النبي محمد عليه الصلاة والسلام: «قد رأيت والله خيرًا رأيت بقرًا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة»، والمقصود بالبقر التي تذبح هو عدد من الصحابة يقتلون، أما المقصود بالكسر «الثلم» الذي يحصل للسيف فهو إصابة أحد أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وقامت فرقة من الصحابة من الأنصار بحراسة الرسول عليه الصلاة والسلام، على رأسهم: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وقامت مجموعات من الصحابة بحراسة مداخل المدينة المنورة وأسوارها استعدادًا لمواجهة أي هجوم من قريش.
وكانت خطة المسلمين في المعركة هي أن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة أمامه، وجبل أحد خلفه، ووضع خمسين من الرماة على قمة هضبة عالية مشْرفة على ميدان المعركة، وكان قائدهم هو عبد الله بن جبير.. وأمرَهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالبقاء في أماكنهم وعدم مغادرتها إلا بإذن منه، حيث قال لهم: «ادفعوا الخيل عنا بالنبال»، وقام بتقسيم الجيش إلى عدة أقسام واستلم قيادة المقدمة.