عاجل
الإثنين 18 نوفمبر 2024 الموافق 16 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

د.محمد فؤاد يكتب .. نكسة مارس ٢٠٢٢

تحيا مصر

المتابع لتطورات الوضع الاقتصادي الحالي يستشف خفوت نسبي لأزمة الصرف التي استحوذت على المشهد منذ أكتوبر الماضي تقريبا، حيث هدأت الأوضاع ولاحت في الأفق بشائر بداية انفراجة  تستلزم ان تستتبعها إصلاحات هيكلية في  النظام الاقتصادي  لتنعكس بالتالي على الأحوال  المعيشية للمواطن.

تحيا مصر

ولكن بمطالعة ما صدر مؤخرا عن مؤسسة جولدمان ساكس و هي من كبريات المؤسسات المالية و بمقارنة هذا التقرير  الأخير بأخر طال قرارات مشابهة صدرت في 2016 وبدايات 2022، يتضح أن هناك تقييم متناقض لنفس المشهد بشكل لا يقبله عقل أو منطق، ويجب أن يثير العديد من التساؤلات.

السماح بخفض الجنيه ورفع الفائدة سيكون لها انعكاسات إيجابية قوية على الاقتصاد المصرى

حيث تحدث التقرير الأخير منذ أيام، بأن انخفاض قيمة الجنيه المصرية لن يؤول إلى رفع في الصادرات أو الأنشطة التجارية، وأنه سوف يؤدي إلى التضخم وإخافة المستثمرين الأجانب بجانب دفع المصريين لحفظ أموالهم في الدولار.

أما بالعودة للخلف قليلا.. أبريل 2019 تحديدا، فنجد تصريحا لرئيس البنك المركزي وقتها طارق عامر، أبرز فيه تقرير ذات المؤسسة مشيدة بقوة السياسات النقدية و ان مصر ببرنامجها الاقتصادي تعد نموئج رائع. بل ان التقرير تناول وقتها بأن السماح بخفض الجنيه ورفع الفائدة سيكون لها انعكاسات إيجابية قوية على الاقتصاد المصرى والتدفقات الاستثمارية إلى البلاد.

جاذبية السوق المصرى أمام المستثمرين الدوليين وصناديق الاستثمار العالمية

ليس هذا فحسب، بل تطرق التقرير بالإشارة إلى إيجابيات التوجه، حيث أكد أن الإجراءات المتبعة تزيد من جاذبية السوق المصرى أمام المستثمرين الدوليين وصناديق الاستثمار العالمية، وكذلك تحسن تصنيف العملة المصرية، وتعكس اتجاه التدفقات الخارجة للأموال من أدوات الدين المصرية لتتحول إلى شراء الجنيه من جانب الصناديق الدولية.

فعلى مدار سنوات كثيرة، واصلت المؤسسة دعمها لسياسات البنك المركزي وإدارته السابقة،  كل ذلك حدث بينما تتولد الأزمة في ٢٠١٩ و ٢٠٢٠، و كأنها تكتب "شيكات على بياض" لإدارة المركزي السابقة.

الانخفاض الرهيب في حجم التدفقات الدولارية

مثلا في 2019، مع بدء إشارات وجود أزمة للعملة سوف نعاني منها، والانخفاض الرهيب في حجم التدفقات الدولارية، حتى وصلنا إلى عدم نشر تقرير الاستثمار في السندات، ظلّت المؤسسة على مدار عام ونصف تتحدث عن صلابة الاقتصاد ونجاح السياسات، ثم بمجرد خروج الأموال تغير الموقف تماما.

والقصة بلا مواربة نستلزم الإجابة عن عدة تساؤلات: هل كان ليعض هذه المؤسسات استثمارات نقدية في مصر، وتتأثر بشكل مباشر بأي قرارات تخص السياسة النقدية؟ هل أغفلت تقاريرها الاقتصادية بشأن الوضع الحالي مفهوم الجدار الصيني "Chinese Wall"، والذي يعني ببساطة ضرورة وجود حاجز بين التقييمات الاقتصادية أو الآراء الفنية التي تطلقها المؤسسات المالية، وبين مصلحتها الاقتصادية؟ خاصة حينما يكون لهذه المؤسسات استثمارات في أدوات الدين من اذون وسندات، وذلك لتجنب تضارب المصالح.

الشركات العالمية تستثمر أموالها في مصر بفائدة تصل إلى 20%

يكفي فقط الإشارة إلى أن الشركات العالمية تستثمر أموالها في مصر بفائدة تصل إلى 20%، بينما هذه الأموال لم تحقق آنذاك في دول هذه الشركات أكثر من 3% فائدة، بما يعني إحتمالية وجود مصلحة مباشرة وتأثيرات لاستثمارات هذه الشركات على تقاريرها المعنية.

أضف إلى ذلك أنه وفقا لتصريحات وزير المالية في أكتوبر 2022، فقد خرجت 22 مليار دولار أموالا ساخنة من مصر منذ مارس من نفس العام، ولاحقا تقرر مسألة التعويم،

و يعد خروج الأموال بهذا الشكل وقبل قرار التعويم بأسابيع هو نكسة إقتصادية حقيقية قد أودت بنا بلا أدنى شك لما يحدث طيلة الأشهر الماضية.

أعلم أنه من حق المستثمر استرجاع و تحريك أمواله في الوقت الذي يريده فهذه قاعدة جوهرية حاكمة ولكن ذات المستثمر يعلم تماما مخاطر تقلب سعر الصرف و لا ينتظر أن يربح عشرة أضعاف ما يتوافر له في بلاده نظير صفر مخاطرة.

كيف تم تهيئة الأجواء لخروج هذه الأموال بأكبر استفادة ممكنة؟

الإشكالية و السؤال الذي يبحث عن إجابة هو كيف تم تهيئة الأجواء لخروج هذه الأموال بأكبر استفادة ممكنة، مع التأثير السلبي الهائل لما تم على استقرار وضعنا النقدي تحديدا.

كما أن طريقة دخول الأموال وخروجها بأسعار تفضيلية، رغم ما مررنا به في 2011  لا يعقل ويثير التساؤلات المتعددة التي حتما يجب و ان يتم الفصل فيها. تلك الممارسات خلقت حالة الشلل المفاجيء في سوق الصرف. اينعم تتحمل الاشكاليات الأعمق المتعلقة بالاقتصاد الكلي جانب ليس بالهين و لكن ما دار في مارس 2022 كان المحفز الرئيسي لما نعاني منه الان.

فلا يخفي عليكم أن هناك ربطا مباشرة بين تجميد الواردات ومسألة الاعتمادات المستندية، وبين محاولة توفير أكبر قدر من العملة الأجنبية لصالح خروج هذه الأموال الساخنة بشكل سريع ودون أي خسارة تُذكر، بصرف النظر عن تبعات ذلك التي نعاني منها حتى الان من نقص للعملة وتكدس للبضائع وارتفاع هائل في الأسعار.

ضرورة معاملة التقارير التي تصدر عن المؤسسات التمويلية بالاعتبار إلى مصالحها المباشرة في اقتصادنا

وهذا الأمر و أن كان شأن جلل يستحق المسائلة، فهو  أيضا إشارة إلى ضرورة معاملة التقارير التي تصدر عن المؤسسات التمويلية بالاعتبار إلى مصالحها المباشرة في اقتصادنا، فمن المؤسف أن نعتمد على تقارير من "خبراء" أو بيوت خبرة عالمية لتحديد وجهة المستثمر وتقييم مدى صلابة الاقتصاد ليتضح لاحقا أن بعض هذه التقارير ربما كاتت فقط "سبوبة" لمصلحتهم.

النجاح هو عدم تكرار الأخطاء

كل ذلك ليس كلاما في الفائت بل دروس مستفادة يجب تحليلها لتجنبها مستقبلا. فكما قال الكاتب جورج برنارد شو: النجاح ليس عدم فعل الأخطاء، النجاح هو عدم تكرار الأخطاء.

تابع موقع تحيا مصر علي