عاجل
الإثنين 18 نوفمبر 2024 الموافق 16 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

تفاصيل الزيارة الأولى لمؤسس السعودية الملك عبدالعزيز إلى مصر

الملك عبد العزيز
الملك عبد العزيز

يظل التقارب المصري السعودي مضرب الأمثال في ضوء علاقات تاريخية ضاربة في أعماق التعاون والتلاقي السياسي والفكري انطلاقًا من وحدة المصير والأخوة العربية، بينما كانت آخر زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى المملكة في يوليو الماضي، التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن وعدد من القادة والزعماء والملوك العرب.
تبادل الزيارات بين قيادات مصر والمملكة العربية السعودية بين الحين والآخر، أمر طبيعي بين الأشقاء، ويبقى السؤال: كيف كانت زيارة الملك المؤسس، عبدالعزيز آل سعود إلى مصر؟

دعوة مصرية

شهدت زيارة الملك عبد العزيز إلى مصر حفاوة تاريخية كبيرة، وتركت الزيارة بلا شك أثرًا خالدًا في العلاقات السعودية – المصرية – العربية، وشكلت مثالًا للعلاقات التي تقوى وتنمو بين مصر وملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم في سائر الأقطار، وجاءت ردًا على زيارة الملك فاروق الأول إلى السعودية يناير عام 1945، أكرمت خلالها المملكة ضيفها ملك مصر والسودان آنذاك وسط جلسات في الخيام البدوية وولائم فاخرة وكرم ضيافة.

وبدعوة ملكية مصرية غادر اليخت الملكي "المحروسة" يوم 2 يناير 1946 ميناء السويس إلى جدة يتقدمه "الطراد فاروق"، وتتبعه "الطوافة فوزية" ليحمل ضيف مصر وكبير العرب الملك عبد العزيز الذي كان ولا يزال يكن له العرب والمسلمين كل حب وتقدير في حياته وبعد مماته.

ويُستقبل في السويس (10 يناير 1946) بحفاوةِ جماهيرية رائعة بعد أن صعد الملك فاروق للملك عبد العزيز على ظهر اليخت تقديرًا لجلالته، ثم إلى القاهرة بقطار خاص ليصحبه الملك فاروق ويطوفا شوارع القاهرة من محطة مصر في عربة ملكية مكشوفة إيذانًا بانطلاق الزيارة التاريخية.

استعدادات قوية

ومن بين الاستعدادات الكبيرة للزيارة التاريخية وقتئذ، وقبل الزيارة بشهر كامل (ديسمبر 1945) تم فتح اعتماد إضافي في ميزانية المملكة المصرية 20 ألف جنيه لنفقات الزيارة، وفتح اعتماد مالي آخر ليكون اليخت الملكي "المحروسة" في انتقالات الملك السعودي.

أيضًا قرار الحكومة المصرية بإصدار طابع بريد تذكاري لتخليد ذكرى الزيارة التاريخية، واعتماد وزارة المالية المصرية مبلغ 10 آلاف جنيه، وصدور التعليمات من رئيس الوزراء المصري لكل وزارة لاتخاذ التدابير اللازمة لتسهم كل منها بنصيبها في استقبال الملك عبد العزيز والحفاوة بـه، وزينت محطات السكك الحديدية، وبحسب صفحة "فاروق مصر" على موقع "فيس بوك"، جهزت الطرق التي  يمر فيها الموكب الملكي، وأضيئت المباني الحكومية، واتخذت إجراءات الأمن اللازمة، وتقرر اشتراك جنود  الجيش مع الشرطة في المحافظة على النظام، وإطلاق وزارة الأشغال المصرية اسم الملك عبد العزيز على شارع النيل بقسم مصر القديمة في القاهرة. 

حب مصرى

يقول الباحث بمركز الخليج للدراسات الإستراتيجية، محمود رأفت فى تصريحات لموقع "تحيا مصر": كانت زيارة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود إلى مصر التي تمت في يناير 1946م تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واستمرت نحو أسبوعين (12 يومًا)، وجاءت تلبية لدعوة مصر للملك عبدالعزيز لزيارتها.
وصل الملك السعودي المؤسس من جدة إلى ميناء السويس على متن "المحروسة"، واستقبل العاهل السعودي استقبالًا جماهيريًا حافلًا بصحبة الكثير من الأمراء والحاشية والأسرة المالكة، وبواسطة قطار خاص وصل الملكان إلى محطة مصر، وتحرك الموكب الملكي من محطة مصر إلى قصر الزعفران (يقع داخل جامعة عين شمس حاليًا) حيث استقر الملك وحاشيته، كما استقبل استقبالًا كبيرًا في قصر عابدين الملكي.

وتناقلت الصحف المصرية أنه من المصادفات السعيدة أن يوم 7 يناير 1946م الذي غادر فيه جلالة الملك عبدالعزيز جدة قادمًا إلى مصر يوافق اليوم الذي أتم فيه الملك 20 عامًا على مبايعته "ملكًا على الحجاز وسلطانًا لنجد وتوابعها"، في العاشر من يناير، وكتب عبد الرحمن عزام باشا في مجلة المصور أن مصر حين تستقبل الملك عبد العزيز إنما تستقبل رجًلا تمر الحقب ولا يرى الناس مثله.

جولات في القاهرة

أضاف محمود رأفت في تصريحات خاصة لـ"تحيا مصر"، أن لجنة الاحتفالات العامة بمدينة القاهرة قررت حينها إقامة أربعة أقواس نصر كبيرة، أحدها في مدخل شارع إبراهيم، واثنان بميدان إبراهيم باشا، والرابع في مدخل ميدان عابدين، كما قررت فتح جميع مطاعم الشعب مدة ثلاثة أيام لإطعام عشرة آلاف مصري.

زار الملك السعودي الجامع الأزهر، والجامعة العربية، وعددًا من المؤسسات العلمية والصناعية والمستشفيات، وجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، كما الأهرامات، وقناطر محمد علي باشا، وحديقة القناطر الخيرية، والمتحف الزراعي، وحديقة الحيوانات، وإصلاحية الأحداث بالجيزة.

كما زار مجلس الشيوخ والتقى برئيسه الدكتور حسين هيكل باشا، وبعدها استقل الملك عبدالعزيز القطار وذهب إلى مدينة المحلة الكبرى لزيارة مصنع الغزل والنسيج، كما ذهب الملك السعودي مع الملك فاروق الأول لزيارة أنشاص ورحب به يومها هناك زعماء القبائل البدوية.

إلى الإسكندرية

توجه الملك عبد العزيز بالقطار إلى عروس البحر المتوسط "الإسكندرية" بعدها نزل في قصر رأس التين الملكى، وأعجب الملك عبد العزيز آل سعود بكورنيش المدينة الساحرة الذي شيد في عهد الملك فؤاد الأول، كما زار فيها حديقة النزهة، أيضًا زار الملك عبد العزيز مطار الإسكندرية، وبعد ذلك عاد إلى القاهرة بالقطار من محطة كوم الدكة، بحسب ما أورد كتاب «الرحلة الملكية إلى مصر» للراحل عبد الحميد مشخص.

ومع أن قانون النياشين الملكي المصري، كان ينص على ألا تهدى لمن لم يبلغ عمره أقل من 21 سنة، إلا أن ملك مصر أكرم أنجال الملك عبد العزيز وأهدى جميع الأمراء السعوديين المرافقين للملك عبد العزيز في الزيارة، الوشاح الأكبر من نيشان النيل، حسب ما أوردت الصحف المصرية حينها.

عرض عسكري وحفاوة تاريخية

شهد الملك السعودي يوم الإثنين 14 يناير 1946م عرضًا عسكريًا ضخمًا للجيش الملكي، إذ بلغ عدد القوات التي اشتركت في هذا العرض 36 ألف جندي مصري.

ورحب بالملك عبد العزيز قيادات كبيرة في زيارته كان منهم مصطفى النحاس باشا، وفؤاد سراج الدين باشا، ومكرم عبيد باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وعلي ماهر باشا، وحسين سري باشا، وغيرهم من مختلف الاتجاهات، كما رحب به عددًا كبيرًا من المفكرين والشعراء كعباس محمود العقاد، وفكري أباظة، وحافظ محمود، وعبد الرحمن عزام، وكريم ثابت، ومحمد صبري أبو علم، وعبد الرحمن نصر، وإبراهيم عبد القادر المازني، وأحمد حسن الزيات وغيرهم.

انتهت الزيارة في 22 يناير 1946، وكانت زيارة الملك عبدالعزيز إلى مصر أول زيارة فريدة لملك من ملوك العرب إلى مصر في تاريخها المعاصر.

ويبقى الود والإخاء والتعاون طريق مصر والسعودية اعتمادًا على لبنات من الوحدة وإدراك أهمية القوة والعمل من أجل إعلاء راية العرب والإسلام.

تابع موقع تحيا مصر علي