مجدى البرى يكتب:
عرض المتهم على مستشفى الأمراض العقلية بين "الحقيقة" و"الهروب من العدالة"
ADVERTISEMENT
قبل أيام وأثناء محاكمة المتهم بقتل الطالبة سلمى بهجت "فتاة الشرقية"، قررت المحكمة بناء على طلب الدفاع إحالة المتهم لمسشتفى الأمراض العقلية، وتحديد موعد آخر للنطق بالحكم، وهو الأمر الذي أثار تحفظ عدد كبير من المتابعين، لاسيما وأن أغلبهم تعاطف مع الضحية التي لقت حتفها بصورة بشعة أدمت قلوب المصريين.
إن حق الدفاع من أهم الضمانات الدستورية التي تتبناها كافة التشريعات الجنائية من أجل تحقيق العدالة، فالمتهم حر في إبداء كافة الدفوع التي تنفي عنه الاتهام، فإذا طلب من المحكمة طلبا يؤدي في النهاية إلى تحقيق دفاعه، فعلى المحكمة أن تقدر مدى أهمية وجدية هذا الطلب، وتقول كلمتها إما رفضه لأسباب قانونية سائغة أو الاستجابة له.
ومن بين الطلبات التي قد يلجأ إليها دفاع المتهم هو الدفع بمرض المتهم عقلياً وعدم سلامة قواه العقلية أثناء ارتكابه للجريمة، فالعدالة تأبى أن يحاكم متهم مريض بداء ذهني أو عقلي ولم يكن في كامل قواه العقلية وقت ارتكابه الجريمه أو عدم أهليته، كالصغير الذي لم يتجاوز 7 أعوام، أو المجنون، أو الذي يٌجبر على ارتكاب الجريمة ويفقد حرية الاختيار.
عرض المتهم على مستشفى الأمراض العقلية بين "الحقيقة" و"الهروب من العدالة"
لذا فإن قصد المشرع من إنزال العقوبة الرادعة بحق المتهم وقت ارتكاب الجريمة هو إدراكه الكامل والسليم لما يقوم به، لذلك عندما يطلب الدفاع من المحكمة إحالة المتهم إلى مستشفى الأمراض العقلية للتأكد من مدى سلامة قواه العقلية، وجب على المحكمة أن تقدر جدية ذلك الدفع وذلك من خلال التحقيقات وأقوال المتهم وشهادة الشهود والتصور المنطقي للواقعة والتصرفات السابقة واللاحقة لارتكاب الجريمة، حتى توافق المحكمة على عرض المتهم للكشف الطبي عليه لإثبات أنه وقت أرتكاب الجريمة كان بكامل قواه العقلية من عدمه، ويعد هذا الطلب من الدفاع الجوهري الذي يجب على المحكمة أن تستجيب إليه أو ترد عليه بأسباب قانونية وواقعية سليمة، وإلا كان سببا لنقض هذا الحكم، لأنها أخلت بحق من حقوق الدفاع.
والغاية من هذا المقال توضيح أن طلب الدفاع على النحو سالف الذكر قد يكون إفلات المتهم من العقوبة عما اقترفه من جرم، وقد يكون سبباً حقيقاً يؤكد عدم سلامة القوى العقلية للمتهم، لذا فإن المحكمة لا يضيرها إفلات مجرم من العقاب بقدر من يضرها أن تنزل العقاب على من لا يستحق مثل المريض بمرض عقلي، والتيقن أن هذا المتهم ارتكب الجريمة عن وعي وإدراك وهو بكامل قواه العقلية، وهو مفاد ما جاء بالمادة (٣٣٨) من قانون الإجراءات الجنائية، إذا استدعى الأمر إلى فحص حالة المتهم العقلية يجوز لقاضى التحقيق أو للقاضى الجزئى كطلب النيابة العامة أو المحكمة المنظورة أمامها الدعوى على حسب الأحوال أن يأمر بوضع المتهم إذا كان محبوسا احتياطيا تحت الملاحظة فى أحد المحال الحكومية المخصصة لذلك لمدة أو لمدد لا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يوما بعد سماع أقوال النيابة العامة والمدافع عن المتهم إن كان له مدافع. ويجوز إذا لم يكن المتهم محبوسًا احتياطيا أن يؤمر بوضعه تحت الملاحظة فى أى مكان آخر، وهذه الإجراءات التى تم اتباعها بإيداع المتهم فى مستشفى الأمراض العقلية لبيان حالته.
وبعيدا عما إذا كان دفاع المتهم بعدم سلامة قواه العقلية سواء لمرضه الفعلي أو وسيلة للهروب من العدالة وبكل الأحوال سوف ينكشف هذا الدفاع بالحقيقة التي سوف يقرها تقرير الطب النفسي والمختصين بهذا الأمر، وهو ما قررته مبادئ محكمة النقض المصرية فى الطعن رقم ٢٩٨٣ لسنة ٨٢ قضائية بأن المرض العقلى الذى يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية تنعدم به المسئولية قانوناً على مقتضى المادة ٦٢ من قانون العقوبات هو المرض الذى من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك، أما سائر الأحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
عرض المتهم على مستشفى الأمراض العقلية بين "الحقيقة" و"الهروب من العدالة"
وبالتالى فإن تقرير الطب النفسي الذي يقوم به الأطباء المختصين يخضع في النهاية لرقابة وسلطة المحكمة التي تقر ختاماً في قضائها مدى إدراك القوة العقلية للمتهم، وليس كل مريض نفسي معفي من العقوبة، وهو الأمر الذى سيتم الكشف عنها مع بيان حالة قاتل فتاة الشرقية.