عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: "جونسون" وبداية السقوط!

تحيا مصر

بعد أشهر من الفضائح بسبب ما عُرف بـ "بارتي جيت" والفشل في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، واجه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الاثنين الماضي تصويتاً بحجب الثقة، بتحريض من 54 نائباً في البرلمان من نفس حزبه "المضطرب" بعد تراجع شعبيته على إثر الانتخابات المحلية التي خسر فيها بعض معاقله التقليدية خاصة في العاصمة لندن. لكن جونسون نجا من سحب الثقة في ذلك اليوم الدراماتيكي في البرلمان وحقق فوزًا بتصويت 211 نائباً لصالحه مقابل 148 ضده. وصرّح بعدها قائلا وهو في ذروة الشعور بالتحدي "إنه كان نصرًا".

من يراقب هذا المشهد وعلى دراية بالسياسة البريطانية لابد أن يعلّقَ أنَّ جونسون مفرطٌ في تفاؤله حتى لو كان متأكدا بأن النجاة ستجعله في مأمن لمدة عام من تحدٍّ آخر لسحب الثقة.

تحيا مصر

بشكل واقعي، قيادة جونسون لحزب المحافظين والحكومة أصبحت في خطر، حيث أن اختبار حجب الثقة يؤذن ببداية النهاية ولا يمكن اعتباره انتصاراً كما أعلن عن ذلك جونسون بادعاء الفخر. ولعلَّ ما حدث مع تيريزا ماي خير دليل على بداية السقوط البطيء بعد طرح الثقة في البرلمان، حيث تقدّمتْ باستقالتها بعد أقل من 6 أشهر من فوزها في تصويتٍ مماثلٍ وبهامش أكبر من جونسون. وهناك مثال آخر في تاريخ السياسة البريطانية الحديث وهي رئيسة الوزراء المُلقّبة بالمرأة "الحديدية"، مارجريت تاتشر، والتي جاء سقوطها أسرع من "ماي" بكثير حيث لم يتجاوز الـ 48 ساعة فقط بعد فوزها بالتصويت على حجب الثقة ولم ينفعها "حديدها" ولا سمعتها القوية. أما المثال الثالث فهو رئيس الوزراء عن حزب المحافظين، جون ميجور، بين 1990 و1997 ، والذي صمد في اختبار الثقة وتمكن من البقاء في منصبه بعد فوزه. وكانت النتيجة كارثية على حزبه وتمثلت في هزيمة انتخابية مدويّة.

بعض أنصار جونسون يُصرّون على كونه "استثناء يشذُّ عن القاعدة"، لكنهم قد لا يستمرُّون طويلاً في تصديق هذا الاعتقاد، خاصة في مواجهة رد فعل شعبي عنيف ورافض لاستمراره، مما يعزِّزُ احتمالية تراجع جونسون "الجريح" عن قيادة حزب المحافظين من تلقاء نفسه لإنقاذه في الانتخابات المقبلة من خسارة محتملة مدويّة.

وتهدد الأزمة المتفاقمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي جونسون بشدة. فلأول مرة تعيش بريطانيا معاناة بهذا الوضوح منعكسة على الطبقة الوسطى والفئات الهشة وخاصة كبار السن والمتقاعدين الذين يواجهون زيادة تكلفة المعيشة بمفردهم دون تدخل كاف من الحكومة بعد أن تدهورت قدرتهم الشرائية، لدرجة أن الطوابير الطويلة تقف أمام بنوك الطعام تنتظر وجبة تنقذهم من الجوع. وسيصل الفرق بين الدخل والمطلوب حوالي 1500 جنيه إسترليني خلال العامين المقبلين نتيجة لمزيد من الارتفاع في الفواتير. لذلك ترتفع أصوات المطالبين بضرورة موافقة الوزراء على رفع قيمة المعاشات وزيادة المزايا والمساعدات التي تقدمها الدولة لكبار السن لتتناسب مع معدل التضخم هذا العام . كما تنادي هذه الأصوات أيضاً بزيادة طارئة بقيمة 500 جنيه إسترليني على جميع معاشات الدولة على الفور، وبدفع مبلغ إضافي كمساعدة عاجلة لا يقل عن 500 جنيه إسترليني لذوي الدخل المنخفض، للتخفيف من تأثير الزيادات غير المسبوقة في فاتورة الطاقة والتي أدت بالفعل إلى تدمير مواردهم المالية وتنذر بأزمة اجتماعية مع حلول الشتاء لأنهم قد يضطرون للاختيار بين شراء المواد الغذائية ودفع فاتورة التدفئة.

وتشير استطلاعات الرأي مؤخرا إلى انخفاض ملحوظ في شعبية حزب المحافظين، حيث أعرب 59 % من البالغين البريطانيين عن رغبتهم في ترك جونسون منصبه. وقد ظهر هذا الرفض الشعبي عندما تم استقبال جونسون بصيحات استهجان وسخرية في قداس اليوبيل البلاتيني للملكة اليزابيث. إضافة إلى ذلك، يرى النواب الأصغر سنًا في حزب المحافظين أن جونسون أثبت أنه لا يمكن الوثوق به، بعد فضيحة "بارتي جيت"، لأنه مارس الكذب. وهي فضيحة هزت السياسة البريطانية حيث اُتُّهم جونسون وأعضاء فريقه بخرق قواعد الإغلاق خلال جائحة كورونا بشكل متكرر. هذه الانتهاكات حققت فيها الشرطة وحكمت بتغريمه ليصبح جونسون أول رئيس وزراء يتم تغريمه من قبل الشرطة وهو مازال في منصبه. كما أنه لم يُظهر سوى القليل من الندم والاعتذار -على مضض- وهو المعروف جيداً بكرهه للاعتذارات.

ألفة السلامي تكتب: "جونسون" وبداية السقوط!

وهكذا فإنّ الأزمة في بريطانيا تتفاقم بسبب زيادة التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، وهي أسباب فشل جونسون في إيجاد حلول تخفف من وطأتها، وانهمك في حفلات تروّح عن نفسه؛ وهي نفس الأسباب التي زادت من توتر علاقته مع حزبه، ولن يتردد في دفعه للاستقالة في أقرب أزمة.. لأنه يكون بذلك قد استنفذ فرصه!

[email protected]

 

تابع موقع تحيا مصر علي