الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: لا داعي للمبالغة.. فلا تصالح مع الفساد
ADVERTISEMENT
عندما يتردد اسم الرئيس الراحل حسني مبارك في أي حديث يُذكر بين المصريين بعضهم البعض دائمًا ما يتذكر الجميع سنوات حكمه الطويلة التي تم فيها «التسامح مع الفساد»، حتى وصل الفساد منتهاه، وأصبح منتشرًا كالسرطان في الجسم، على الرغم من محاولة القيادة السياسية الحالية من محاولة رد ماء وجهه عند وفاته، وشيعت جثمانه بجنازة عسكرية مهيبة، وكان على رأسها الرئيس السيسي، وكل قيادات الدولة، كونه قائدًا عسكريًا مهمًا وبارزًا في حرب أكتوبر العظيم، في محاولة منها لتحسين صورته في عيون المصريين.
لكن الشعب لم ينسى ولن يغفل عن فساد مبارك على الرغم من تبرئته في ساحات القضاء، وهنا لا نعقب على أحكامه، ولكنه يقين غُرث في قلوب المصريين، نظرًا لمًا شاهدوه وتعايشوا معه وتلمسوا أثاره بأنفسهم، ولم يُذكر لهم أو رواه أخرين عن زمن بعيد عنهم أنه حدث في عهده، بل تم أمام أعينهم، وكان أخطر ما حدث في عهده أن الفساد أصبح مكافأة لمن يخدم النظام وأنه للأسف ارتبط بكثير من المسئولين الذين بدأوا حياتهم بكفاءة، وكان التورط في الفساد في ذلك الوقت شرطًا للإستمرار بالقرب من القمة.
هذا كل ما يتردد في أذهان العامة، وهذا ما يتذكره الشعب عندما يتردد اسم مبارك، والسؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو: هل براءة أسرة مبارك أمام المحاكم الدولية تعني تبرئتهم بالنسبة للمصريين؟.. قولًا واحدًا لا، لأن الشعب الذي رأى بعينه محاكمتهم في قضايا عدة متعلقة بالفساد، وكان شاهدًا على الحكم الصادر ضدهم بالحبس في قضية القصور الرئاسية، وتعايش في عهده مع الفساد الذي كان يرتدي ثوب القانون ويعبر عن نفسه في شركات وأنشطة تجارية يمتلكها أبناء المسئولين ويسعون بها لأحتكار الأسواق، والحصول على التوكيلات، وفرض نسب تجارية على كل نشاط تجاري يتم في البلاد، وكان ذلك يتم لحساب جيوب المسئولين وأبنائهم، ويخرج ليرقد في حسابات البنوك الأجنبية ولم يكن يتم لحساب البلد، لن يغفر، ولم ينسى، لأنه بات يقينًا في أذهانهم أنهم فسدة.
والسؤال إذن لماذا قام نجل مبارك بإلقاء هذا البيان في هذا التوقيت رغم صدور قرارات «التبرئة» قبل أكثر من شهر؟.. ظني أن بيان مبارك الإبن في ظاهره محاولة لغسل سمعة والده، لكن قد تكون هناك أغراض أخرى، والأهداف الحقيقية لجمال مبارك تعود له شخصياً، ولكن إذا أردنا توقعها، فربما يحاول البعض إقحامه في المشهد السياسي، خصوصًا بعد الإنفراجة السياسية التي تتمتع بها مصر بعد دعوة الرئيس السيسي للحوار الوطني، «عايز يقول أنا هنا ومستعد وجاهز للمشاركة»، نظرًا لأن هذا الحوار التاريخي لن يقصي أحد من المشاركة، وفاتح الباب أمام الجميع.
لكن وإن حاول جمال مبارك تنقية سمعة عائلته وإعلان تبرئتها أمام المحاكم الدولية وهذا حقه، لكنه لم يرد على المسألة المتعلقة بالحكم النهائي الذي صدر بإدانته في قضية القصور الرئاسية، كما لم يجب عن سؤال من أين لك هذا؟.. هل يجوز لأولاد رئيس جمهورية لبلد فقير مثل مصر أن يمارسوا العمل التجاري ويثروا بهذا الشكل المبالغ فيه في فترة حكم أبيهم؟.. هذه المسألة تثير علامات استفهام لدى المصريين وهو لم يقدم إجابات عليها، فالحكم الصادر من المحاكم الخارجية بالإفراج عن أمواله لا يعني بالضرورة أن الأسرة لم تسرق المال العام، لأن الدولة المصرية لم تبذل الجهد الكافي لاسترداد هذه الأموال، ولأن أي محكمة تبني حكمها على الأدلة والأوراق المقدمة لها، وهذا ليس تعقيب على أحكام القضاء، بل هو توضيح لكيفية إتخاذ النطق بالأحكام القانونية الصادرة عن أي محكمة.
أعتقد أن عملية غسيل السمعة التي يستهدفها مبارك الإبن، معناها محاولة استرداد رأس المال السياسي والاجتماعي الذي كانت تتمتع به أسرته قبل ثورة يناير، فلا يمكن لجمال مبارك العودة إلى الحياة العامة بشكل واسع، ومنها الحياة السياسية، إلا إذا تم إلغاء هذا الملف أو الإيحاء ببراءته، لكن ما لا يعلمه أن الدوائر المصرية لن تقبله، وستنظر إليه طوال الوقت بأنه ملاحق بلعنة الفساد وسرقة المال العام، وأن محاولة الربط بين حديثه والتطورات السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر مبالغة، فالحديث في مجمله يستهدف تسويغ الطريق الشاق الذي اختارت الأسرة سلوكه، ومواجهة الإجراءات العقابية وتلطيخ السمعة: «بيبرروا لنفسهم ليه اختاروا الطريق ده ولم يهربوا إلى دولة بعيدة رغم قدرتهم على ذلك، فبيقولوا إننا في الآخر حققنا انتصار».
في النهاية فإن أفضل ما يفعله جمال مبارك هو أن يصمت، لأن دخوله الحياة السياسية في مصر أساء إليه وإلى أبيه، فالدولة تفتعل المناسبات كي تذكر والده بالخير وتدافع أحياناً عنه بشكل غير مباشر بحكم بعض ما فعل من صواب، لكن هناك العشرات من علامات الاستفهام، فجمال مبارك يتحدث في أمور فتح ملفها يضر ولا يفيد، وإذا فتحنا هذه الملفات فسنجد أننا نضر بسمعة الرجل، ونسيء إليه، وبالتالي فأفضل ما يمكن لجمال مبارك فعله هو ألا يحاول رد غيبة أبيه، لأنه شخصياً فاعل أساسي في تشويه سمعة أبيه.