ألفة السلامي تكتب: حقيقة إفلاس لبنان
ADVERTISEMENT
لم يكشف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي شيئاً لا يعرفه اللبنانيون والمؤسسات المالية الدولية عندما أعلن إفلاس الدولة ومصرف لبنان. وحتى مع إعلان الشامي توضيحه عن اجتزاء حديثه التلفزيوني فإن ما تركه كلامه من انطباع حول إفلاس الدولة وبنكها المركزي ليس مستغرباً بعد كل تلك الشهور بل والسنوات التي طالت بينما لبنان عالقٌ في أزمته، دون خطة إنقاذٍ جادّة.
الشامي أعلن أن توزيع الخسائر سيتم على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين؛ ولأنَّ الدُّول لا تُفلس فهذا يعني أن الإفلاس سيقع على عاتق المودعين "الغلابة" الذين ذهبت أموالهم إلى "جهنّم" بتعبير الكاتب اللُّبنانيِّ الكبير عبد الوهاب بدرخان. ومن يذهب إلى العالم الآخر لا يعود!
وأمام عجز الدولة عن سداد ديونها السياديّة الخارجيّة، فإنها ستكون في عِداد الدول المتعثِّرة والمتوقّفة عن سداد ديونها. والحقيقة أن هذا الأمر ليس بجديد أيضاً فقد توقّف لبنان بالفعل عن سداد ديونه السياديّة منذ سنتين، وغابت خطط الإصلاح لإنقاذه حتى من قبل ذلك التاريخ، وبالتالي انخفض تصنيفه، وفقد بذلك ثقة المؤسّسات المالية العالميّة وهو يبحث الآن في جعبة "الصندوق" عن الدواء المُرِّ لعلاج أمراضه. ومما زاد من تفاقم أعراض أمراضه المزمنة أن لبنان - كغيره من الدول التي لديها ديون بالدولار- تعثر بشكل مضاعف نظرا لزيادة الطلب على العملة الخضراء وتراجع سعر صرف اللّيرة ومكافحة التضخم بعدما زادت أزماته الداخلية تعقيداً بسبب الحرب الأوكرانية، حيث وجد لبنان نفسَه الآن غارقا في أزمته الاقتصادية يصارعُ شحَّ المعروض من المواد الغذائية مع ارتفاع أسعار القمح وزيت الطهي.
المخاوف بشأن واردات القمح، التي جاء أكثر من 60٪ منها العام الماضي من أوكرانيا، أصبحت الآن حادّة بشكل يهدد بمجاعة لأن احتياطيات لبنان محدودة. كما أدى الانفجار الهائل الذي مزق ميناء بيروت في أغسطس 2020 ومصرع أكثر من 200 شخص إلى تدمير صوامع الحبوب الرئيسية. الحكومة قالت إنها تحاول تأمين واردات جديدة من الهند والولايات المتحدة وكازاخستان وهو ما يستلزم نقل الحبوب لمسافات أطول بكثير من ذي قبل على طرق الشحن باهظة التكاليف بشكل متزايد.
أسعار الخبز ارتفعت بنسبة 27٪، و السكر 72٪، وزيت عباد الشمس 83٪ ؛ كما تتصاعد المخاوف بشأن ارتفاع تكلفة الوقود لتزويد الكهرباء والمياه.
الأحزاب والقوى السياسية من جانبها منشغلة بماراتون الانتخابات المتوقعة في الخامس عشر من مايو القادم، تاركين بذلك معظم اللبنانيين منهمكين في عذاباتهم اليومية لتأمين قوت يومهم وهم بالكاد قادرون على توفير طبق المجدرة أو صحن التبولة لسدِّ جوع أبنائهم أو دفع اشتراك مولد الكهرباء وأجرة المواصلات بعدما تجاوز سعر صفيحة البنزين 500 ألف ليرة.
لا أمل يلوح للبنانيين في الأفق القريب، بل التصعيد في المواقف السياسية هو عنوان هذه المرحلة. القوى السياسية الكبرى تمتلك ما تصفه لغة الانتخابات بـ "بلوكات" الأصوات التي يضمنون بها المقاعد النيابية. أمَّا قوى المعارضة والتغيير والمجتمع المدني فقد انقسمت على نفسها، ممّا يضاعف صعوباتها في الحصول على المقاعد حيث يبدو أن العدد المرتفع للوائح سيساهم إلى حدّ كبير في شرذمة أصوات الناخبين مع احتمالات الفوز للأحزاب التقليدية ذات الأغلبية النيابية والأغلبية في الحكومات المتتالية، بما في ذلك الحزب الذي يروق له دائما أن يُصنِّف نفسه في مقاعد المعارضة ويرمي بتبعات الوضع المُعطّل الذي أدى للانهيار على الآخرين دون مسئولية عليه.
قد تحمل الأيام القليلة المقبلة مزيدا من الصعوبات، ويعتقد اللبنانيون أن رمضان هذا العام هو الأصعب الذي واجهه لبنان وقد كانوا يردِّدون العام الماضي أنه الأصعب ولا أحد يدري كم سيمرُّ من الوقت "الأصعب" حتّى تخفَّ معاناة اللبنانيين!