ياسر حمدي يكتب: الكيل بمكيالين.. العنصرية حتى في الحروب
ADVERTISEMENT
المتابع لتحركات الغرب وأمريكا ودول العالم المتقدم تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا وسرعة فرض العقوبات الإقتصادية على بوتين ونظامة، والإنتفاضة الغير مسبوقة في مثل هذه الأمور لتحييد الحرب بل ومنعها وحماية أوكرانيا وشعبها من صوت المدافع وصفارات الإنذار، نجد أن العالم المتقدم عنصري بطبيعته ويكيل مجريات الأمور بمكيالين.
فلم نجد مثل هذه السرعة في إتخاذ القرارات الرادعة تجاه الغازي وفرض العقوبات عليه وتحييده، ولا التحركات المكوكية لرؤساء الدول الكبرى، ولا الإجتماعات الطارئة لمجلس الأمن الدولي بشكل شبه يومي، إلا في حالة كييف الأوروبية، فمنذ عام 1948 والمدافع الإسرائيلية والطائرات الحربية تدك الأراضي الفلسطينية وتقتل الأبرياء من المدنيين يومًا تلو الأخر ولم نجد تنديد ولا تحرك ولا إستعطاف لهذا الشعب الأعزل من هذه الدول كما حدث مع أوكرانيا.
حتى في الحرب العراقية وكذا الأفغانية لم نجد غضب عالمي ولا تحرك سريع تجاه المهجرين ولا القتلى من المدنيين ولا تعاطف إنساني لشعب البلدين، على الرغم من أن الإنسان والإنسانية هي واحدة في كل مكان العراقي كالروسي.. الفلسطيني كالأوكراني الكل سواء في حقوق الإنسان التي صدعوا رؤوسنا بها، ليس هناك فرق، أعتقد أن هذه الحقوق لا تتجزأ، فلماذا نرى مواقفهم مختلفة وممزوجة بعنصرية واضحة؟.
والسؤال بشكل أخر هل يستحق الأوكرانيون التعاطف أكثر من غيرهم من دول العالم الثالث كما يلقبونهم ودل النزاعات الأخرى؟.. الإجابة قطعًا لا، فكل شعوب العالم متساوون في الحقوق والواجبات الإنسانية، فبكاء الأطفال في أوكرانيا أغضبنا وتشريد النساء أثار إستعطافنا وتهجير المدنيين ودمار الحرب أبكى قلوبنا دون النظر لجنسهم ولا عرقهم، فقط الإنسانية، لكن في واقع الأمر ما حدث مع الشعب الأوكراني من حكام وحكومات الدول الكبرى أثار غضب وحفيظة شعوب باقي العالم.
الغريب في الأمر أن كبرى الصحف والقنوات العالمية إعتبروا في تغطيتهم أن أوكرانيا بلدًا متحضرًا بخلاف دول أخرى تشهد حروبًا، وتناولوا الأحداث بشكل من العنصرية، مؤكدين لمتابعيهم حول العالم أن الأوكرانيين على عكس الأفغان والعراقيين والفلسطينيين وغيرهم، معتبرين الأوكرانيين أكثر تحضرًا لذلك يستحقون تعاطفًا أكثر، مما تصاعد الغضب على شبكات التواصل، وذاد الطين بله الإجتماعات المكثفة لمجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، وحلف الناتو، وغيرهم من التكتلات الدولية الكبرى، للضغط على روسيا من كافة النواحي السياسية والإقتصادية لوقف الحرب على أوكرانيا دون التحرك الفعلي في حروب مشابهة.
أقرأ ايضا: ياسر حمدي يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية ستنتهي إلى نظام دولي جديد
والمثير للدهشة والغضب هو ما كتبه «دانييل حنان» في صحيفة التلغراف البريطانية: «يبدون مثلنا كثيرًا، هذا ما يجعل الأمر صادماً للغاية.. أوكرانيا بلد أوروبي.. يشاهد أفرادها نتفلكس ولديهم حسابات على إنستجرام، ويصوتون في إنتخابات حرة ويقرؤون الصحف غير الخاضعة للرقابة، لم تعد الحرب شيئًا يتعرض له السكان الفقراء والبعيدون».
ما تضيفه كل هذه الاختلافات السطحية الصغيرة - من أمتلاك السيارات والملابس إلى أمتلاك حسابات على نتفليكس وإنستجرام، ليس تضامنًا بشريًا حقيقيًا مع شعب مضطهد، في الواقع، العكس هو الصحيح، إنها قبلية، تشير هذه التعليقات إلى عنصرية خبيثة تتغلغل في تغطية حرب اليوم وتتسرب إلى نسيجها مثل وصمة عار لا تزول.
المؤسف أن العنصرية لم تقف عند هذا الحد، فالطبيعي عندما هاجمت روسيا أوكرانيا وبدأ الحرب، فر العديد من المدنيين سواء الأوكرانيين أو الأجانب المقيمين على أراضيها إلى الحدود مع الدول المجاورة هروبًا من نار ودمار الحرب، المخزي بل والعار عندما أشتكت نيجيريا من منع الطلاب الأفارقة داخل أوكرانيا من الوصول إلى المعابر الحدودية البولندية، كما واجه البعض مشاكل على الجانب البولندي من الحدود، وأصبح هناك تمييز بين الأوكرانيين والأوروبيين وأصحاب البشرة البيضاء بشكل عام، والاجئين السود، تجاهلوا مفهوم أن توفير الملجأ لا يستند ولا ينبغي أن يستند إلى عوامل مثل القرب الجسدي أو لون البشرة، ولسبب وجيه للغاية، إذ عمل تعاطفهم فقط للترحيب بأشخاص يشبهونهم، وكرروا النوع ذاته من القومية الجاهلة الضيقة التي تروج لها الحرب في المقام الأول.
والخلاصة هي هل سيتحرك المجتمع الدولي لحل كل النزاعات والحروب الدائرة بين كل المتصارعين حول العالم بنفس السرعة والقوة والغضب والإستعطاف والضغط الذي حدث مع أوكرانيا؟، أم أن العنصرية والتمييز سيبقون لنهاية العالم؟.