عاجل
الإثنين 23 ديسمبر 2024 الموافق 22 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: نزيف هجرة الأطباء!

تحيا مصر

الطبيب المصري يتمتع بالكفاءة العالية والسمعة الطيبة التي لا تؤثر عليها الاستثناءات. وتعج المستشفيات والمراكز الطبية في العواصم الغربية بالأطباء المصريين المشهود لهم بالمهارة والتميز خاصة في التخصصات التي تعاني من نقص في الدول الغربية، لذلك ترحب بهم تلك الدول وتمنحهم تسهيلات للإقامة القانونية، كما توفر لهم فرص عمل في مستشفياتها الحكومية.

وتقدر نقابة الأطباء هجرة  110 آلاف طبيب للعمل بالخارج من مجموع 213 ألف طبيب مسجلين لديها (بعد حذف المحالين للمعاش).

وتوضح أرقام وزارة الصحة أن عدد من يعملون بالفعل داخل مستشفياتها الحكومية لا يتجاوزون 82 ألف طبيب، أي هناك أكثر من 60% من الأطباء هاجروا إلى الخارج أو يمارسون المهنة في القطاع الخاص أو عزفوا عن ممارستها خلال السنوات الماضية. وتم رصد ما يزيد عن 10 آلاف طبيب شاب هاجروا خلال جائحة كوروناتلبية لزيادة الطلب على الأطباء في قطاع الصحة الأمريكي والأوروبي.

أقرأ أيضا: ألفة السلامي تكتب: التحديات والفرص في الأزمة الأوكرانية

وتفسر النقابة على لسان أمينها العام مشكلة نقص الأطباء، خاصةً في القرى وبعض المحافظات،بالهجرة المتزايدة والتي أصبحت تبتلع أطباء مصررغم كثرة الخريجين ووفرة الكفاءات حيث يتخرج سنويا حوالي 12 ألف طبيب. ولخص دوافع الهجرة في ضعف الأجور وصعوبة توافر فرص الدراسات العليا وحوادث الاعتداء المتكررة على الأطقم الطبية بالمستشفيات. 

هذا الملف المزمن لم يغب عن الرئيس السيسي وتناوله منذ ساعات قليلة خلال تعليقه على التحديات والأعباء المتراكمة على مدار عقود طويلة، موضحا في معرض إشرافه علىاحتفالية المشروع القومي لتنمية الأسرة أن الرواتب التي يحصلعليها الأطباء لا تناسبهم. الرئيس قالها بكل صراحة وشفافية منعا للمزايدة- "هو أنا بديله مرتب كويس ولا مش عاوز أديله مرتب كويس؟ أنا مش قادر أديله مرتب كويس". ويدرك الرئيس ويتفهم رغبة الطبيب في البحث عن فرصة عمل في بلد آخر حتى يؤمن لنفسه حياة كريمة. 

نعم الأطباء هم صفوة المجتمع ويستحقون مرتباتتكفيهم مئونة البحث عن زيادة الدخل بالجري واللّهاث من مستشفى إلى آخر ومن عيادة إلى أخرى. وقد يرد أحدهم قائلا "أش معنى الأطباء؟!".

 

وفي مجتمع شعاره "أش معنى" ينظر المدرس والمحاسب والمحامي وحتى الموظف في أي مصلحة حكومية على أنه يجب أن يكون ضمن الصفوة.. والحديث هنا عن المرتبات لكن لا حديث عن قيمة العمل وساعاته وخاصة قيمته المضافة. ومع احترام كل الأعمال والوظائف الشريفة التي لها دور بالتأكيد في تنمية أصحابها والاقتصاد بشكل عام، إلا أن تقييم العمل والمقابل له يجب أن يخضع أيضا لحساب آخر وهو مجموع السنوات التي يقضيها في الدراسة والتدريب وهي الأطول بالنسبة للطبيب وتصل لـ 15 سنة منذ دخوله كلية الطب وحتى يصبح أخصائيا، ناهيك عن الدراسة الإجبارية التي لا تتوقف طوال الحياة المهنية حتى يتابع آخر التطورات العلمية ويلم بها ويطبقها على أفضل وجه.

 

وجميع الأمم المتقدمة تولي عناية خاصة بالأطباء لأنهم مسئولون عن صحة الشعب؛ والشعوب السليمة هي من تستطيع قيادة أوطانها نحو المزيد من العمل والإنتاج والتقدم. ويحقق الأطباء من موقعهم الأمن والأمان الصحي وهو أمن إستراتيجي مثله مثل الأمن الغذائي والأمن الدفاعي والعسكري. وعندما يغيب الطبيب عن موقعه نفقد إنسانا وروحا عزيزة لا تعوّضها الأموال.

وإذا ما عرفنا أن طالب الطب يكلف الدولة 50 ألف جنيه سنويا (على لسان المتحدث باسم رئاسة الوزراء) ندرك حجم ما تنفقه الدولة على تعليم أطبائها الذين يهاجر عدد كبير منهم للعمل في العواصم الغربية، وهذا بمثابة الدعم الذي تقدمه ميزانية الدولة إلى تلك العواصم التي تستقبلهم وهم جاهزون دون أن تتكلف مليما على تعليمهم. وبقدر ما يستفيد القطاع الصحي والبحثي في تلك الدولة بقدر ما يعد نزيفا يسلب موارد الدولة المصرية عناصرها الحيوية ويهدر قدراتها ذات القيمة العالية ويسبب عجزا في مستشفياتها وصحتها العامة وإنتاجيتها. 

ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللوم على الأطباء، ولا على الدول المستقبلة لهم بل على الدولة المصرية التي عليها أن تحسن إدارة تلك الموارد وتضع الحوافز القادرة على استبقائهم وخلق فرص نجاحهم وتألقهم واستخدامهم في بشكل أفضل في مناطق تشكو نقصا من خدماتهم. ولاشك أن هذا الملف سيكون في صدارة أولويات الحكومة والقيادة السياسية التي تعي المشكلة جيدا وتبحث حاليا عن كيفية حلها، خاصة في ضوء خططها خلال السنوات الأخيرة التي تستثمر في صحة المواطن وتراهن على سلامته لأنه مفتاح تقدمها ورخائها.

[email protected]  

تابع موقع تحيا مصر علي