ألفة السلامي تكتب: التحديات والفرص في الأزمة الأوكرانية
ADVERTISEMENT
لم يعد هناك أدنى شك على أن روسيا والولايات المتحدة تدخلان في نسخة جديدة من الحرب الباردة - على الأرض الأوكرانية هذه المرة- والتي طالما توقعها بعض المراقبين على جانبي المحيط الأطلسي، وأصبحت لا مفر منها اليوم بعد أن تصاعدت شراراتها مؤخرا.
وقدأعلن عن ذلك صراحة الرئيس بايدن مؤخرا من غرفته الشرقية بالبيت الأبيض، متعهدا بأنه إذا غزت روسيا أوكرانيا، "سنحشد العالم للوقوف أمام عدوانها". وجاء الرد الروسي بعدها بعدة ساعات عندما أشرف الرئيس فلاديمير بوتين على إطلاق تجريبي لصواريخ تفوق سرعة الصوت قادرة على حمل السلاح النووي ويمكنها الإفلات من الدفاعات الأمريكية ودفاعات الناتو.
وزاد من التصعيد الدعم الروسي للانفصاليين في دونيتسك ولوجانسك وتحريك 200 ألف عسكري على الحدود. وهكذا انتشرت صفرات الحرب ورائحتها الكريهة في سماء أوروبا منذ الجمعة الماضية عندما اشتد القصف على طول خط المواجهة في شرق أوكرانيا.
الحرببين روسيا والولايات المتحدة
ولا أحد يعرف ما إذا كانت الخدع المعقدة والمكلفة على وشك أن تتحول إلى هجوم عسكري في أوروبا هو الأكبر من نوعه منذ عام1945 إبان الحرب العالمية الثانية.
ويتابع العالم إعادة ترتيب أوراقه والعودة إلى تقسيمه إلى معسكرين بينما تلوح الأهداف الاقتصادية غير المعلنة للمعركة على أشدها.
وبعيدا عن المعسكرين الواضحين تبحث كتلة ثالثة الآن عن التموقع في هذا الصراع وتأخذ مسافة من كل معسكر لعلها تنجح في رسم حدود موقفهابعدم الانحياز لأي طرف على طريقة مجموعة دول عدم الانحياز في الستينات التي تزعمتها مصر والهند ويوغوسلافيا. وتسعى للتحوط تجاه الأزمة لحماية مصالحها وتدبير احتياجاتها خوفا من تأثيرات سلبية محتملة نتيجة هذا الصراع على اقتصادياتها التي أنهكتها جائحة كورونا والأزمة العالمية المزمنة.
استعداد الدولة المصرية للأزمة
ومن الأسئلة التي تشغل الرأي العام المصري حاليا وهو يتابع تصاعد الأزمة داخل أوكرانيا: كيف تستعد مصر لهذه الأزمة وماهي خطتها للحد من التداعيات المحتملة عليها، وهل الغازالمصري سيكون بديلا لأوروبا عن الغاز الروسي الذي يمر من الأراضي الأوكرانية في اتجاه الأسواق الأوروبية؟
تربط مصر وأوكرانيا علاقة جيدة على امتداد ثلاثين عاما وشهد التبادل التجاري رقما قياسيا في 2021 بقيمة تقترب من ملياري دولار وتبلغ الاستثمارات الأوكرانية في مصر حوالي 350 مليون دولار، كما يزور مصر سنويا مليون ونصف المليون سائحا أوكرانيا، تراجعوا للنصف فقطبسبب جائحة كورونا، ويقصدون مناطق البحر الأحمر خاصة الغردقة وشرم الشيخ. وتأتي في المرتبة الثانية من حيث إجمالي السياحالقادمين إلى المقاصد المصرية. وتتحرك الحكومة المصرية وفي مقدمتها وزارة السياحة لتكثيف الترويج في أسواق جديدة تعويضا لانخفاض السياحة الأوكرانية.
وتستورد مصر القمح من أوكرانيا بكمية تقدر بنحو 3 مليون طن بينما يبلغ إجمالي الاستهلاك المحلي حوالي 18 مليون طن سنويا، ويغطى الإنتاج المحلي نحو 55% فقط من إجمالي احتياجات المصريين. وتغطي كمية المخزون من القمح حاليا احتياجات 4 أشهر ونصف، وفقالبيان صادر عن مجلس الوزراء المصري. ومع قرب موسم جني المحصول المحلي المقدر بنحو 10 ملايين طن، تستهدف الحكومة جمع ما يقربمن 4 مليون طن من المزارعين، وهو يتجاوز ما جمعته الحكومة العام العام الماضي بنسبة نمو 11% ، خاصة مع زيادة سعر التوريد الذي حددته الحكومة للشراء من المزارعين.
أما فيما يخص الغاز الطبيعي المسال، فإن أوروبا- المستهلك الثاني للغاز عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية- تعتمد على الغاز الروسيبنسبة كبيرة حيث تستهلك سنويا نحو 550 مليار متر مكعب من الغاز، حوالي 40% من هذه الكمية يأتي من روسيا، يليها النرويج ثمالجزائر، ثم بقية الدول الأخرى الموردة للغاز إلى روسيا مثل قطر ومصر.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها احتياطي كبير من الغاز الطبيعي إلا أن نقل الغاز الأمريكي المسيل لأوروبا هو عملية شبهمستحيلة لارتفاع تكلفة النقل. ومن أجل تقليل الخسائر المتوقعة لتوقف الغاز الروسي نحو أوروبا إذا تصاعدت شرارات الحرب فإنه لا بديلعن شرائه من الدول القريبة والمجاورة لأوروبا، ومصر في مقدمة الدولالتي تملك بنية أساسية لها جاهزية لنقل الغاز المصري نحو أوروبا المجاورة حيث تملك محطتين للإسالةوشبكة كبيرة لربط الغاز بمنطقة المتوسط كما أنها تستطيع تجميع الغاز المسال من مناطق الجوار، وإعادة ضخه إلى أوروبا في حالةاحتياج الأخيرة لغاز بديل عن الغاز الروسي.
قدرة الدولة المصرية على انتاج الغاز
وقد شهدت مصر طفرة في إنتاج الغاز خلال السنوات السبع الأخيرة بحجم يزيد على 7.3 مليار قدم مكعب من الغاز، وبإجمالي يقترب من60 مليون طن وتستهلك مصر حوالي 51 مليون طن، ويبقى ما يزيد عن 9 ملايين طن فائضا جاهزا للتصدير . تأتي تلك الطفرة بعد أن هبط إنتاجمصر بين 2011 و 2014 إلى مستويات متدنية نتيجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية بعد 25 يناير. وهكذا فإن مصر لديها ما يكفي استهلاكها وأيضا مستعدة للتصدير إذا ما حدثت أزمة عالمية نتيجة هذا الصراع الروسي الغربي على الأراضي الأوكرانية.
ولاشك أن علاقة مصر بروسيا هي علاقة استراتيجية كما أن شراكتها وثيقة مع الاتحاد الأوروبي من جهة والطرف الأمريكي من جهة ثانية. وتتبلور الخطوط العريضة للموقف المصري تجاه الأزمة الأوكرانية وفقا لمبادىء ثابتة قوامها الحفاظ على أهداف السلم والأمن الدوليين وبمايحافظ على مصالحها وعلاقتها الوطيدة مع شركائها الاستراتيجيين.