عاجل
الثلاثاء 05 نوفمبر 2024 الموافق 03 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: وصفولي الصبر !

تحيا مصر

كان الصبر من أصعب الأشياء بالنسبة لي للتعلم على مر السنين وقد وصفه لي القريب والبعيد كعلاج لما يرونه سرعة زائدة!

تحيا مصر 

إذا كنت تعرفني جيدا، فمن المحتمل أنك تومئ برأسك الآن وتهمس لنفسك بأنني أحد هؤلاء الأشخاص الذين يريدون تنفيذ الأشياء في أسرع وقت وأفضل شكل. انا وعندما لا يحدث ذلك أشعر بالإحباط والتوتر وأحيانًا الانزعاج والغضب.

خسرت أناسا كثيرين في محيط الأصدقاء والزملاء بسبب قلة الصبر -ربما كنت واحدا منهم- وبعضهم يرى أني متعجلة ولا أطاق في ضيقي ورد فعلي عند تأخر أحد فريق العمل، مع أني أرى على العكس من ذلك تماما أن أدائي يمكن أن يكتسب سرعة أكثر، وربما أحد أسباب إبطائه يعود لكسل أو إهمال عضو أو أعضاء فريق العمل عند تنفيذ عمل مشترك.

وكثيرا ما أجد أنه من الطبيعي افتقاري إلى الصبر داخليًا مع نفسي أو خارجيًا مع الفريق لأن الدافع لذلك هو سرعة الإنجاز وتحقيق العمل المطلوب. بل وأجد نفسي أتساءل باستغراب عن شدة بطء الآخرين ولماذا لا يشعرون بنفس الدافع الذي يحركني والإلحاح الذي يطاردني، ولماذا هم راضون كل هذا الرضا عن بطئهم رغم كونه يعطل تحقيق الأهداف؟!

ألفة السلامي تكتب: وصفولي الصبر !

كنت قد بدأت أصدق بأن هناك وجوها سلبية أيضا لقلة صبري، وخمنت منذ فترة السبب: أنا لم أولد بجين الصبر، وربما ورثت الافتقار لهذا الجين من أمي، على العكس من أبي الذي كان يملك الملايين من هذا الجين، تكفي العالم بأسره وقادرة على جعله أكثر سلاماً وبهاءً!!

عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، وكنت على وشك المغادرة لتلقي تعليمي الجامعي خارج مدينتي، عندما سألني والدي سؤالًا بسيطًا لكن مدهشا: "هل هناك شيء سلبي على وجه الخصوص تشعرين بأنه يقلقك؟". قلت: "نعم، قلة الصبر". ابتسم، ثم قال: "ألم تتعلمي مني قليلا من الصبر"، وكان يقصد عمله بالحرير ، وهو أرق خيوط للنسيج، كان يتولى بنفسه تخليص تشابكاته قبل غزله واستخدامه في تطريز أشكال فنية رائعة في صناعة الأزياء التقليدية. قال: "تعالي وقت العطلة لتعلم الحرير وسوف تتقنين الصبر!" ورديت على الفور: " أنا أريد الصبر الآن يا أبي!"

وضحكنا سويًا فردي عكس إلى أي درجة أحتاج لتدريبه. ولم أفهم لماذا كان أبي يحرص على القيام بنفسه بهذه المهمة الشاقة مع الحرير، لكونه يستطيع أن يكلف بها أي عامل/ة، إلا عندما قضيت معه خلال العطلة الصيفية بعض الوقت. لقد علمني الحرير درسًا مازلت أستفيد منه إلى اليوم: تعلم الصبر مع مرور الوقت!

إنه ليس مهارة تتحقق في لحظة، بل يتم تعلمه بالتدريب وكسبه مع الوقت. إنه هدية رائعة إذا استطعنا انتظارها!

نحن نفهم هذا مع الوقت من خلال التعامل مع أطفالنا مثلاً. نعلم أنهم بحاجة إلى وقت لتعلم كيفية المشي والأكل والتحدث. وبمجرد أن يفعلوا ذلك، نطلب منهم الجلوس والهدوء والتوقف عن الحركة والكف عن الكلام! يحتاج الأطفال إلى وقت للتحكم في حركتهم ومشاعرهم واكتساب النضج تدريجيا وتهذيب غريزتهم، لكننا ننسى أنهم يحتاجون إلى وقت لفعل كل ذلك.

أعتقد أنه في العمل والحياة أيضا نحتاج إلى التباطؤ وفقا لإيقاع من حولنا ثم زيادة الإيقاع تدريجيا بشكل جماعي ومشترك حتى نصل لايقاع سريع كفريق عمل. قدت الكثير من فرق العمل في مسيرتي الماضية وكنت أعتبر العمل والتعاون مع الفريق بمثابة "النعمة". إنها هدية نقدمها لبعضنا البعض عندما نشترك كمجموعة في إنجاز مهمة بسرعة وعلى أكمل وجه. مهمة قائد الفريق هو أخذ أفضل ما يمكن أن يمنحه كل عضو في هذه المجموعة، وهذا يتطلب حسن الإدارة -وصبرا ولطفا- قد لا يكون متوفرا مع ضغوط العمل. غالبًا ما يكون المنتج أو الفكرة أفضل بكثير مما كنا نأمله عندما نمنحه مزيدًا من الوقت مقابل العمل على إتقانه لحد اكتماله.

لقد ألفت كتابين كليهما في ظروف شديدة الصعوبة بالنسبة لي، كما كتبت عشرات الأبحاث والدراسات، ومئات المقالات. لقد كانت تجربة البحث والكتابة تجربة رائعة. كل تجربة كتابة هي عملية قوامها الصبر تستغرق وقتا طويلا من التفكير والتأمل ثم الكتابة والصياغة والمراجعة عدة مرات إلى أن تصبح في متناول اليد. ولا يمكن التسرع في هذه العملية إذا كنت تريدها أن تكون بجودة عالية.

التأكيد هناك مواعيد نهائية للتسليم، وهي أيضا وسيلة لقياس إتقان أي عمل، لكن قد نحتاج الكثير من الوقت للتفكير إلى أن يولد المشروع. وكل كتابة هي مشروع بالنسبة لي. وكل مشروع هو درس في تعلم الصبر !

ليس هناك شك في أننا نعيش اليوم في عالم رقمي سريع الإيقاع، وقد نشعر بقصف النيران فوق رؤوسنا إذا تأخرنا عن مواعيد محددة من المفترض الالتزام بها. ومع ذلك إذا كنا نريد أن يكون عملنا على مستوى جيد من الإتقان فقد يكون من الصعب اختصار مراحل من أجل الإنجاز السريع، وهنا من المهم الصبر حتى اكتمال بناء الفكرة وتنفيذها على ما يرام لكي تكون مكتملة ومقنعة في النهاية. 

لذلك الصبر مفتاح النجاح كما يقال، وهو أيضاً هدية، لا يعرف قيمتها إلا من تربى على الصبر وأدرك بمرور الوقت أهمية أي عمل أو مشروع بذلت فيه جهود مضنية ولو لا الصبر لما كللت بالنجاح.  وبالنسبة لي، عندما أكون أكثر صبرًا، تنخفض مستويات القلق لدي، وأكون أكثر وفاق مع غالبية من حولي.

ومع ذلك، يجب أن أعترف: ما زلت أتعلم التحلي بالصبر؛ فماذا عنكم؟

تابع موقع تحيا مصر علي