عاجل
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 الموافق 17 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

«انتمى لعائلة محبة للفنون وترك بصمة مختلفة».. من هو الموسيقار الراحل طارق شرارة؟

تحيا مصر

يعد طارق شرارة أحد الاشخاص متعددي المواهب، فهو موسيقار، معد ومقدم، وفنان تشكيلي ويعتبر من الأشخاص الذين أثروا بشكل كبير في كافة الفنون، وكان له بصمة مميزة في أعماله.

تحيا مصر

وقد كتب موسيقا تصويرية لأفلام تسجيلية عديدة ورسوم متحركة نال عنهم العديد من الجوائز وشهادات التقرير.

حيث قدم الموسيقى التصويرية والإعداد الموسيقي لما يقرب من 50 فيلما سينمائياً، من بينها “العذراء والشعر الأبيض”.

كما أعد موسيقى فيلم: "الصعود إلى الهاوية".

وموسيقى فيلم “إمبراطورية ميم”.

وموسيقى فيلم “إمرأة سيئة السمعة”.

وأخيراً موسيقى فيلم”الحب تحت المطر”.

وطارق شرارة أيضاً فنان تشكيلي حقق نجاحاً كبيراً وحصل على عدد من الجوائز والتكريمات، وتشمل لوحاته وأعماله مختلف الأساليب والمدارس الفنية من المدرسة التعبيرية، والتشخيصية إلى كلاً من المدرسة التجريدية، والرمزية.

كما أن له كتاب مشهور يضم قصة حياته ومحطات كثيرة منها ويسمى “عزف على أوراق الزمن”، نعرض لكم تفاصيله قيما يأتي.

كتاب عزف على أوراق زمن

روى الموسيقار طارق شرارة في كتابه "عزف على أوراق زمن" محطات في حياته الخاصة والعامة، انطلاقاً من بيت الأسرة الذي تعرض لهزة كبيرة بعد تعرض والده "الباشا" للعزل السياسي بعد ثورة 23 يوليو ومصادرة أراضيهم، مروراً بدور والدته التي غرست فيه حب الموسيقى والرسم، ودور د.سهير القلماوي في تكوينه الثقافي، وكذا "انيتا فيشر"و"صلاح الحسيني" ثم تخرجه في كلية الحقوق وتعيينه بوزارة الثقافة، وتقلده منصب سكرتير عميد الكونسيرفتوار "شيزيري نورديو"، ثم بعد ذلك العمل كرقيب بالرقابة على المصنفات الفنية، وانتهاء هذا العمل بإستقالته وتفرغه للتأليف والإعداد الموسيقي وعلاقاته مع الفنانين والمخرجين وقائدي الأوركسترا والمطربين،و كتب سيناريو وحوار والموسيقى التصويرية لفيلم "أنياب" إخراج محمد شبل.

 

وكتب موسيقات تصويرية لأفلام تسجيلية عديدة ورسوم متحركة، كما قام بالتأليف الموسيقى لمسرحيات وليد عوني وغيره في دار الأوبرا.

تضمن الكتاب الصادر عن دار نشر سنابل مواقف وأحداث شكلت حياة طارق شرارة خاصة تلك التي تعامل فيها مع الوسط الفني والموسيقي والتشكيلي، يقول "عشت هذه الحياة كما أردت أن أعيشها متنقلًا بين بلاد العالم المختلفة، متمرداً على قواعد الوظيفة التي قيدت في مرحلة ما المبدع الذي يعيش داخلي، سواء كان الفنان التشكيلي أو الإذاعي أو الموسيقي، هذا الأخير ـ الموسيقي - التي طغت على باقى مواهبي، وأصبحت هي المسيطر الأول، محتله مساحة أكبر من العشق، متأثره برموز منحوا الفن كثيراً من الأعمال ستظل منحوتة في تاريخ البشريه الصوتي".

عائلة الراحل طارق شرارة محبة للفنون

وأضاف "أنتمي إلى عائلة محبة للفنون، الوالدة كانت تجيد العزف على البيانو بمهارة، تعلمت العزف في مدرستها "أمريكان كوليدج" التي تقع في شارع الملكة نازلي سابقاً، رمسيس حالياً، والتي درست بها خالتي وأقارب والدتي ومعظم بنات العائلة.

 

وجود البيانو في هذه المرحلة التاريخية في البيوت كان من الأساسيات، ويستهوي بنات العائلات أكثر من الشباب، ربما لأنه بجانب مهارات التطريز والحياكة وشغل الإبرة، من المقومات الأساسية للفتاة المقبلة على الزواج. تميزت والدتي عن كل بنات العائلة بإيجاده الرسم بجانب العزف على البيانو، لدرجة أنها كانت تتعلمه على يد أستاذ إيطالي اسمه "منشيني".

 

كل هذا بالطبع كان قبل ارتباطها بوالدي، الذي كان ارتباط "صالونات" عن طريق العائلات؛ لكونها من سكان حي العباسية الشرقية وهو من الحلمية. على الجانب الآخر كان والدي أيضًا عاشقًا للموسيقى، يعزف على آلتَي القانون والعود، ومحبًّا للقراءة بشكل كبير، وأعتبره قارئًا موسوعيًّا يقرأ في جميع المجالات. أمي لم تكن تميل إلى القراءة الجادة المتخصصة، بقدر حبها للعزف على البيانو والرسم، بخلاف شقيقتها التي ستلعب دورًا كبيرًا في حياتي د.سهير القلماوي التي كانت مُحبة للقراءة مثل والدي، تغطي الكتب في بيتها كل الجدران تقريبًا. بعد عودة خالتي من فرنسا مع زوجها د.يحيى الخشاب احتضنتني وعدَّتني بمنزلة ابنها". 

 

ويشير شرارة إلى أن كل ذكريات طفولته تقريبًا كانت في بيت جده الطبيب الجراح د.محمد القلماوي.

الكائن بحي العباسية الشرقية، كانت الأم الحنون التي كنت أراقبها وهي تسمع الموسيقى الكلاسيكية التي ما زلت أذكر منها "متتاليات بير جنت" للموسيقار جريج، و"البوليرو" لـ "رافيل" و"شهر زاد" لـ "ريمسكي كورساكوف".

 

ولا غرو، فقد كانت رسالة الدكتوراه التي قدمتها عن ألف ليلة وليلة، قبل أن تسحبها فيروز إلى عالمها الغنائي. وحتى بعد أن رزقها الله ابنَيها الأول والثاني، لم تتخلَ عن اهتمامها بي حتى آخر لحظة في حياتها.

كانت تعدني بمثابة ابنها البكر، ولا أنسى القصص الخيالية التي كانت تقصها عليَّ عند النوم، وكذلك قصص واقعية كثيرة عن جدتها وأمها لم تشملهم في كتابها الشهير "أحاديث جدتي"، وقد تكوِّن في مجموعها مجلدًا ضخمًا. كل هذا كان بمثابة ذخيرة محفورة في خيال طفل. 

ويكشف طارق شرارة أن والده بعد رحيل الجد أصبح ملزماً بالإشراف على الأراضي الزراعية التي تخصه من الميراث، ويقول "في هذه المرحلة اشترى أراضي بور في الشرقية بمساحة ثلاثة آلاف فدان تقريبًا، وبدأ في عملية استصلاحها، وكان يقضي أيامًا وليالي في الأرض بين الفلاحين يتابع عمليات الإصلاح بنفسه، يترقب اللحظة التي يرى الأرض خضراء حوله.

كان يعد هذا المشروع من أهم مشاريع حياته، وبالفعل مع بداية الخمسينيات بدأ الحلم في التحقق، وبدأت الأرض في إنتاج المحاصيل الزراعية المتميزة، وفي عز فرحته واحتفالاته وسعادته بأن شقاءه وتعبه لم يذهبا سدى، وعلى طريقة ما يحدث في الأفلام السينمائية، قامت ثورة 23 من يوليو 1952، ولم تمضِ فترة طويلة إلا وظهر قانون الإصلاح الزراعي الأول الذي ينص على أن يحدد ملكية الأراضي الزراعية بـ200 فدان للأسرة والأولاد القُصَّر، ويُسَلَّم ما يزيد عن ذلك إلى إدارة الإصلاح الزراعي. هذه اللحظة تحديدًا كانت من أشد اللحظات قسوةً ومرارةً في حياته؛ فقد كان مضطرًا إلى أن يختار 200 فدان ليحتفظ بها، فإما أن يتخلى عن الأرض التي أصلحها بنفسه وتشكل حلم حياته الذي منحه وقته وجهده وعرقه وسهر الليالي، أو يحافظ على ميراث والده ويحتفظ به. وعلى الرغم من قسوة الموقف والاختيار - فإنسانيًّا الخياران أحلاهما مر- وعلى الرغم من أنه قرر في نهاية الأمر الاحتفاظ بأرض أبيه وأجداده، وذهب حلمه أدراج الرياح، فإنه عاش حياته غير ناقم على قانون الإصلاح الزراعي أو مبادئ ثورة يوليو الخاصة بالمساواة وتقريب الفوارق بين الطبقات؛ فقد كانت هذه الأفكار متسقة مع كثير من أفكاره التي كان يؤمن بها قبل قيام الثورة. 

طارق شرارة إشتراكي النزعة

كان اشتراكي النزعة قبل أن يتكلموا عن الاشتراكية، تبنى من نفسه إقامة المشاريع الخيرية بسخاء بدون البحث عن مكاسب أو مناصب، وأكبر دليل على ذلك أنه اعتذر مرتين عن منصب وزير الشؤون الاجتماعية عندما عرضه عليه فؤاد باشا سراج الدين، وإبراهيم باشا عبد الهادي فيما بعد.

كانت المبادئ التي آمن بها من مقتبل شبابه هي التي تحركه، بعيداً عن الدعاية والتهليل مثل آخرين كانت أعينهم على المناصب والوجاهة الاجتماعية وقد لخص فكره الاجتماعي في مذكرات بعنوان "لماذا لم أعمل بالسياسة ومتى أعمل بها"، فقد عدَّ العمل بالسياسة آنذاك مفسدة ومصالح متضاربة.

يذكر شرارة أنه دخل العالم السحري للسينما التي أعشقها من باب العمل رقيبًا في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية - قسم الرقابة على الأفلام الأجنبية ـ وذلك في مرحلة تاريخية كان العمل في هذا الجهاز الحيوي أشبه بالسير على الرمال المتحركة لا يحتمل أي خطأ، خصوصًا في تنفيذ التعليمات المتعلقة بالتوجهات السياسية للدولة المصرية محليا و عالميًّا، وفي ظل تفجر الصراع العربي الإسرائيلي و خلال حربَي 1967 و1973.

لم تكن السينما بعيدة عن هذه المعارك في ظل سيطرة الصهيونية العالمية في هوليوود على شركات الإنتاج السينمائي الكبرى، وولاء كثير من صناع السينما العالمية للجانب المعادي لمصر. في تلك الأيام أصبحنا نعمل في الرقابة -علاوة على قائمة الممنوعات التقليدية- بقائمة إضافية صادرة من لجنة أُطلق عليها "مكتب المقاطعة بالجامعة العربية"، تضم أسماء كل من له علاقة بالكيان الصهيوني على مستوى الأنشطة الفنية السينمائية، سواء كانوا منتجين في هوليوود، أو نجومًا أو كتَّاب سيناريو أومخرجين.

تابع موقع تحيا مصر علي