عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: 25 يناير.. وعيد الشرطة المصرية

تحيا مصر

سطر أبطال الشرطة المصرية ملحمة بطولية أمام المحتل الغاشم «الإنجليزي»، أشاد بها العالم أجمع، واستبسلوا في الدفاع عن مبنى محافظة الإسماعيلية، ورفضوا تسليم المبنى للبريطانيين إلا على جثثهم، وقاوموا بضراوة حتى الأنفاس الأخيرة في معركة الشرف، ومنذ ذلك الحين وتحتفل الدولة المصرية بهذا اليوم العظيم في تاريخها، معتبراه عيدًا قوميًا وفاءً وإخلاصًا وإجلالًا لتضحيات وزارة الداخلية في الدفاع عن عزة وكرامة الوطن.

بدأت قصة الشرف والواجب الوطني منذ 70 عامًا، وذلك في صباح يوم الجمعة ال 25 من يناير عام 1952، حيث قام القائد البريطاني بمنطقة القناة «البريجادير أكسام»، بإستدعاء ضابط الإتصال المصري، وسلمه إنذارًا لتسليم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات الإنجليزية وترحل من منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة، فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطاني وأبلغته إلى «فؤاد سراج الدين»، وزير الداخلية المصري في هذا الوقت، والذي طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الإستسلام.

وكانت هذه الحادثة أهم الأسباب في إندلاع العصيان لدى قوات الشرطة، أو التي كان يطلق عليها بلوكات النظام وقتها، وهو ما جعل إكسهام وقواته يقومان بمحاصرة المدينة وتقسيمها إلى حي العرب وحي الإفرنج، ووضع سلك شائك بين المنطقتين، بحيث لا يصل أحد من أبناء المحافظة إلى الحي الراقي مكان إقامة الأجانب.

هذه الأسباب ليست فقط ما أدت لإندلاع المعركة، بل كانت هناك أسباب أخرى بعد تتمثل في إلغاء مصر معاهدة 36 في 8 أكتوبر 1951، حيث غضبت بريطانيا غضبًا شديدًا، واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين، وإحكام قبضة المستعمر الإنجليزي على المدن المصرية ومنها مدن القناة، والتي كانت مركزًا رئيسيًا لمعسكرات الإنجليز، وبدأت أولى حلقات النضال ضد المستعمر وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر.

وفي 16 أكتوبر 1951 بدأت أول شرارة للتمرد ضد وجود المستعمر، بحرق «النافي» وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للإنجليز كان مقره بميدان عرابي وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء علية تمامًا لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة البريطانيين فكانت أحداث 25 يناير 1952.

وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحًا، وانطلقت مدافع الميدان من عيار ‏25‏ رطلاً ومدافع الدبابات الضخمة من عيار‏ 100‏ ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة، وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة، وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارًا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكي يعلن على رجال الشرطة المصرية المحاصرين في الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة‏.‏

وتملكت الدهشة القائد البريطاني المتعجرف حينما جائه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو «النقيب مصطفى رفعت»، فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات‏: «لن تتسلمونا إلا جثثًا هامدة»، وأستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة، فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المباني حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت في أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء‏ الطاهرة.

وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة المصرية صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفذت ذخيرتهم، وسقط منهم في المعركة ‏56‏ شهيدًا و 80‏ جريحًا، بينما سقط من الضباط البريطانيين ‏13‏ قتيلًا و‏12‏ جريحًا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم «اللواء أحمد رائف»، ولم يفرج عنهم إلا في فبراير‏ 1952.

ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة وبسالة المصريين، فقال للمقدم «شريف العبد» ضابط الإتصال:‏ «لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعًا ضباطًا وجنوداً»، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريمًا لهم وتقديرًا لشجاعتهم‏، وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية في معركتهم ضد الإحتلال الإنجليزي ماثلة في الأذهان، ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصري وتحتفي بها.

خرج المصريون لإستقبال أبطال الشرطة المصرية في ثورة حب، وأدت معركتهم إلى تغيير الوضع السياسي في مصر للأبد، ففي الصباح التالي غادرت حكومة الوفد الحكم لآخر مرة، واندلعت مظاهرات غاضبة قادت إلى حريق القاهرة، وأدرك الضباط الأحرار أنه آن الأوان لتحرك سريع يغير قواعد الحكم في مصر، وهكذا غيرت دماء أبطال الشرطة مسار التاريخ المصري بعد أن اختاروا المواجهة بدلًا من الانسحاب.

وعادت الشرطة المصرية مع أواخر السبعينيات لتواجه عدوًا جديدًا لا يقل شراسة هو الإرهاب المتستر بالدين، وقدم رجال الشرطة شهداء كثرًا، وأجريت محاولات لاغتيال قيادات الشرطة بمختلف مستوياتهم كللت بعضها بالنجاح، لكن أجهزة الشرطة نجحت في حماية البلد من غول الإرهاب، وظلت تقدم شهداء من رجالها على مر التاريخ حتى يتحقق من خلال دمائهم الذكية الأمن والأمان الذي ننعم به الآن بعد حربهم الشرسة ضد جماعات الظلام بالتعاون مع رجال القوات المسلحة البواسل، والقضاء على إرهاب وعنف الإخوان ومن والاهم في ربوع الوطن، مقدمين المزيد من الأرواح الطاهرة فداء لإستقرار الوطن والحفاظ عليه، وظلت الشرطة المصرية يدًا قوية للشعب وللدولة في مواجهة المجرمين، والخارجين على القانون، والإرهابيين، وهو ما يجعلنا نوجه لها التحية في عيدها، متمنين لها مزيدًا من التقدم والنجاح في خدمة هذا الوطن، ومواجهة أعدائه كتفًا بكتف مع كل مؤسسات الدولة المصرية.

تابع موقع تحيا مصر علي