عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: الأبناء والآباء والإحتواء

تحيا مصر

تزوجت منذ عشر سنوات، وأنجبت من الأولاد إثنان، لكن خلال هذه الفترة عانت الأمرين، وظلت صابرة مكبوتة حتى فاض بها، وذهبت لأبويها غاضبة من أجل الكف عن الأذى النفسي والبدني الذي يقع عليها من زوجها وأهله، لكنه بلا جدوى.

تحيا مصر

الأب دائمًا ما كان يجبر إبنته على المعيشة والتحمل والصبر والرجوع لمسكن الزوجية الجحيم بالنسبة لها، خوفًا من كلام الناس والقيل والقال، نظرًا لظروف حدثت لأختها الكبرى، حيث تزوجت وبعد فترة قصيرة إنفصلت عن زوجها، ليصبح الأب في حيرة، بل بين نارين، فالمسيطر الوحيد على تفكيره هي سمعة بناته حال طلاق الثانية، وباتت عادات وتقاليد المجتمع كالسيف على عنقه، وخضع لها وعمل إعتبار كبير لها على حساب إحتوائه لأبنائه.

خشى على بناته من لوم الناس عليهن، وإتهامهن بالباطل بأن العيب فيهن؛ وليس على الظروف القاسية التي جعلتهن يطلبن الطلاق، عمل حساب للمجتمع الذي يعيش فيه والذي لا يرحم على حساب إبنته البائسة اليائسة من سوء وقسوة ما تعاني منه، وقبح معاملة زوجها الذي لم يرحم آداميتها، ولم يحافظ على كرامتها وحقوقها وإنسانيتها.

ياسر حمدي يكتب: الأبناء والآباء والإحتواء

في كل مرة ذهبت الإبنة شاكية من شدة العنف والقهر الذي تتعرض له، وإهانتها، كان الأبوين لا يسمعان لها، وأقصى ما يقومان به هو إجبارها على الرجوع بالقوة ، حتى وصل الأمر لذروته وقام الزوج القاسي وأهله وبلا رحمة بالتعدي عليها وضربها ضربًا مبرحًا، وطردها بعد تقطيع ثيابها وتجريدها من ملابسها، فذهبت مسرعة كالعادة لأهلها لإحتوائها، فقام الأب وبدون الوقوف حتى على سبب التعدي عليها، أو ضمها إلى حضنه ليخفف عنها، أو السماع لشكواها، أو بجبر خاطرها ولو بكلمة، قام بإجبارها رغم أنفها على الرجوع للجحيم الذي تعيش فيه.

فأيقنت البائسة أنه لا ناصر لها بعد اليوم، لم تجد الإحتواء والحنان في زوجها، ولم تتلمسه من أبويها الملجأ الوحيد لها بعد الله، وللأسف خوفهم عليها من قسوة المجتمع على المطلقة، أفقدها إحساس الطمئنينة تجاههم، فضاق بها الحال وانساقت خلف أفكارها المشوهة التي جالت بخاطرها، وتركت لهم الدنيا كلها وذهبت إلى مكان غير معلوم بالنسبة لهم جميعاً، مصاحبة معها إبنتها فقط، تاركة إبنها بمنزل زوجها.

خرجت مسرعة وبدون تفكير، واستقلت «توكتوك» وهي لا حول لها ولا قوة، بلا نقود تقويها، ولا ظهر يحميها، وحيدة حزينة يائسة، متجهة إلى محطة القطار وهي لا تعلم إلى أين سترسي، تحرك القطار ظنناً منها أنها ستصل القاهرة، لكنه كان متجهًا تجاه الجنوب وإستقرار بها الحال بمحطة قنا بعد ساعات السفر الطويلة المليئة بالخوف والجوع والقلق وعدم الإدراك بما يحدث.

 

ظلت داخل المحطة لساعات أخرى أطول، وهي مخيم عليها التعب والحزن والإرهاق ودموعها لم تفارق عينيها، حتى وقعت في يد رجل عجوز ذو شهامة وضمير ونخوة وإنسانية، وآواها بمنزله مع بناته طوال فترة غيابها التي وصلت إلى 17 يومًا، وأهلها وزوجها يبكون دماً على ما فعلته، متناسين ومتغافلين عما فعلوه هم بها، وعاشوا أسوء أيام حياتهم، وعانوا الأمرين، وكونوا مجموعات للبحث عنها في كل مكان على مستوى الجمهورية، وهم يطاردهم الخزي والعار الذي شغل بالهم، حتى توصلوا لها من خلال نشر صورها وأبنتها في العديد من المواقع، ووسائل التواصل الإجتماعي.

الخزي والعار

وما كان من زوجها القاسي سوى أخذ إبنته الصغيرة التي كانت تشد على أزرها بها، وقال لإهلها لا يهمني سوى إبنتي وهي عندكم، وبقى الخزي وعار الفضيحة من وجهة نظر المجتمع الريفي الذي يعيشون فيه للأبوين، ولم تنفعهم العادات والتقاليد التي حرصوا عليها وخوفهم منها، فقط اصبحت هذه العادات الخاطئة هي من تلحق بهم الفضيحة الآن، وأيقن الأب أن خوفه الحقيقي على أبنائه وحمايتهم من المخاطر التي تحيط بهم يكمن في إحتوائه لهم، والتقرب منهم.

ما فعلته الإبنه خطأ كبير لا يعفيها من المسؤولية والعقاب عن ما سببته من حرج لها ولأهلها رغم قسوة كل من حولها، فلن يكون هذا مبررًا لفعلتها الخاطئة، فهناك طرق عدة وقنوات أخرى شرعية كان من الأفضل أن تسلكها غير التي جالت بخاطرها وأثرت عليها بالسلب رغم شدة ما عانت منه، فأخلاقها وأدبها لا يختلف عليه إثنان في محيطها، ووالديها وأهلها يتمتعان بسمعة طيبة جدًا، ورغم ذلك ما فعلته أضر بهم جميعاً، وباتت الإعتبارات التي خشى منها الأب هي من تطاردهم، على الرغم من محافظة الرجل والبيت الذي آواها فترة غيابها لها، إلا أن كلام الناس لم يرحمها.

التقرب من الابناء

ليبقى اللوم وكل اللوم بل والطامة الكبرى على الآباء، لعدم التقرب من أبنائهم وإحتوائهم لهم، فعدم الحنان وفهم الأبناء باتت قضية تهدد المجتمع، لما تحدثه من فجوات بين طرفي الأسرة، فهذه القصة المؤسفة تعلمنا أن الحفاظ على الأبناء والقرب منهم والتواصل معهم واستيعابهم ومعرفة ما يدور بداخلهم بقدر الإمكان، من أهم الطرق والوسائل لاحتوائهم، بما يوجد مناخًا أسريًا إيجابيًا ويشجع الأبناء على الحوار، ويوجد لغة عصرية في التعامل معهم، ويحميهم من كل الشرور المحيطة بهم.

لذلك لابد على الآباء من إحتواء أبنائهم والتعامل معهم بأسلوب راق من خلال تقدير كلامهم ومشاعرهم، مع إحترام شخصيتهم؛ وفتح باب المناقشه معهم لمعرفة آرائهم واقتراحاتهم التي يعرضونها؛ والإهتمام بالإصغاء إليهم، ومدحهم عندما يتطلب الأمر؛ وإشعارهم بأنهم مُهمين لدى والديهم، وأنهم مصدر الحب والدعم إليهم، وأقرب الناس لهم؛ وإعطائهم حرية القرار، وعدم فرض السيطرة عليهم في كل شيء، والثناء عليهم، وإحساسهم بالحب والعطف؛ وفهم رغباتهم ودوافعهم السلوكية وعدم إنتقادهم أمام الآخرين؛ والتركيز على الإيجابيات أكثر من السلبيات.

تابع موقع تحيا مصر علي