ياسر حمدي يكتب: مصر تكافح الفساد
ADVERTISEMENT
شهدت مصر صحوة كبيرة في مجال مواجهة الفساد ومكافحة جرائمه خاصةً في الفترة من منتصف عام 2016 وحتى الآن إثر تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة التصدي للفساد ومحاربته لما له من تأثيرات سلبية على الإستثمار وارتباطه الوثيق بتقويض الثقة في النظام ومؤسسات الدولة.
تاريخيًا، كانت الفجوة بين التشريع وتطبيق القانون هي التي تعيق أي مجهودات حكومية لمحاربة الفساد، لكن في الآونة الأخيرة تمثلت محاولات الإصلاح للقضاء عليه في إطلاق مصر الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الأولى عام 2014، وتمكنت من خلالها الوصول إلى معدلات كبيرة في محاربة الفساد؛ وذلك من خلال مجموعة من التشريعات التي تقوض عناصر الفساد داخل الجهاز الإدارى للدولة؛ فضلاً عن تفعيل دور الأجهزة الرقابية في ضبط قضايا الفساد.
وفي نهاية عام 2018 أطلق الرئيس المرحلة الثانية من الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2019-2022)؛ وتمثلت أهدافها في: إنشاء هيئة إدارية فعالة؛ وتوفير خدمات عامة عالية الجودة؛ وتفعيل آليات الشفافية والنزاهة في الوحدات الحكومية؛ وتطوير الهيكل التشريعي لدعم مكافحة الفساد؛ وتحديث الإجراءات القضائية من أجل تحقيق العدالة الفورية؛ وتقديم الدعم لوكالات إنفاذ القانون لمنع الفساد ومحاربته؛ وزيادة وعي المجتمعات المحلية بأهمية منع الفساد ومكافحته؛ وتنشيط التعاون الدولي والإقليمي في مجال منع الفساد ومكافحته؛ ومشاركة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في منع الفساد.
الأمر الذي جعلنا نرى في عهد السيسي فقط وزراء ومحافظين ونواب محافظين وأصحاب مناصب هامة وحساسة في الدولة تحت طائلة القانون بسبب قضايا رشوة وفساد إداري، فحدث العديد من المحاكمات للعديد من كبار المسؤولين خلال الأعوام الأخيرة، من أبرزهم وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال في سبتمبر 2015 في القضية المعروفة إعلامياً بإسم فساد وزارة الزراعة، كما اطيح بوزير التموين السابق خالد حنفي، على خلفية اتهامات بإهدار المال العام وفضيحة فساد القمح، وقُبض على أمين عام مجلس الدولة وائل شلبي، وانتحاره في ظروف غامضة في أواخر 2016 وأوائل 2017، حين وقعت أحداث القضية الأكثر شهرة وصدى في ديسمبر 2016، حيث ضبط بتهم تقاضي رشاوي بقيمة 24 مليون جنيها وأربعة ملايين دولار و 2 مليون يورو ومليون ريال سعودي بالإضافة إلى كمية كبيرة من المشغولات الذهبية.
ومن أشهر قضايا الفساد هي قضية إهدار مال عام بقطاع الإسكان بالمنوفية بواقع 11 مليون جنيه لتغيير التقديرات القياسية لمشروعات سكنية، وأيضاً حينما تم ضبط أكبر تشكيل عصابي دولي للإتجار بأعضاء البشر في السادس من شهر ديسمبر 2016، وتضم 12 طبيبًا وأستاذًا جامعيًا ومراكز طبية شهيرة، كما تم ضبط مسؤولين كبار بوزارة المالية وهيئة الأوقاف بتلقي الرشوة، وتم القبض على مسؤولين بالملكية العقارية بهيئة الأوقاف لتقاضيهما مبلغ 2.5 مليون جنيه على سبيل الرشوة للإفراج عن قطعة أرض أوقاف، وفي الشهر نفسه تم ضبط مستشار وزير المالية للضرائب العقارية ومعه شخص آخر لتقاضيهما مليون جنيه من أصل أربعة ملايين كرشوة للتلاعب في تقدير قيمة أرض إحدى القرى السياحية.
وفضيحة القبض على السيدة نائب محافظ الأسكندرية داخل ديوان عام المحافظة عقب ثبوت تورطها في عدة وقائع فساد تشمل الرشوة والإضرار بالمال العام والتربح غير المشروع، وغيرها من قضايا الفساد المتفشي في كل قطاعات الدولة، الأمر الذي جعل الرئيس السيسي يعطي لكل الأجهزة الرقابية وعلى رأسهم هيئة الرقابة الإدارية الضوء الأخضر وكل الصلاحيات الممكنة للقضاء على الفساد، وسخر لهم كل الإمكانيات المتاحة وأمرهم بمكافحة ومواجهة الفساد بكل حسم منذ اللحظة الأولى لتولية المسؤولية.
بات الفساد في مصر كالسرطان الذي أصاب الجسم، يبدأ حميداً وينتهي خبيثًا، يزداد كل لحظة حتى يتفشى في الجسم كله ليحطمه، فلو تم إكتشافه مبكرًا كان من السهل القضاء عليه، وأصبح الفساد في مصر خبيثًا محطمًا لكل مساعي الدولة للنهوض لتأكله لإنجازاتها، لذا تقوم هيئة الرقابة الإدارية بتنفيذ توجيهات السيسي بعمليات إستباقية لنحر الفساد قبل أن يتفاقم أكثر ويتوغل، الأمر الذي جعل تجربتها في القضاء على الفساد يشيد بها المجتمع الدولي، كما انخفض ترتيب مصر في التصنيف الدولي إلى 105 من أصل 180 دولة، وتراجعت من النقطة 36 إلى 32 في مؤشر الشفافية من أصل 100.
ورغم كافة الجهود التي تبذلها الدولة لمحاربة الفساد، إلا أنه ما زال متفشيًا في كل القطاعات والهيئات الحكومية، فعقوبة الفساد في مصر لا تتخطى السجن أو السجن مع الغرامة أو حتى الفصل، وهذا غير كافي من المشرع للقضاء على الفساد المدمر لكل غالي ونفيس في البلاد، لذلك فإن القضاء عليه يستوجب ثلاث عوامل هامة هي: الإصلاح التشريعي بوضع حزمة التشريعات المراد تغييرها لتعمل عليها لجنة من الشخصيات القانونية والمسؤولين المشهود لهم بالنزاهة وتحال هذه القوانين كاملة إلى مجلس النواب لإصدراها.. ثم الإصلاح المؤسسي؛ ويأتي ذلك بتعزيز إستقلالية الأجهزة الرقابية الموجودة؛ على الأقل الجهاز المركزي للمحاسبات؛ والرقابة؛ والنيابة الإدارية، وتعديل القوانين الموجودة لهم لكي يكون لهم قدرة أكبر على الحركة والتحرر من الضغوط السياسية، وتنفيذ توجيهات الرئيس السيسي بإعطاء الضوء الأخضر لهم كما فعل لكن بشكل قانوني مقنن.. ثم تسريع وتيرة تقديم الخدمات للجمهور من خلال الحكومة الإلكترونية التي ينادي بتنفيذها دائمًا الرئيس، ومراقبة كافة الجهات من خلال الدولة ومكينتها لكل المصالح الحكومية، بذلك سنقضي على هذا السرطان الذي يلتهم انجازات الدولة الغير مسبوقة في كل المجالات.