ألفة السلامي تكتب: السرطان و«كسرة» قلوبنا!
ADVERTISEMENT
لم يكفنا ما نتجرعه من مرارة الفقد بسبب جائحة كورونا، فها هو السرطان هو الآخر يواصل ضرباته وما تسببه من "كسرة قلوبنا" بفقدان أشخاص أعزاء علينا هزمهم المرض اللعين؛ آخرهم شابتان حاربتا السرطان بشجاعة وصبر، لكن سقطت ورقتهما في نفس اليوم و بكيناهما بدموع حارقة: الإعلامية أسماء مصطفى والناشطة سلمى الزرقا. وكانتا في أشد الأوقات ألما تبثان رسائل الأمل بعزيمة وإيمان من خلال صفحتهما على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).
ولا تتوقف الحيرة إزاء السرطان كما لا تتوقف الأسئلة حول الأسباب التي تجعل العلماء يعجزون عن التوصل لعلاج شاف حتى الآن، فيظل يحرمنا من أحبابنا ويدمي قلوبنا عليهم، رغم أن اكتشاف السرطان تم لأول مرة عام 1775، من طرف الجراح البريطاني برسيفال بوت عندما وجده شائعا بين منظفي المداخن، وإن كانت أول حالة إصابة مؤكدة تعود إلى الحضارة المصرية القديمة قبل آلاف السنين. وكان هناك أمل كبير أن تفضي الاكتشافات إلى التعرف على معلومات جديدة كفيلة بفك شفرة هذا المرض الأكثر انتشاراً وفتكاً بالمرضى.
ويسرح خيالي وهو يسترجع كيف وقف العالم وقفة قوية واستنبط تطعيما لفيروس كورونا بعد مضي عدة شهور فقط من ظهور الجائحة بينما مازال ينظر إلى السرطان وهو يحصد الأرواح بالملايين سنويا دون علاج ناجع!
ورغم جو الحزن الذي يخيم على كل من عرف أسماء مصطفى والتعاطف مع زوجها الدكتور أيمن أبو العلا عضو مجلس النواب والمساندة لطفليهما الصغيرين ووالدتها، وكذلك الشأن بالنسبة للراحلة سلمى الزرقا وزوجها إسلام وأحبابها في مدينتها الإسكندرية وفي كل الربوع، إلا أنه لابد من فسحة الأمل حتى لا تصرعنا الهزيمة ويقضي علينا اليأس.
وتأتي بشرة الأمل هذه المرة من الولايات المتحدة وبريطانيا حيث يحقق الباحثون ثورة علمية في فحص وتشخيص السرطان مبكرا من خلال اختبار دم جديد يسمى جاليري Galleri لديه القدرة على اكتشاف 50 نوعًا من السرطان من خلال سحب عينة دم واحدة.
ولدى العلماء المتخصصين في أبحاث الدم ثقة كبيرة حاليّا بأن لدى "جاليري" فرصة لإحداث ثورة في فحوصات الكشف عن السرطان، مما قد يؤدي إلى خفض الوفيات التي يتسبب فيها السرطان وكذلك خفض الخسائر الاقتصادية المترتبة على تعطيل الإنتاج والأمل في الحياة ووقف إنفاق المليارات على الأدوية وأنظمة العلاج.
وبعد تجارب حققت طفرة إيجابية لأكثر من عام، تم الإعلان منذ أيام عن البدء الفعلي في استخدام تحليل جاليري من طرف بعض أنظمة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مما يعني أن التحليل سيكون مكفولا بالتأمين الصحي.
وقصة تحليل جاليري بدأت بالصدفة قبل سبع سنوات عندما كان العلماء في شركة Illumina المختصة في الحمض النووي في سان دييغو يجرون دراسة للبحث عن تشوهات في الكروموزومات في دم سيدات حوامل، واكتشف باحث متخصص في علم الأمراض أمرا غير متوقع في 10 من عينات الدم واتجهت الشكوك إلى السرطان. ومع مزيد من التحقيق اكتشف الباحثون أن واحدة من المشاركات العشرة قد تلقت بالفعل تشخيصًا بالسرطان، وأن الأخريات في هذه العينة تم أيضًا بعد ذلك تشخيصهن بالسرطان، على الرغم من عدم ظهور أعراض لديهن.
ودفع هذا الاكتشاف قيادات الشركة إلى إنشاء شركة فرعية عام 2016 تسمى GRAIL والتي جمعت بين التقدم في علم الجينوم البشري وعلم بيانات التعلم الآلي. وأدى ذلك إلى تطوير اختبار دم جديد يسمى جاليري، والذي يمكنه اكتشاف المراحل المبكرة جدا لـ 50 نوعا من السرطان قبل ظهور أعراضها على المرضى. وخلال الدراسات السريرية التي أُجريت هذا العام على أكثر من 134 ألف شخص لفحص الدم، تم تحديد مكان وجود السرطان في الجسم بدقة عالية مما يساعد مقدمي الرعاية الصحية على تحديد الخطوات التالية للتشخيص والعلاج.
ويبقى الأمل والتفاؤل بقرب التوصل لعلاج السرطانات المتفشية هما البلسم للقلوب المجروحة؛ وكما يقول الشاعر: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"!