عاجل
الجمعة 15 نوفمبر 2024 الموافق 13 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: كفى اعتداء على الممتلكات العامة!

تحيا مصر

أحزنني حديث صديقتي بينما كنت أتّصل لتهنئتها بسلامة العودة إلى الوطن بعد غياب سنوات في الخارج عندما قالت إن سلوك بعض المصريين صادم رغم الإنجازات المبهرة في كل مكان. وحكت قصتها لما اصطحبت أحفادها وهي تشحذ نفوسهم في حماسة المشتاق بعد غياب للاستمتاع برؤية معالم مصر. وعادت بهم من الجولة وهي ترثي واقع الحال وما هالها من تصرفات بعض الناس الغريبة وسلوكهم العدواني الذي لا يرقى للأسف لمستوى الإنجازات الرائعة التي حققتها الحكومة خلال السنوات الماضية. 

ووصفت صديقتي كيف استقلت المترو الجديد وهي تتراقص فخرا وزهوا بمواصلات عصرية في وطنها أصبحت تضاهي خدمات النقل في عواصم الدول المتقدمة. وفجأة لفتت حفيدتها أنظارهم لكتابة "خربشة" وعلامات ومعها قلب، وكانت الطفلة تتطلع لمعناها مدفوعة بالفضول. وانطلقت صديقتي في وصلة من الغضب وتساءلت كيف تستمر هذه العادات السيئة بالكتابة في تشويه المترو الجديد دون رقابة.. حاولت أن أخفف من حدة غضبها وقلت إن مراهقا بعث برسالة لحبيبته وكتب اسمهما ورسم قلبا يجمعهما. فردت بحسم وحدة أكبر، واندفعت تقول: "وأنا مالي.. ولا يخصني أعرف أحمد بيحب سهى!" وسكتت برهة، ثم عادت لتوضح أنه لابد أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وأن هذا اعتداء على وسائل المواصلات يعكس مدى الاستباحة من جانب البعض للممتلكات العامة التي هي ملك للمواطنين جميعا، أي المجتمع ككل، وليست ملكا للحكومة وتم الإنفاق عليها من المال العام الذي يُقتطع من حصيلة الضرائب. 

وتساءلت صديقتي أين الرقابة وأين ركاب المترو وكيف تركوه يعبث هكذا بمكان في منتهى الجمال والنظافة وأين شرطة المرافق وأمن المترو وكاميرات المراقبة؟ ولماذا لا يدفع من يعبث بالممتلكات العامة غرامة كبيرة حتى يحرم تكرار فعلته ويكون عبرة للآخرين.. وعددت صديقتي الكثير من مظاهر التسيب والسلوكيات العدوانية التي رصدتها خلال جولتها السياحية وأفسدت عليها متعتها مع أحفادها، مثل كثرة المتسولين في محيط معالم القاهرة والجيزة التاريخية وبياعي المناديل في إشارات المرور، وأيادي الأطفال الممدودة تدفعهم أمهات محترفات نصب و"مسكنة" واحتلال الباعة الجائلين لمعظم أرصفة شوارع وسط المدينة ومدينة نصر وأمام الأضرحة وعند محطات المترو، ناهيك عن كثرة السباب والألفاظ البذيئة والنابية التي يتبادلها البعض على قارعة الطرق وتصم الآذان دون حياء أو أدنى احترام للمارة. فكيف يمكن لزائر تلك المناطق أن يستمتع بالصورة المشرقة الأنيقة والعذبة التي أصبحت عليها المعالم الأثرية في مصر بعد ترميمها وصيانتها بينما تقتحم الشتائم الآذان خاصة بـ "الأم" ، وهي لغة للحوار اليومي المتدني التي تسمّم النفوس!

والحقيقة أن غضب صديقتي مبعثه الغيرة على مصر التي تتوق أن تراها بهية كأجمل دول العالم وتستعيد مجدها مثلما صنعوه أجدادها قدماء المصريين وأكثر، خاصة أنها حققت طفرة رائعة في المنشآت والخدمات والطرق و وسائل المواصلات وشمل الإصلاح البنية الأساسية والمعالم الأثرية والمناطق التاريخية.

ومن هنا فدعوتها صادقة بأن يستقيظ الناس من استهتارهم بالممتلكات العامة وأن يتم تفعيل القانون بصرامة وحسم حتى تتم المحافظة على هذه الإنجازات ولكن والأهم هو تربية الأجيال منذ الصغر على حب الوطن وأن المحافظة على الممتلكات العامة وتهذيب اللسان بالكلام الطيب وإعلاء قيمة العمل بدلا من التسول والنصب والتجارة بالأطفال لاستدرار العطف هي كلها من أساسيات المواطنة الصالحة التي لابد أن تغرس في النشء مبكرا في سنواته الأولى داخل الأسرة وفي المدرسة من خلال مواد تعليمية وأنشطة متعددة حتى يعرف قيمة موارد وطنه و يستطيع الحفاظ على ممتلكاته والدفاع عنها ويمتنع عن كسر مناضد الفصول أو كسر زجاج نوافذ مدرسته أو تشويه جدرانها -كما حدث في محور روض الفرج بعد افتتاحه- أو إلقاء القاذورات في الشوارع أو تخريب الحدائق والمواصلات العامة. 

وهكذا فإن إعادة النظر في طرق التنشئة داخل الأسرة وإثراء المناهج والأنشطة بمحتوى تربوي يرسخ مفهوم الملكيّة العامة باعتبارها ملكيّة للفرد وللمجتمع ومفهوم المواطن الصالح الذي يفخر بوطنه ويفخر به وطنه تعد أهم مفاتيح الإصلاح الضروري الآن لسلوكيات المواطن حتى يمكن الاطمئنان على النهضة التي تم تشييدها والفخر بالمواطن الذي يحافظ عليها مثل الفخر بمن استثمر فيها وشيدها.

olfa@aucegypt.edu

تابع موقع تحيا مصر علي