عاجل
الإثنين 23 ديسمبر 2024 الموافق 22 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: بعد 65 سنة من تطبيقه.. ماذا يعني إلغاء حالة الطوارئ؟

تحيا مصر

من 65 سنة وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خضعت مصر لأحكام قانون الطوارئ، ليفاجئ الرئيس عبد الفتاح السيسي الشعب المصري وفي سابقة هي الأولى من نوعها، وقرر مساء أمس بإلغاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، ورغم تأخر القرار العظيم إلا أنه قوبل بالترحاب الشديد والسعادة البالغة نظرًا لأهميته القصوى بالنسبة لكل المصريين كخير رد ودليل على المنظمات الغربية المشبوهة التي تتهم مصر بعدم إحترام حقوق الإنسان، وهنا يأتي السؤال المهم والذي يطرح نفسه بقوة وهو: ماذا يعني إلغاء حالة الطوارئ في مصر؟.

سؤال يتبادر إلى الأذهان بعد القرار الهام لكن قبل الإجابة عليه وجب التفسير والإجابة على سؤال أهم وهو: ما هو قانون الطوارئ؟، كي ينم إلى علم السادة القراء الأجلاء حجم وقوة القرار الشجاع الذي إتخذه الرئيس.. فقانون الطوارئ ينظم الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، والتي تشمل أوقات الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث أضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو إنتشار وباء، ما يعني تعرض الأمن العام في أراضي مصر أو مناطق منها إلى الخطر.

يعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الإجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين السلطات الأمنية من فرض الأمن.

كذلك يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

وفي حقيقة الأمر فإن حالة الطوارئ ليست جديدة على مصر، فمنذ عام 1914 أيام الإحتلال البريطاني، واشتراك بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، شهدت مصر فرض قوانين استثنائية توسّع صلاحيات السلطات الحاكمة وقتها للتصرف بما تراه مناسبًا لفرض الأمن والنظام في البلاد.

وبعد زوال المحتل البريطاني وخروج القوات العسكرية من مصر، فرضت «حالة الطوارئ» للمرة الأولى مع بدء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، والذي شنته القوات البريطانية والإسرائيلية والفرنسية، عقابًا لمصر بعد تأميم قناة السويس التي كانت تديرها بريطانيا، لكن قبل العدوان الثلاثي كانت هناك قوانين استثنائية مازالت قائمة منذ العقد الثاني من القرن الماضي، تحت ما يُعرف بـ«الأحكام العرفية»، فمع اندلاع الحرب العالمية فرض الإحتلال البريطاني تلك الأحكام في مصر للمرة الأولى، وعيّن حاكماً عسكرياً للبلاد، وتضمن دستور البلاد 1923 النص الأول الذي ينظم تلك الأحكام العرفية، حيث نصت المادة (45) من الدستور على أن يكون الملك هو من يعلن الأحكام العرفية، مع ضرورة عرضها فوراً على مجلس الأمة، ليقرر إستمرارها أو إلغاءها.

وبين عامي 1939 و1943 أُعيد فرض الأحكام العرفية مجددًا في البلاد، وبقيت سنوات مفروضة نظراً إلى الظروف حينها، ففي الحالة الأولى جرى فرضها على إثر الحرب العالمية الثانية، وبقيت طوال فترة الحرب، والثانية كانت بعد دخول الجيش المصري في حرب فلسطين، وبقيت نحو سبع سنوات، الأمر ذاته تكرر في يناير 1952، عقب أحداث حريق القاهرة، قبل أشهر قليلة من ثورة يوليو 1952، بقيادة الضباط الأحرار ومباركة شعبية كبرى، واستمرت طوال السنوات الأولى من عمر الثورة.

عقب ذلك تحولت المسميات من الأحكام العرفية إلى حال الطوارئ، فمع شن العدوان الثلاثي ضد مصر، بدأت رحلة «قانون الطوارئ» التي استمرت لسنوات وعقود طويلة لاحقة حتى عام 2021 الجاري، وهو الأمر الذي كان مثار استنكار من جهات حقوقية محلية.

وفي الواقع فإن القرار الذي يحمل رقم (174) لسنة 2021، ويخول للقوات المسلحة والشرطة إتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين، تم تمديده وتجديده 18 مرة على مدى السنوات الخمس الأخيرة، ليأتي الرئيس عبدالفتاح السيسي ليلغي حالة الطوارئ في عموم مصر، وهو قرار طالما أنتظره المصريون، ليسعدهم به.

ومن هنا نصل للإجابة على السؤال الهام الذي طرح نفسه بقوة على ساحة الحوار والنقاش.. ماذا يعني إلغاء حالة الطوارئ في مصر؟.. والحقيقة المؤكدة من إلغائه تتمثل في حماية حقوق الإنسان المصري، فقد أصبح الآن وبعد إلغاء الطوارئ في جميع أرجاء المحروسة لا يوجد مصري واحد يحاكم أمام محاكم أمن الدولة العليا بستثناء القضايا السابقة لقرار الإلغاء، ولم تتهم مصر على أفواه الغوغائيين والغرب بأنها قلّصت الحريات المدنية ثانيةً، ولا قدمت المدنيين للمحاكمة أمام محاكم عسكرية، وهذا أمر غاية في الأهمية.

وتبعًا لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بإلغاء حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية، سيتوجب من اليوم على النيابة العامة عدم إحالة أي قضايا جديدة إلى محاكم أمن الدولة طوارئ (للجنح) ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ (للجنايات)، حيث ستبقى هذه المحاكم لنظر القضايا المعروضة أمامها فقط.

وبالتالي سيقف سريان قرار رئيس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 بإحالة بعض أنواع الجرائم إلى تلك المحاكم، وستعود هذه الجرائم لتجال إلى محاكم الجنح والجنايات العادية حسب الأحوال، وهي: جرائم القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر؛ والجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول، الثاني، والثاني (مكررًا) من الكتاب الثاني من قانون العقوبات (أمن الدولة)؛ والجرائم المنصوص عليها في المواد من (163) إلى (170) بشأن تعطيل المواصلات، وفي المواد (172 ، 174 ، 175 ، 176 ، 177 ، 179) من قانون العقوبات.

وجرائم الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة «البلطجة» المنصوص عليها في الباب السادس عشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941 بشأن قمع التدليس والغش، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح والقرارات المنفذة له، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر.

وكذلك الجرائم المنصوص عليها بالكتاب الثالث (عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها) من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 113 لسنة 2008 بشأن الحفاظ على حرمة أماكن العبادة، والجرائم المتعلقة بإنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وكذلك الجرائم المتعلقة بإقامة أعمال دون مراعاة الأصول الفنية المقررة قانونًا في تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو الإشراف على التنفيذ أو متابعته أو عدم مطابقة التنفيذ للرسومات والبيانات أو المستندات التي منح الترخيص على أسـاسها أو الغش في إستخدام مـواد البناء أو إستخدام مواد غير مطابقة للمواصفات المقررة المنصوص عليها في المادتين (102 و 104) من قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008.

كما أن جرائم القتل الخطأ أو الإصابة الخطأ أو التزوير في محررات السكك الحديدية أو الإضرار بأموال هيئة سكك حديد مصر والتي ترتكب من العاملين في السكك الحديدية أثناء وبسبب تأدية واجبات وظيفتهم وما يرتبط بكل ذلك من جرائم، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 34 لسنة 2011 في شأن تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، والجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات السلمية، والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم 94 لسنة 2015، فجميع ما سبق من جرائم كانت تحال لمحاكم أمن الدولة وبعد قرار الرئيس التاريخي سيحاكم مرتكبيها من المدنيين أمام المحكمة المدنية.

والحقيقة لم تقتصر فوائد القرار على هذا الحد فقط ولكن تمتد فوائده الضخمة لتشمل الإقتصاد، فالقرار يعمل على زيادة الإستثمارات الأجنبية داخل البلاد، لأن القرار يعكس بشكل كبير حالة الإستقرار والتنمية التي تشهدها البلاد، بالإضافة إلى زيادة أعداد السياح الوافدين لمصر وبأعداد غير مسبوقة نظرًا للمعنى الحقيقي للقرار وهو أن مصر أصبحت واحة للأمن والأمان، وأن الدولة قد تمكنت من السيطرة على كل مفاصلها، ولم يعد يرهبها، أو يزعزع من قوتها أي شئ.

ويبرهن على أن الدولة جادة وعازمة علي بذل كافة الجهود لتعزيز حقوق الإنسان، وهذا الأمر كان مسار إستنكار العديد من الدول الأوروبية والغربية في فترات سابقة، وينهي للأبد نبرة المنظمات الحقوقية المسيسة التي كانت تصدر تقاريرها لتأجج مشاعر الدول الكبرى تجاه مصر وتعرقل مسيرة التنمية من خلال حجب إستثمارتهم بها، وتعمل على زعزعة العلاقات السياسية والاقتصادية بهذه الدول.

إن إلغاء حالة الطوارئ هو بالتأكيد مؤشر إيجابي للتحولات الرائعة التي تشهدها مصر، وقرار الرئيس هو ​ثمرة ناضجة من ثمار حالة الإستقرار والتنمية التي تشهدها البلاد على مدار السنوات الماضية، ومن وجهة نظري وبكل صراحة خطوة هامة في تاريخ مصر، وسيغير من مفاهيم مغلوطة عن الدولة وخاصةً أمام دول الإتحاد الأوربي وأمريكا، ويؤكد أن الدولة عازمة وبكل قوة في تنفيذ إستراتيجية حقوق الإنسان، ويزيد من الحريات التي شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الماضية.

تابع موقع تحيا مصر علي