ألفة السلامي تكتب: " إدّي الفول لكياله"!
ADVERTISEMENT
عود على بدء إلى معركة فساتين الجونة؛ تلك المعركة السنوية التي تستقطب غالبية التغطيات الصحفية و التعليقات، وفي كل دورة يتم تقييم المهرجان على أساسها ما بين جبهة تنحاز للفساتين وأهميتها في صناعة السينما والانطباع العالمي عن المهرجان وأخرى ضد الفساتين وما تعكسه من محتوى قيمي وأخلاقي مرفوض بالنسبة لهذه الجبهة. وضاع بين الجبهتين محتوى المهرجان السينمائي وأهدافه التي أنشىء من أجلها. وبدوري أجد نفسي مضطرة للتعليق على "تريند فساتين الجونة" لتوضيح عناصر مهمة في عالم صناعة السينما و شرح و تصحيح بعض المفاهيم المختلطة التي ينطبق عليها المثل الشعبي "كل فولة ولها كيّال".
صناعة الموضة تلعب دورا في صناعة السينما المصرية وهي مازالت تتلمس طريقها وتسعى لجلب أنظار فناني مصر بل ونجوم الوطن العربي كله بعد أن كانت أنظارهم متجهة في الماضي نحو لبنان، التي غرقت في أزمتها السياسية وجرّت معها كافة القطاعات إلى الركود بما في ذلك صناعة الدراما. وكذلك الشأن بالنسبة لتركيا التي تراجع الطلب عليها. وهما سوقان رئيسيتان لملابس الممثلين والمطربين العرب في حفلاتهم إضافة إلى الملابس "السواريه" التي كانت تدخل إلى أسواق دول الخليج تحديدا، سواء لمواطنيها أوالمقيمين بها لاستخدامها في مناسباتهم. ويسعى الآن مصممو الأزياء في مصر لتسويق أنفسهم وتصميماتهم من خلال الإبهار، وربما المبالغة فيه، ليثبتوا أقدامهم في تلك الأسواق.
نعم.. الإبهار لا يكون بتقصير الفستان أو مد طول فتحاته أو جعله فستانًا مكشوفًا وإنما الإبهار في تفاصيل الفستان وما يتضمنه من خامة و تفصيلات وحشو وقصّات، إضافة إلى الشكل الجمالي للفستان نفسه. ونعم أيضا.. الجدل المقصود حول الفساتين لا ينبغي أن يكون متجها نحو كشف الجسد ولكن حول التصميم المختلف والابتكار الجديد المتميز في "القصة" واللون الجريء.. وقد شاهدنا ذلك الإبهار مرارا في الفساتين المستوحاة من الحضارة الفرعونية أو البدوية أو السيناوية خلال احتفالات وطنية ومهرجانات محلية. غير أن المصممين حاليا يسعون كما هو واضح إلى مخاطبة ذوق آخر بذائقة عربية وعالمية تختلف عن الذائقة الشعبية؛ ومن هنا شاهدنا التنافس على كسب سوق واعدة حجمها كبير ويمكن أن تدر على صناعها والعاملين فيها الملايين من الدولارات إذا تم تسويقها جيدا. كما يمكن أن تجذب إليها المزيد من "الصنايعية" المهرة للعمل والكسب مع توسع أسواقها وزبائنهم.
وهذا لن يتوقف عند صناعة أزياء المهرجانات والمناسبات الاحتفالية ولكن يسعى أيضا للوصول لصناع السينما والدراما العالمية. وقد شاهدت ذلك يتحقق في المغرب، على سبيل المثال، حيث يتم تصوير أفلام عالمية يشارك فيها صناع الملابس المغاربة، مثلُهم مثلُ مهندسي الديكور والتصوير والاكسسوارات وغيرها من المهن التي تدخل في صميم صناعة السينما. وتلعب المكسيك في الجزء الآخر من العالم هذا الدور في صناعة السينما والمسلسلات الأمريكية. ولا الناس هناك ارتدوا أزياء الفنانين، ولا الفنانون لبسوا ما يشبه الناس!
وهناك أمر آخر ربما يجهله المتابعون للمهرجان وهو أن الفساتين غالبا ما تكون مهداة من المصمم للفنان لحضور المهرجان فقط وإعادتها، وهذا نوع من الدعاية والترويج للمصمم أو بيت الأزياء حيث يتم بيعها بعد ذلك إما لفنانين في دول أخرى أو لهواة الموضة. ومن هنا لابد أن نعي جيدا عند تقييم هذه العناصر أن المهرجان في جزء منه هو سوق واعدة لدور الموضة وصناعة الملابس والحلي وشركات التجميل والماكياج والعطور والأحذية والشنط وغيرها من المنتجات التي تقدر قيمة أسواقها بالمليارات سنويا في العالم. ولا بأس أن يحلم مصممون مصريون متميزون في هذه المجالات بالحصول على قسط ولو بسيط من هذه السوق التي سنحت لهم الفرصة للدخول إليها من باب مهرجان الجونة السينمائي.
وعندما يتعلق الأمر بالموضة الموجهة للفنانين فيجب ألا نتوقع أنها ستنال إعجاب الجميع، لأن فسلفة جمال المظهر ومقاييس الشياكة والأناقة لديهم تختلف عنها لدى الناس العاديين و تعتمد على قاعدة الإبهار عند اختيار التصميم وهي تختلف عن مقاييس تصميمات الأزياء في المصانع وشركات الملابس الموجهة للمستهلكين العاديين، ومصممو أزياء النجوم يصنعون الفستان الواحد أو القطعة الواحدة المتفردة بينما مصممو أزياء المصانع والشركات يستهدفون الكم والمقاسات المختلفة. والفرق بين النوعين كبير جدا، وليس المطلوب أن يفهم جميع الناس هذا الفن أو يٌعجبون به؛ فصناعة الموضة لها متخصصون وخبراء وجماليات ومهارات فنية وابتكارات تميزها عن المهن الأخرى. وللأسف تحول جميع الناس لدينا إلى مصممين وناقدين للموضة.
ولست بدوري من الضالعين في الموضة وفنونها، لكني حاولت شرح المبادىء العامة التي يعتمد عليها تصميم الأزياء لفئة معينة مثل الفنانين، ومدى تناسق تصميم الفستان مع التسريحة والاكسسوار والحذاء والشنطة وهل تليق هذه العناصر مع الفنانة وطولها ولون بشرتها وهل تتماشى كل هذه العناصر مع صيحات الموضة العالمية، وكيف أنها سوق مهمة لها محترفون في الصنعة وزبائن "مخصوص" لا نجلس مكانهم ولا يجب أن نفعل.. وصدق المثل الشعبي "إدّي الفول لكياله"![email protected]