ياسر حمدي يكتب: استراتيجية حقوق الإنسان.. وهيومان رايتس ووتش
ADVERTISEMENT
كانت لحظة مضيئة في تاريخ مصر المعاصر كما وصفها الرئيس السيسي عندما أطلق «الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، في 11 سبتمبر الحالي، فهي أول إستراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد لحقوق الإنسان في مصر، لتطوير سياسات وتوجهات الدولة في التعامل مع الملفات ذات الصلة لتعزيز إحترام جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مع تعظيم الحريات.
واعتبرتها منظمات حقوقية مصرية وعربية وعالمية بمثابة يوم تاريخي للمجتمع الحقوقي المصري.. كما جاءت بمثابة رد مصري عملي على كافة الأكاذيب المتناثرة داخلياً وخارجيًا، والتي تزعم أن الدولة تغفل دور المجتمع المدني فضلاً عن الإدعاءات حول إنتهاكات حقوق الإنسان.
إن إصدار الإستراتيجية ورغم تأخرها بعض الوقت أكد على إحترام مصر لحقوق الإنسان، وسعيها الدائم لتطوير هذا الملف الهام، والذي تستخدمه العديد من الدول الكبرى للضغط على الحكومات والدول الأخرى، بل وتسيس منظمات كبرى وجهات حكومية غربية تقاريرها حول ملف حقوق الإنسان من أجل التحقيق لأهدافها الخبيثة ولمصالحها التي قد تصل لحد التدخل في شؤون الدول الداخلية، وهذا ما ترفضه مصر على مر العصور.
والحقيقة أن دول الغرب كانت لهم نظرة مغايرة للواقع المصري عن هذا الملف، بل وكانوا يروا على غير الحقيقة أن الحكومة المصرية تنتهك حقوق الإنسان، وكانوا ومنذ عهود سابقة يطالبوا بإنفراجة كبيرة في هذا الملف، ولعل الرئيس السيسي حينما تولى المسؤولية وقرر القضاء على الإرهاب في مصر كان يتعرض للعديد من الأسئلة التي كانت تؤكد أن الدولة تنتهك حقوق الإنسان وتخالف ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن وبالأخص عند زياراته لدول الإتحاد الأوربي ودول الغرب من قبل الصحفيين هناك، وكان رده أن من حقوق الإنسان هو الأمن والإستقرار، وطالب في العديد من لقاءاته بعدم إستخدام هذا الملف كنوع من أنواع الضغط أو عدم الإعتراف بالإرهاب الشديد الذي تتعرض له الدولة.
وبعد صدور الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر يبقى السؤال المهم هل ستتغير نظرة الغرب ومنظمات حقوق الإنسان العالمية لمصر بعد إعلان هذه الإستراتيجية؟ وتعترف بالحقيقة الواضحة والتقدم الهائل في ملف حقوق الإنسان؟
نظرة الغرب التشاؤمية والمغايرة للواقع في مصر كانت تعتمد على تقارير مضللة ومغلوطة لبعض المنظمات الحقوقية العالمية، ومنها منظمة هيومان رايتس ووتش والتي كان أداءها المسيس يصب في مصلحة التنظيمات الإرهابية، حيث دافع كل تقاريرها بشكل واضح لا لبس فيه عن جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في عدد من دول العالم ورفضت توجه الإدارة الأمريكية رغم أنه مؤسس على إدانة ضلوع الجماعة في الأعمال الإرهابية العديدة التي وقعت في مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط وهددت حياة المدنيين وعرضت الحق في الحياة للخطر.
ورغم معاداة جماعة الإخوان الإرهابية فكرة حقوق الإنسان إلا أن هيومان رايتس ووتش وفرت للجماعة وتابعيها الغطاء الحقوقي الذى يسمح لها بالحركة والدفاع عن نفسها ولم يتوقف دفاعها المستمر عن الإخوان عند حدود الإدارة الأمريكية السابقة بل امتد إلى مساعدتها على التظاهر في الدول التي رفضت إعطاء الجماعة تصاريح التظاهر في دول أوروبية وإقامة ندوات وجلسات نقاشية للدفاع عن الجماعة والهجوم على مصر وعدد من الدول التي صنفتها جماعة إرهابية وقررت محاكمة أعضائها المتورطين في أعمال إرهابية وهو الموقف الذى أثار شكوكاً عديدة حول طبيعة العلاقة بين الجماعة والمنظمة الحقوقية الأمريكية مع تركيزها الحاد على الأوضاع في مصر وانفتاحها على نشر معلومات مغلوطة وبيانات خاطئة مصدرها الوحيد كان جماعة الإخوان الإرهابية.
اندفعت هيومان رايتس ووتش بعيدًا في الدفاع عن الجماعة الإرهابية لدرجة العصف الكامل بما جاء في إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب والتي وضعت عام 2006 ودعت فيها دول العالم والمنظمات الدولية للتعاون من أجل إتخاذ تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته حيث تقوم على مبدأ أساسي أن الإرهاب في الأساس هو إنكار لحقوق الإنسان وتدمير لحياة الشعوب.
وطالبت الإستراتيجية المنظمات الدولية بالعمل ضد الجماعات الإرهابية، إلا أن هيومان رايتس ووتش سارت في إتجاه معاكس تمامًا واستهدفت الدول الناجحة في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف مثل مصر وابتكرت سلاحًا جديدًا للدفاع عن جماعة الإخوان الإرهابية بالدعوة إلى ربط التسليح الموجه إلى مصر وعدد آخر من الدول، بالتقدم في مجال حقوق الإنسان.
ثم بدأت في توجيه الاتهامات إلى مصر بدون دليل أو سند قانوني وهو ما ظهر في الترويج لوجود معتقلين سياسيين وهو الأمر الذي يتنافى مع الحقيقة، حيث أنهت أحكام المحكمة الدستورية على وجود معتقلين في السجون المصرية وأصبحنا أمام متهمين على ذمة قضايا تتعلق بالإرهاب وهو ما قدمت عليه الدولة الكثير من الدلائل على صحة موقفها خلال الإستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وهو ما كشف حالة الانفصال عن الواقع التي تعيشها هيومان رايتس ووتش فيما يتعلق بالأوضاع في مصر.
والحقيقة أن مثل هذه التعريفات غير الدقيقة تؤكد حالة التراجع المهني وتسيس عمل المنظمة الحقوقية وإستغلال صفتها الحقوقية في الهجوم على دولة في حالة عداء مع تنظيم إرهابي دولي وهي من الأشياء التي جرمتها الأمم المتحدة.
إن تكرار حديث هيومان رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية وتركيز توصياتها على تلك النقطة يضفي مزيداً من التشكك حول علاقة الأمر بحقوق الإنسان.. لقد قامت الحكومة المصرية بالرد في أكثر من موضع على تقارير وإدعاءات هيومان رايتش ووتش، حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر وغضها الطرف عن التطورات الكبيرة، التي شهدها ذلك الملف الحيوي والمهم خاصةً في ميادين عدة مثل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي انعكست بشكل إيجابي على المواطن المصري وأهمها الإفراجات الأخيرة عن عدد من النشطاء و تحسن أوضاع السجون، وأماكن الاحتجاز وإخضاعها لرقابة النيابة العامة، وإلغاء سلطة الاعتقال بموجب حكم المحكمة الدستورية العليا، وتراجع نسب الفقر بفضل مبادرات الحماية الإجتماعية.
وهو ما دفع بالتساؤل حول انفصال المفاهيم والمفردات الحقوقية، التى تستخدمها المنظمة في وصف أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ودفع بالاعتقاد بأن الهدف الرئيسي لها ليس الدفاع عن حقوق الإنسان، بل الانحياز لجماعات متهمة بالسعي للتخريب والتدمير ونشر الفوضى مثل جماعة الإخوان المصنفة إرهابياً في مصر وعدد من دول العالم.
إن إصرار هيومان رايتس ووتش على إصدار تقارير مغايرة للواقع عن حقوق الإنسان في مصر، وتسيس هذه التقارير وعدم الحيادية التامة وتبنيها فكرة التضليل التام والكذب وتخليها عن المصداقية وإفتقارها للتحقق من المعلومة الصحيحة وكتابة كل تقاريرها عن مصر من خلال منصات التواصل الإجتماعي يفقدها المصداقية والصدق والعمل بإحترافية.
لهذا نجد أن منظمة هيومان رايتس ووتش جاءت على رأس قائمة عدد من المنظمات الدولية التى تُتهم بتسيس مبادئ حقوق الإنسان وهو ما أفقدها جزءً كبيرًا من النزاهة والحيادية، بسبب الدور المشبوه التي تقوم به بتمويل ودعم من التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، حتى تحولت إلى أداة سياسية تستخدمها دول الخلاف السياسي مع الدولة المصرية، لتشويه الصورة أمام المجتمع الدولي وأعضاء المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
كما أصبح التشكيك فيما تعرضه من معلومات عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر محل بحث ونقاش، بسبب ما تتضمنه تقاريرها من معلومات مغلوطة وإعتمادها على عناصر جماعة الاخوان كمصدر وحيد في تقاريرها، وهو ما أكد حالة التربص والترصد، من جانب تلك المنظمة تجاه الدولة المصرية، خصوصًا وأن الملفت للنظر أن هناك إنتهاكات واضحة وصريحة لحقوق الإنسان تقوم بها حكومات ودول أخرى ولم نرى بياناً واحدًا أو تقريرًا يشجب أو يدين هذه الإنتهاكات من قبل تلك المنظمة أو غيرها.. وجاء إصدار الرئيس للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان كخير رد ودليل على كذب وخداع هذه المنظمات المضللة للحقيقة والمغايرة للواقع ومنها الإتحاد الأوروبي وهيومان رايتس ووتش وغيرهما.
إن ما تقوم به هيومان رايتس ووتش ضد مصر يزيد من تشويه صورة مؤسسات حقوق الإنسان الدولية ويدفع الدول إلى التشكك في المؤسسات الحقوقية، وإنها جزء من محاولة هدم الدول ودعم التنظيمات الإرهابية ولعب دور في التفاعلات السياسية الدولية لصالح طرف على حساب طرف آخر وهو ما تسبب في إعاقة عمليات نشر حقوق الإنسان وأدى إلى تراجع الحركة الحقوقية بشكل عام في مصر والشرق الأوسط.
وبالعودة إلى الإستراتيجية وبحسب وثيقتها المكونة من 78 صفحة فإنها تهدف إلى «النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر.. من خلال تعزيز إحترام وحماية كافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.. المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر.. تحقيقًا للمساواة، وتكافؤ الفرص دون أي تمييز».. وتعد الإستراتيجية خارطة طريق وطنية طموحة في مجال حقوق الإنسان وأداة هامة للتطوير الذاتي في هذا المجال ويمتد الأفق الزمني لتنفيذها حتى سبتمبر 2026.
وصدرت الإستراتيجية بعد أكثر من 20 شهرًا من إجتماعات للجنة الدائمة العليا لحقوق الإنسان، مع جهات مختلفة من الدولة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني، وكافة أطياف المجتمع، وهي اللجنة التي تأسست في نوفمبر 2018 بقرار من رئيس الوزراء لإدارة ملف حقوق الإنسان وحدها بدلًا من اللجنة الرئيسية لحقوق الإنسان بوزارة العدل، وكان على رأس أختصاصات اللجنة الدائمة وضع الإستراتيجية وخطط تنفيذها.
وفي الحقيقة إن الإعلان عن الإستراتيجية سبقه بعض المؤشرات على حلحلة بعض الملفات التي كانت سببًا في توجيه أنتقادات للدولة متعلقة بالمنظمات الحقوقية والمعتقلين السياسيين، مثل تفكيك القضية رقم 173 المعروفة إعلاميًا بـ «قضية التمويل الأجنبي»، وإطلاق سراح عدد من سجناء الرأي، وإن ظل البعض يشير إلى أن هذه التحركات ليست كافية في ظل أن الأعداد المُطلق صراحها قليلة بالمقارنة مع العدد الإجمالي للمعتقلين السياسيين والمحبوسين احتياطيًا.
وفي الواقع فإن الإستراتيجية حددت المرتكزات التي قامت عليها من: الضمانات الدستورية في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، والالتزامات والاتفاقات الدولية والإقليمية بهذا الصدد، وإستراتيجية التنمية المستدامة 2030.
وأشارت الوثيقة إلى التحديات التي تواجه الدولة في هذا الصدد، محددةً إياها في أربع نقاط هي: الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز المشاركة في الشأن العام، والصعوبات التي تواجه التنمية الإقتصادية، والإرهاب والاضطراب الإقليمي.
والحقيقة أن هذه النقاط قد اتسمت بديباجات تقليدية لم تناقش جذور هذه التحديات الحقيقية، مكتفية بعبارات عامة كـ «ضعف ثقافة حقوق الإنسان، وبعض الموروثات الثقافية الخاطئة التي تتعارض مع قيمها ومبادئها»، وأهمية معالجة عوامل ضعف مستوى المشاركة في الشأن العام، بما في ذلك ضعف التواجد المجتمعي الفعال للأحزاب السياسية، وعدم انخراط الشباب في العمل الحزبي.
أما فيما يتعلق بمسارات التنفيذ فقد حددتها الوثيقة في ثلاث مسارات: الأول متعلق بالتطوير التشريعي، ثم التطوير المؤسسي، فمسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
وفي نقطة التطوير التشريعي قالت الإستراتيجية إنه «لا يزال هناك حاجة إلى استكمال البناء على هذا الزخم التشريعي، لتعزيز الاتساق بين القوانين الوطنية، والمبادئ والضمانات الواردة في الدستور، والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، سواء من خلال إدخال تعديلات على بعض التشريعات القائمة أو استحداث تشريعات جديدة.. لكن في مجمل الوثيقة فهي حدث تاريخي وتطور غير مسبوق في هذا الملف إلهام وإنجاز يحسب للإدارة الحالية في دعم وتطوير ملف حقوق الإنسان على عكس ما تحاول تصديره تلك المنظمات المسيسة والمغايرة للواقع، وإن كنا نطمح ونحلم بالمزيد من التطور والتقدم والسعي نحو تطبيق هذه الإستراتيجية بالشكل الأمثل حتى يكتمل شكل ونهج الجمهورية الجديدة.