ألفة السلامي تكتب: شاي العصاري
ADVERTISEMENT
ارتفاع كبير في معدلات استهلاك الشاي على مستوى العالم منذ بدء جائحة كورونا .. معلومة ربما تكون مزعجة لأنصار الإقلاع عن الشاي لانعدام جدواه و ضرره بالصحة، لكن قد يحتاج هؤلاء إلى التروي وقراءة هذا المقال فربما يكتشفون أسرارا تغير آراءهم وعاداتهم فيقررون العودة إلى شاي العصارى.
حالة الإغلاق المتكرر التي مر بها العالم بسبب شراسة موجات الفيروس أدت إلى البقاء في المنزل فترات أطول وزيادة استهلاك الشاي بأنواعه المختلفة للترويح عن النفس وطرد الملل خاصة مع غلق المقاهي العامة. هذا ما تؤكده إحصاءات الدوائر المهتمة باقتصاد الشاي في العالم، وتضيف أن شرائح من الشباب انضمت إلى المستهلكين بعد رواج وازدهار معلومات صحية تفيد بأنه يساعد في وقف انتشار فيروس كورونا، خاصة الشاي الأخضر المعروف بقدرته على منع الالتهابات والأكسدة في الجسم. وقد أعاد الجيل الأصغر سنا جاذبية الشاي لينافس المشروبات الغازية وذلك من خلال ابتكار أنواع مختلفة من منتجات الموضة في مجال الشاي مما ساهم في تنشيط هذه الصناعة في زمن الركود الكوروني. على سبيل المثال، يؤكد باحثون بجامعة ولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية أن الشاي يفرز مادة تضعف الفيروس حيث تقلل إنتاج الأنزيم البروتيني الرئيسي Mpro، وهو الأنزيم الضروري لعملية التكاثر والدمج؛ وبالتالي فإن شرب ثلاثة أكواب من الشاي الأخضر يوميا من شأنها تعطيل هذا الأنزيم وموت الفيروس.
وتزخر الدراسات العلمية "بعد كورونا" بالمعلومات المفيدة التي تعكس أننا غطسنا في الشاي بحجم ما شربناه منه وكأنما سبحنا في بحر ممتد على مر السنين لكننا لم نتعامل معه بالجدية المطلوبة. لكن الجائحة قد تكون الوقت المناسب لتغيير قواعد اللعبة وفهم كيفية الاستمتاع بشرب الشاي باعتباره هواية تشترك فيها الغالبية العظمى من سكان المعمورة وحبه يصمد طيلة قرون أمام اختبارات الزمن!.
الشاي أكثر المشروبات استهلاكًا في العالم بعد الماء، بإجمالي 273 مليار لتر عام 2018، أي أن سكان العالم يشربون نحو 748 مليون لتر من الشاي يوميا. وتمثل تجارة الشاي ثاني أكبر سوق في العالم في قطاع المشروبات الساخنة بعد القهوة، بما يفوق 52 مليار دولار. وتحتل مصر الترتيب الثالث عربيا بعد كل من السعودية والكويت بالتساوي ثم تليهما المغرب. ويستهلك "المصري" الواحد نحو كيلوغرام من الشاي في السنة وهو خمسة أضعاف المعدل العالمي لاستهلاك الفرد من الشاي الذي يبلغ 200غرام. وهناك خلاف حول أصل الشاي لكن المرجح أن موطنه الأصلي الصين قبل 2737 سنة قبل الميلاد، حيث استخدمه الصينيون كأعشاب طبية مهدئة. ثم ترسخت عادة شرب الشاي لقرون عديدة في الصين قبل أن تصل إلى باقي دول العالم. وهناك عشرات الأنواع من الشاي الطبيعي بكل الألوان والمذاقات. ولكن الشاي ليس مجرد كوب يشربه العاشق له وإنما هو ثقافة وفنون واحتفال وصناعة وتنمية متكاملة يسهم بها في اقتصاد البلدان المنتجة له. وتعد الصين أكبر منتج بأكثر من 2.5 مليون طن، تليها الهند بمليون طن ثم كينيا بـ300 ألف طن، ثم سريلانكا بـ200 ألف طن، فإندونيسيا بـ100 ألف طن. وتحتل باكستان الصدارة في قائمة الدول الأكثر استيرادا للشاي عالميا بواردات ناهزت قيمتها 600 مليون دولار عام 2018، تليها روسيا ، فالولايات المتحدة، ثم المملكة المتحدة ، ثم دولة الإمارات ومصر. وتقدر واردات مصر من الشاي بحوالي (318 مليون دولار).
ومن وحي ما كتبه علماء في مجال الإثنوغرافيا، التي تهتم بالدراسات الوصفية لثقافة الطعام والشراب الشعبي المجتمعات المحلية، توجد إشارات "عجيبة" إلى أن الدول الاستعمارية استخدمت شرب الشاي وولع شعوب المستعمرات بهذه العادة في إخضاعها والتلاعب بها بحيث تكثر من كميات الشاي المعروضة بالأسواق وترخص أثمانها عندما تلاحظ تمردا بين الناس ضد المستعمر!
ولا عجب أن الشاي له أيضا يوم عالمي للاحتفال به، حددته الجمعية العامة للأمم المتحد يوم 21 مايو. كما أن هناك لجنة دولية متخصصة في الشاي، وكذلك منظمة دولية معنية بشؤونه هي ( (ICO . وقد تبنت هذه المنظمات واللجان برامج لزيادة التوعية بأهميته وتحسين قيمته بما يسهم في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وتوجد مواقع إخبارية عالمية شهيرة للشاي مثل "وورلد تي نيوز". كما توجد أكاديميات تدرّس الطلاب مناهج علمية خاصة بالشاي وتمنح الخريجين شهادات متنوعة من بينها "شهادة محترف معتمد في الشاي". وتقام معارض دولية سنوية للشاي يحضرها أكثر من ألفي شركة عالمية. كما توجد بيوت شاي في عدة دول تشبه الكافيهات الصغيرة لا تقدم كمشروب إلا أنواع الشاي النقية الجميلة وفقا لعادات الشعوب المختلفة وفي طقس أقرب إلى الاحتفال دائمًا بورقة الشاي. وتقام حفلات الشاي في عدد من الدول أشهرها "حفل ماتشا" باليابان وحفلات الشاي بالنعناع في المغرب و"الزافركا" في روسيا و"المتة" في الأرجنتين وغيرها. وتوجد كذلك متاحف للشاي منها متحف "هانغزهو" في الصين و "مونار" في الهند. ولا يفوتنا في سياق الحديث عن فنون الشاي في ثقافات الشعوب أن نتذكر شاي العصاري في مصر والذي كان سمة مميزة في يوميات الأسرة المصرية حيث تجتمع في موعد مقدس آخر كل يوم حول كوب الشاي مع ما توفر من الحلو سواء الكعك أو بسكويت النشادر أو فطيرة السكر. [email protected]