عاجل
الثلاثاء 05 نوفمبر 2024 الموافق 03 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب من تونس: "خبز وماء" ولا عودة إلى الوراء! 

ألفة السلامي
ألفة السلامي

“خبز وماء” كلمات قالها الرئيس قيس سعّيد بما تعنيه من مكانة رمزية في الموروث الشعبي والحراكات الاجتماعية للدلالة على اللجوء للتقشف كأسوأ الحلول إذا اضطرته الظروف لذلك، لكنه لن يرجع إلى الوراء بكل ما يتضمنه الماضي من أزمات يتحمّل الإخوان اليد العليا فيها. الرئيس التونسي ينطق بلسان الناس الذين انفضوا عن الإخوان ولفظوهم بعد عشريّة سوداء عانوا فيها من شظف العيش حتى رفعوا في احجاجات 25 يوليو شعار “خبز وماء والنهضة لا”. 

تحيا مصر

وزادت في المقابل شعبية الرئيس سعيّد بعد أن نجحت حملة التلقيح المكثف ضد كورونا التي دعا إليها و التي سجّلت نصف مليون شخص في يوم واحد تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح بين الفئة العمرية أكثر من40عاما. وكان الإقبال الكبير على مراكز التلقيح دليلا على استرجاع ثقة المواطنين في أجهزة الدولة بعد أن فقدوها عندما تجاوز عدد ضحاياهم العشرون ألفا، وقد تم الإعلان عن المرور إلى الفئة العمرية بين أقل من 40 وحتى 18عاما لتلقي اللقاح الأحد المقبل؛ وتستهدف الخطة إلى تلقيح نحو 60% من التونسيّين في نهاية سبتمبر المقبل.

كما ارتفع أيضا مؤشر شعبيّة الرئيس التونسي عاليا بعد القبض على عدد من المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد والإرهاب والتهريب وتبييض الأموال، وآخرهم إيقاف قاضية وبحوزتها 1.5مليون دينار (مليار ونصف) من العملات الأجنبية بعد مراقبتها وتتبعها لعلاقتها بشبكة لتهريب الأموال في اتجاه الشرق حيث الحدود التونسية الليبيّة. كما تم القبض أيضا على خمسة أشخاص داخل سيارة بحوزتهم مبلغ مالي ضخم من العملات الأجنبية المختلفة كان مخفيا خلف لوحة قيادة السيارة في منطقة قريبة من الحدود مع الجزائر وهي معتمدية فريانة التابعة لمحافظة القصرين.

الآن بعد مضي أكثر من أسبوعين منذ قرارات الرئيس التونسي بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد البرلمان، ينتظر التونسيون ما سيفعله الرئيس ويترقبون سدّ شغور منصب رئيس الوزراء بتعيين الشخصية التي ستقود الفريق الحكومي الذي بدأ باختيار أعضائه تباعا.  ولأن الرئيس سعيّد يبدو دائما ميالا للتأنّي حتى يخرج قراره قويّا في وجه أعدائه ومناسبا لطموحات الناس وتوقعاتهم، فإنه ربما انتظر لأكثر من أسبوعين- أي نصف المهلة التي حددها في قراراته- حتى يأتي التغيير نوعيّا وغير مسبوق، بل وحدثا تاريخيّا ورمزيّا في حد ذاته. 

لذلك، قد يتجه إلى تعيين امرأة رئيسة للحكومة، وتشكيل بقية أعضاء الحكومة من الشباب ذوي الكفاءة والجرأة، للدفع بالأوضاع المترديّة إلى نقلة نوعيّة لا تشبه ما كان، مع احتمال الدعوة إلى استفتاء رئاسي و انتخابات برلمانية مبكّرة، إلى جانب تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد. 

ولاشك ان اختيار سيّدة على رأس الحكومة في تونس سيكون له رمزيّة خاصة بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة يوم الجمعة 13 أغسطس الجاري والذي يصادف سنويا ذكرى إصدار "مجلة الأحوال الشخصية" عام 1956؛ وهو القانون الذي يفتخر به التونسيّون رجالهم قبل نسائهم، حيث غيّر وجه تونس بعد أن سارع الزعيم الحبيب بورقيبة بإصداره على إثر الاستقلال وقبل إعلان الجمهورية الأولى، ودون المرور بالمجلس التأسيسي للدستور الأول.

ورغم أنه لا أحد لا يستطيع أن يؤكد ما يدور في عقل الرئيس حتى الآن لكنّ الجميع أصبح يعلم أنه يجيد "ضربة المعلّم" كما يقال في مصر.

كما أن الجميع يعلم أيضا أن الحقيقة التي باتت مؤكدة هي أنه لا مكان للإخوان في هذا الواقع الجديد مهما حاولوا اللجوء للمناورات؛ فالنهضة الآن تبدو كالشاة المذبوحة بعد أن فاجأتهم احتجاجات 25 يوليو، ثم صدمتهم قرارات الرئيس، فهدّدوا وتوعّدوا، ولم يفلح سلاح الاستقواء بالتدخل الأجنبي ولا التخويف بنشر الفوضى أو إطلاق جحافل المهاجرين إلى السواحل الأوروبية.  والآن رُفع عنهم الستار وكشفهم الشعب وانفض عنهم مناصروهم وخذلهم حلفاؤهم الغربيّون. فبدأوا يترنّحون ويبحثون عن فرصة للحوار مع الرئيس. 

ولن تكون صدمة القرارات المقبلة بأقل وطاة عليهم مما سبق، فالرئيس يتّجه بخطى ثابتة إلى الجمهوريّة الثالثة وبدستور جديد سيكلّف لجنة لإعداده؛ كما سيبحث الرئيس قيس سعيّد عن السبل القانونية الملائمة لتغيير النظام السياسي العقيم القائم على "ترويكا" الحكم وتنازع السلطات، إلى نظام رئاسي حتى لا تعود تونس إلى الوراء ولا تخرج الانتفاضات الشعبية مجدّدا رافعة شعار الخبز والماء!

[email protected] 

تابع موقع تحيا مصر علي