تحيا مصر في قلب الأحداث في تونس
ADVERTISEMENT
الرئيس التونسي يعين مستشاره للأمن القومي وزيرا للداخلية الشباب وقود الحراك الشعبي مصممون على إنهاء فصل "الربيع" الإخواني! إعلان تشكيل الحكومة خلال ساعات .. و خارطة طريق لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة
تونس – ألفة السلامي:
من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية أحييكم والموسيقى "التصويرية" التي تُؤنس جولتي تعلو بأغنية لطفي بوشناق "احنا الجود احنا الكرم .. احنا الشهامة احنا الهمم". سمعتها من قبل عشرات المرات لكنها هذه المرة مختلفة بطعم النصر. صحيح أن الترقب مازال يسود والشارع لم يخمد غضبه تماما حتى بعد تعيين الرئيس وزيرا جديدا للداخلية هو مستشاره للأمن القومي رضا غرسلاوي، لكن عجلة الإصلاح بدأت تدور والأمن والاستقرار مفتاحهما وستتوالى تعيينات الفريق الحكومي تباعا خلال الساعات المقبلة كما تقول المصادر القريبة من قصر قرطاج.
فيروس كورونا وفيروسات السياسات الفاشلة
لقد ظل غضب الشارع محبوسا في الصدور لشهور طويلة بل سنوات وبلغ مداه بسبب فشل الحكومة في إدارة أزمة أزمة فيروس كورونا حيث عجز الناس حتى عن دفن موتاهم، كما حاصرتهم فيروسات كثيرة أخرى من السياسات الفاشلة. وزادت حمم غضبهم عند الإعلان عن التعويضات التي طالب بها رئيس مجلس شورى حركة النهضة مهدّدا الحكومة التي يدعمها حزبه ومتوعدا لها إذا لم تصرف تلك الأموال قبل يوم 25 يوليو. وكانت له "الهدية" لكن لم تصرفها الحكومة وإنما الشعب الذي أعطى صفارة النهاية للربيع الإخواني. وتجاوب رئيس الجمهورية قيس سعيد أخيرا و بعد يأس وقنوط الناس من احتمال تحركه فقام بالحل الأمثل من خلال تفعيل الفصل 80 من الدستور وقد تيقن بعد صبر وطول انتظار من أن الحوار السياسي في تونس صار عقيماً وبدون جدوى خاصة أنه لم يعد يواجه النهضة التي تعيق اتخاذه لإصلاحات ينتظرها الشعب بل إنه يواجه منظومة فساد ضالعا فيها العديد من النواب في البرلمان و رجال أعمال وقضاة وموظفين وسياسيين ... و من سوء حظ المعارضين جميعهم أنهم إزاء أستاذ قانون دستوري!
شباب عظيم يحميها
أجمل كلام سمعته في تونس من شاب مسيّس لكنه غير حزبي؛ قال: "قيس سعيد لم يأخذ شيكا على بياض عند خروجنا للاحتجاج ضد الإخوان لذلك لا خوف من انفراده بالحكم...هو مشكور على القفزة الأولى و إن جاءت متأخرة، فإن أصاب فله الاحترام والتقدير و إن انحرف فلتونس شعب عظيم يحميها.." وأنا أضيف: ولها شباب عظيم يحميها!
عن اطلاع و قرب من المشهد الدائر في تونس، أستطيع أن أجزم أن الشباب الذين صوتوا لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية وحققوا المفاجأة وسط استغراب وعدم توقع فوزه داخليا وخارجيا هم من يصنعون التاريخ حاليا. نظموا الاحتجاجات عبر ولايات الجمهورية ومناطقها المختلفة بسلاسة من خلال الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويقفون الآن متحفزين يحرسون المكتسبات ويستعجلون بقية خطوات خارطة الطريق ويراقبون وفي جعابهم بدائل عديدة لا مكان فيها للإخوان.
تستشعر النضج لدى هذا الجيل الشاب "المُعلّم" الذي مازال متمسكا بحلمه في أن يرى بلاده ترتقي الصفوف رغم التهميش والبطالة والتفقير الذي تعرض له. كثيرون من النخب يشككون في ذلك لكنها الحقيقة واضحة عندما ترى النخب أنفسهم في أبراجهم العاجية أو حتى الرملية!
يتناقش مجموعة من الشباب وهم يتحلقون وقوفا على ناصية نهج القاهرة المتعامد مع شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس ويتجادلون حول مفاهيم الديمقراطية وحبالها المتشعبة ويقول أحدهم " لو كان الغنوشي ديمقراطيا لسارع بطرح حل البرلمان منذ عدة أشهر عندما اتضح ضعف النواب و فسادهم". وتؤيده فتاة عشرينية مشيرة إلى أن "الديمقراطية مهياش شعارات ولا انتخابات بل تكليف ومسؤولية وأمانة قبل كل شيء !".
نكت التوانسة
أطرف تعليق استمعت إليه من هؤلاء الشباب حول اتهام الغنوشي للرئيس بمخالفة الفصل ٨٠ من الدستور مدعيا أنه لم يستشره قبل إعلان الإجراءات الاستثنائية كما ينص على ذلك الدستور...قالوا: "لو استعمل الرئيس فصل الخريف نحن موافقون!"
وتساءل أحدهم: "قيادات النهضة قالوا إنهم ليسوا دعاة سلطة ولا يسعون للحكم وادعوا أن أيديهم نظيفة و لا يخافون المحاسبة ويتفاخرون بأن عددهم كبير وأنصارهم لا يُحصون ويقدرون على الفوز في أي انتخابات قادمة... إذن لماذا هم خائفون ومم الخوف؟!".
وأضاف آخر :"هذا البرلمان انتهى أمره وعلى الرئيس سرعة الكشف عن خارطة طريق واضحة: يجب تعيين رئيس حكومة ذو خلفية سياسية واقتصادية وقادر على التفاعل مع المطالب الاجتماعية ويستطيع أن يصنع فرقا يستشعره الناس وفي وقت قياسي بجملة من القارارات التي تمس معيشة الناس".
إنهاء الربيع الإخواني
هكذا فإن الشباب ينظرون الآن لما يحدث في تونس على أنه نهج طبيعي لإنهاء فصل الربيع الإخواني الذي أوصل الجماعة إلى الحكم وكشفت حكوماتهم على فشل ذريع لا ينكره أحد كما أن المسار الديمقراطي المعتمد على صندوق الانتخابات كشف انحرافه عن تحقيق مصالح الناخبين. وإذا كانت الممارسات السياسية خلال العشرية الماضية لا تعكس استيعابا لروح الديمقراطية التي تعني بداية أن يكون الحاكم في خدمة الشعب، فإن وقفة تصحيح المسار حاليا التي قادها الشباب غير المتحزب في غالبيته وتُوّجت بإصدار القرارات الرئاسية قد تكون الفرصة الأخيرة لتنفيذ الإصلاح الشامل لصالح تونس وأهلها ليعودوا كما كانوا وكما يتغنى بهم بوشناق أصحاب الهمم! [email protected]