عمرو عزت حجاج يكتب: روندا من ويلات الحروب.. إلي القمر الصناعي
ADVERTISEMENT
ها هنا في منطقة البحيرات العظمى وسط أفريقيا في دولة صغيرة أنهكتها الحرب والمذابح تسمى رواندا، تقودك البوصلة إلى قصة نجاح ونموذج معجزة اقتصادية تصل بك إلى مرحلة الانبهار وتتوق النفس إلى محاكاتها والحديث عنها.
نهوض روندا من تحت ركامها
رواندا التي غرقت لسنوات في مستنقع الحرب التي أتت على كل شيء، لم تلبث أن نفضت غبارها ونهضت من تحت ركامها، واستلهمت طريق الكبار لتحقق الإنجاز في غضون سنوات. قبل أيام توجت البلاد نجاحها بإطلاق أول قمر اصطناعي في إطار مشروع متكامل لربط المدارس والمناطق الحضرية بالإنترنت المجاني، والانتقال لشبكات الكوابل الضوئية بتكلفة تجاوزت ملياري دولار.
روندا والتحول الكبير
بين عامي 1993 و1995 وقعت رواندا فريسة لحرب أهلية بين الأغلبية من عرقية الهوتو -التي تشكل أكثر من 80% من السكان- وقبائل التوتسي التي تشكل النسبة الباقية.
كانت الغلبة بداية الحرب للأغلبية، لكن بول كاغامي –الاسم الذي سيحفظه التاريخ- نظم صفوف الجبهة الوطنية خارج البلاد، ونفذ حربا انتقامية واستطاع أن يحتل العاصمة كيغالي عام 1995، حيث اقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا، واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى زائير المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة.
فترات عدم الاستقرار
بعد تلك الحرب تمكنت الجبهة الوطنية من السيطرة على البلاد، وعُين كاغامي نائبا للرئيس بيزي مونجو، لكن البلاد غرقت في الفوضى في السنوات الخمس التي تلت الحرب، وفشلت الحكومة في إيجاد حل.
عاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونجو وحكومته، فتنازل عن منصبه إلى نائبه كاغامي عام 2000.
البداية
مع توليه السلطة، حدد كاغامي هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني انتزاع البلاد من الفقر، وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أي خطاب عرقي.
المصالحة
ونجحت خطط الحكومة المتنوعة في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع، وعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونظمت محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم.
ومع التقدم في الملفات الاجتماعية، وجهت الحكومة طاقتها للتنمية وتطوير الاقتصاد، وقدم الخبراء والمختصون دراسات تحولت لرؤية "رؤية 2020" الاقتصادية، وتشمل 44 هدفا في مجالات مختلفة.
التطور
تمكنت هذه الأهداف من تحقيق المعجزة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى ثلاثين ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما.
الخبير الاقتصادي الرواندي كليت نييكزا لا يرى في الأمر أية معجزة، ويقول "لكي تنشئ دولة ناجحة، لا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، وإنما يكفي أن تستفيد من تجارب الآخرين" فعلى هذا الصعيد تحديدا أوفدت الحكومة عددا كبيرا من اللجان إلى دول أخرى للاستفادة من تجاربها.
ويتابع في حديث سابق للجزيرة نت أنه إذا "استطعت أن تجعل المطار خاليا من الفساد والرشوة، وخدمة الإنترنت في البلاد سريعة، وإجراءات الاستثمار بسيطة، والشباب يتحدثون الإنجليزية، فإنك ستحصل على دولة فعالة، وسوف تجذب الشركات والمستثمرين من كل العالم".
وابتكرت الحكومة نظام "الشباك الواحد" للاستثمار، فبينما يحتاج المستثمر في دول كثيرة إلى أسابيع أو شهور لكي يحصل على ترخيص للاستثمار، كانت القصة هنا مختلفة، إذ يمكن للمستثمر أن يقوم بجميع الإجراءات القانونية في مكان واحد، ويمكن إنشاء شركة في يوم واحد أو بضع ساعات فقط.
الاقتصاد الأسرع نموًا
بات اقتصاد البلاد الأسرع نمواً في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. وخلال الفترة بين عامي 2000 و2015، حقق اقتصادها نموا في ناتجه المحلي بمعدل 9% سنويا، وأصبحت واحدة من أهم وجهات المستثمرين والسياح بالعالم.
تراجع معدل الفقر من 60% إلى 39%، ونسبة الأمية من 50% إلى 25%، وبحسب تقارير أفريقية فإن رواندا شهدت التطور الاقتصادي الأكبر على مستوى العالم منذ 2005، وارتفعت قيمة الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو 8.5 مليارات دولار العام 2016 بينما كان نحو 2.6 مليار عام 2005.
وأصبحت الدولة الوجهة السياحية الأولى وسط أفريقيا، وتعتبر العاصمة كيغالي من أكثر المدن آمنا على مستوى القارة، وتحتل مكانة متميزة بوصفها واحدة من أنظف المدن الأفريقية وأجملها، وقد بلغت إيرادات السياحة أكثر من أربعمئة مليون دولار عام 2016.
وتتويجا لمسيرة الإنجاز، أطلقت رواندا أول قمر اصطناعي خاص بها للاتصالات يوم 27 فبراير/شباط الماضي من مركز كوروا للفضاء بغويانا الفرنسية، في إطار تطوير النظام التعليمي، إذ تمكنت البلاد خلال فترة زمنية قصيرة من خفض نسب الأمية لتصبح من أقل دول القارة أمية. ونقلت وسائل إعلام عن لبولا إنغابيرا وزيرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكار قولها إن القمر الاصطناعي سيساعد على ربط المجتمعات النائية فيما بينها.
وأضافت الوزيرة "الاستثمار في تكنولوجيا الفضاء جزء من مهمتنا الكبرى التي تتمثل في سد الفجوة الرقمية من خلال توفير فرص رقمية متكافئة للمجتمعات الريفية والنائية".
وللحديث بقية
عمرو عزت حجاج
عضو مجلس الشيوخ
عضو تنسيقية شباب الأحزاب