عاجل
الإثنين 18 نوفمبر 2024 الموافق 16 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

عمرو عزت حجاج يكتب: الدراما الوطنية.. بين المتعة الفنية والدفاع عن الهوية المصرية

تحيا مصر

لعب الفن طوال التاريخ الإنسانى، دورًا هامًا فى عملية التعبير عن هموم المجتمعات الإنسانية، ومواجهة ما تعانيه من تحديات، وتخليد ما تحققه من إنتصارات وإنجازات فى كافة الميادين، حتى أصبح التأريخ بالفن، جانبًا أساسيًا فى كافة الحضارات، وبدونه ما عاشت، ولا خُلدت الكثير من الحضارات، كالمصرية والبابلية والرومانية والأوروبية فى عصر النهضة.

كلما زادت التحديات كلما ارتفعت الحاجة إلى الفن

وكلما زادت التحديات التى تواجه المجتمع، كلما ارتفعت الحاجة إلى الفن، ليس فقط لشحذ الهمم، والمشاعر ضد الأخطار، وإنما الأهم لاستحضار روح الهوية الوطنية، والعقل الجمعى للمجتمع، حتى يكون يقظ وقادر على تجنب السقوط فى أفخاخ الانهزامية، والتضليل الذى يستهدف أبناء هذا المجتمع من قبل أعدائهم.

الحرب التى تخوضها مصر

وللأسف تعانى الدولة المصرية منذ ما يزيد عن العقد، من حرب ضروس، تستهدف ضرب مؤسساتها، وتضليل أبنائها، وبث روح التشكيك الهدام فى نفوسهم، وذلك بهدف فصل الدولة كمؤسسات، عن شعبها، ومن ثم قسم مصر إلى كيانين منعزلين، منظومة رسمية فى جانب، وظهير شعبي فى جانب آخر، مما يجعل السيطرة على مصر نزهة يسيرة بالنسبة لأعدائها.

أدوات الحرب

ومن يدقق فى أدوات هذه الحرب، سوف يجد أن الأداة الإعلامية، هى الأداة الرئيسية فى هذه الحرب، حتى أنها تفوق الأداة العسكرية والأداة السياسية، أو على الأقل تتساوى معهما، ولذلك فقد انطلق أعداء مصر يستخدمون هذه الأداة بشكل مكثف، مع تنوع فى الشكل سواء عبر البرامح السياسية المباشرة، أو الشكل الغير مباشر عبر الأشعار والأغانى، أو الكوميديا السياسية، أو الأعمال الفنية الدرامية.

المبدعين المصريين

وقد تنبه ثلة من المبدعين المصريين فى المجال الفنى، لخطورة هذه الحرب، وقسوتها، وخطورة استخدام سلاح الفن بشكل مغرض من قبل أعداء الأمة المصرية، لبث سمومهم فى العقل الجمعى المصري، وترسيخ أكاذيبهم وفهمهم المشبوه والمغلوط للدين.

ولذلك أخذت الأعمال الفنية الوطنية تتوالى منذ بضعة سنوات، لتقديم وجبات فنية وإبداعية ناضجة وذات جودة عالية للمشاهد المصري والعربي، وفى نفس الوقت تكون بمثابة دراسات وثائقية وفكرية لدحض أكاذيب وافتراءات أعداء الأمة المصرية، دون تكلف أو ملل.

والحق أن رمضان الماضي قد شهد، مستوى ناضج وراقى فى إنتاج هذه الأعمال، حيث تم تقديم ثلاثة أعمال فنية بديعة "الاختيار 2 – هجمة مرتدة – القاهرة كابول"، صاغت الروح الدفاعية عن الهوية المصرية والسلامة المجتمعية والبعد التوثيقى، فى قالب نسيج درامى قائم على احداث سلسة ومشوقة وابهار بصري، وسحر موسيقى، وأداء تمثيلى مبهر.

فمسلسل "الاختيار2" (تأليف هانى سرحان، إخراج بيتر ميمى)، تمكن بشكل ذكى من رصد دور الجهاز الشرطى فى مواجهة إرهاب جماعة الإخوان المسلمين، وأشياعهم من التنظيمات الإرهابية، وذلك من خلال الحبكة الفنية الدرامية التى تعالج الجانب الوظيفى والإنسانى لرجل الشرطة، مع مراعاة التوثيق الكامل للأحداث.

وقيمة ذلك تجلت فى أمرين هامين جدا:- الأولى:- تقديم وثيقة فنية بصرية تاريخية خالدة تدحض أكاذيب الإخوان، بشأن سلميتهم المزعومة، ونسف لديهم فكرة المظلومية التاريخية، وكشف تدليسهم بادعاء أن الدولة المصرية هى من تُلفق التهم لأنصارها، وتمزيق هالة التعاطف والتباكى التى تنسجها حول مجرميها المقتولين سواء فى مواجهات مع الشرطة أو عبر حكم الإعدام، كما فعلت مع محمد كمال ومجرمى خلية عرب شركس.

الثانى:- النجاح فى تصوير رجال المؤسسة الشرطية بشكل إنسانى طبيعى، فهم مصريين عاديين محبين مخلصين لوطنهم، يضحكون ويبكون، يفرحون ويحزنون،يقاتلون بشجاعة، ويتألمون من الضعف البشري، فهم ليسوا شياطين كما تصورهم الآلة الإعلامية للجماعة الإرهابية وحلفائها، وليسوا أساطير وآلهة خارقين، كما تصورهم الأعمال الفنية الهزلية.

أما مسلسل "هجمة مرتدة" (تأليف باهر دويدار، إخراج أحمد علاء الديب):فقد جاء مكملاً لمسلسل الاختيار2 الذى ركز على مواجهة جهاز الشرطة الداخلية للإرهاب، بينما نجح هذا العمل الفنى الذكى فى تبين الدور الخطير والناجح، الذى يلعبه جهاز المخابرات العامة فى مواجهة الأخطار والمؤامرات الخارجية التى تحاك ضد مصر، وكيف أن الحرب ضد مصر ليس فقط، من خلال العنف المباشر والاستهداف الإرهابي، وإنما الأخطر، هو الحرب المعلوماتية، التى تستهدف الإحاطة الكاملة بتفاصيل المجتمع المصري، تمهيداً للتعرف على نقاط ضعفه والنفاذ إليه من خلالها، وذلك عبر بث العيون والجواسيس داخل مفاصل المجتمع المصري، وكذلك محاولة زرع ألغام من داخل المجتمع لتنفجر فيه وتطيح بيه، وذلك من خلال ملف بعض جمعيات المجتمع المدنى ومراكز التحليل السياسي، التى بدلًا أن تقوم بدورها الوطنى فى خدمة مجتمعها، تحولت إلى وسائل تدمير وتخريب له، وكذلك إلقاء الضوء على الحرب المسمومة التى تستهدف بث الانهزامية والانكسار والتشكيك داخل الروح المصرية، كما يتضح من مشهد سعد خليل "الفنان أحمد حلاوة "، وهو يشكك فى نصر أكتوبر المجيد، وكذلك إلقاء الضوء على الدور البطولى الذى لعبه جهاز المخابرات العامة فى التصدى للعناصر المعادية التى تسللت للبلد، عقب حالة الانفلات الأمنى التى أصابت البلد عقب ثورة 25 يناير.

كما تفرد مسلسل "القاهرة كابول" (تأليف عبد الرحيم كمال، إخراج حسام على )، بمعالجة عملية التحليل والتفكيك النفسي لشخصية الارهابي القيادى، وما تعانيه من وهس بالذات، ممزوج بشعور بالغبن الاجتماعى والانسانى، مع معرفة سطحية بالدين، وولع مسعور بالملذات الحسية وخصوصا الجنس، وكيف يشكل كل هذا مع بعض الكاريزما، نموذج الإرهابي القيادى الذى يستطيع التحكم فى الجهلاء وعديمى الفكر والتجربة من الشباب، مع تسليط الضوء على قضية التفسير المنحرف للنص الدينى الذى تمارسه جماعات الإرهاب، وكذلك الربط المصالحى بين هذه الجماعات وبعض المؤسسات الإعلامية الكبرى.

هكذا يتضح أن الإنتاج الدرامى المصري، قد نجح بشكل كبير، فى توظيف الإبداع الفنى، دون تكلف أو مبالغة، فى عملية الدفاع عن الهوية المصرية، ومقومات الدولة المصرية، من خلال التصدى للإرهاب وحلفائه، سواء ذلك عبر توضيح جهود الدولة بمؤسساتها المختلفة فى التصدى للإرهاب، أو من خلال عملية التفكيك الأيدلوجى والنفسي والسياسي لصناعة الإرهاب.

عمرو عزت حجاج تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين 

تابع موقع تحيا مصر علي