عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: ضياع الفرصة الأخيرة!

ألفة السلامي - ارشيفية
ألفة السلامي - ارشيفية

"لم تحرز المفاوضات أي تقدم ولم تسفر عن اتفاق"..تلك هي المحصلة التي أعلنت عنها مصر ممثلة في وزارة خارجيتها للجولة الأخيرة من المحادثات الثلاثية التي استمرت ثلاثة أيام في العاصمة الكنغولية كنشاسا برعاية الاتحاد الأفريقي بشأن سد النهضة الإثيوبي، وضياع فرصة أخيرة في جولات المفاوضات يثير الذعر لدى المصريين حكومة وشعبا؛ والذعر هنا "ذعر مائي" بما يعنيه من خطر على الأمن القومي من أحد أهم بواباته التاريخية ألا وهي بوابة مياه النيل.

الدراسات الأكاديمية المتخصصة محليّا وعالميّا أجمعت على تضرر حصة مصر من المياه جراء بناء سد النهضة والملء المنفرد خلال مدة وجيزة (يوليو 2017-2021 ) ، حيث تنخفض من 55.5 مليار متر مكعب إلى ما بين 18.5 و 25.5 مليار م م فقط، الأمر الذي يُهدّد قرابة 5 ملايين فدان مصري بالبوار أي أكثر من نصف الرقعة الزراعية الحالية، مع انخفاض في توليد الطاقة والكهرباء من السدّ العالي بما قيمته (4500 جيجاوات) أي بما يعادل 37% مع حدوث عجز كلّي في توليد الكهرباء.

ويقدر عدد السكان الريفيين المتضررين الفاقدين لدخولهم نحو 20 مليون نسمة وهو نصف عدد السكان الزراعيين.

خلاصة القول إن مصر في خطر وأمنها القومي يتعرض للتهديد بعد أن رفضت أديس أبابا كل اقتراح قدمته مصر أو السودان بشأن كيفية المضي قدما في المفاوضات ولم تفلح القوى الدبلوماسية الناعمة في مواجهة تعنت إثيوبيا الماضية في إجراءاتها الآحادية.

اقرأ أيضًا..فيديو| السيسي لإثيوبيا عن مياه النيل: «اللي عمله ربنا مش هيغيره بشر»

ورغم تمديد المباحثات ليوم إضافي بعد تدخل الرئيس الكونغولي فليكس تشيسكيدى إلا أن إثيوبيا أصرت على رفضها اقتراح مصر والسودان بتوسيع الوساطة في جولة قادمة تشمل رباعيا دوليا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية برعاية من الاتحاد الإفريقي للمساعدة في حل النزاع.

وسدت بذلك أديس أبابا الطريق أما "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ المفاوضات بكل ما تعنيه من آمال كانت تتطلع إليها الشعوب الثلاثة في التوصل إلى حل يحقق التنمية لجميع الأطراف.

ولعل وصول دونالد بوث، المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، إلى المنطقة قد دغدغ تلك الآمال بما انطوى عليه من رغبة أمريكية في دفع الأطراف إلى التوافق على حل دبلوماسي.

لكن لا يبدو أن سياسة الرئيس بايدن حاسمة تجاه هذه القضية حيث صدرت تصريحات من الرئاسة الأثيوبية عشية زيارة بوث لها ولقائه بنائب رئيس الوزراء لتؤكد أن أديس أبابا على أهبة الاستعداد للمرحلة الثانية من استكمال ملء السد الضخم "باتفاق أو بدونه" مع القاهرة والخرطوم.

ولم يعد خاف على المراقبين للموقف الإثيوبي المتعنت أن هناك أطرافا دولية وإقليمية تدعم استمرار أديس أبابا في مخططها لملء السد، كما أنه ليس سرا أن تلك الدول هي نفسها التي تسعى للسيطرة على المياه حيث أن "سلاح المياه" مرجح ليكون الأقوى في صراعات النفوذ خلال العقود المقبلة؛ لذلك تغازل تلك الدول إثيوبيا لشراء المياه العذبة بعد أن تحولها أديس أبابا إلى سلعة ولها ثمن، كما أن الوعود مغرية بشراء الطاقة الكهربائية المولدة من السد فور بدء تشغيله.

وفشل مفاوضات هذا الأسبوع بعد عشر سنوات كاملة من الرفض الإثيوبي للتعاون مع مصر يضع الاتحاد الأفريقي في موقف محرج لأن الاعتراف بفشل رعايته يعني أن بإمكان مصر والسودان الآن مناقشة القضية مع مجلس الأمن الدولي ومواصلة كلا البلدين لجهودهما الدبلوماسية لكسب المزيد من الدعم الدولي لقضيتهما.

اقرأ أيضًا..فيديو| أول رد فعل من الرئيس السيسي بعد فشل مفاوضات حول سد النهضة

كما لا يمكن أن يغفل أي متابع للقضية التراخي عبر السنوات الماضية الذي يتسم به الموقف الأمريكي، ولا يُستثنى منه االبنك الدولي.

لذلك فمن غير المستبعد -بعد أن أوصلت إثيوبيا المفاوضات إلى طريق مسدود- أن يتأجج الصراع حيث لا يمكن أن يتم مساومة مصر والسودان على حقهما في المياه الذي هو حق في الحياة، وسيكون هناك أدوات متعددة لهذا الصراع الذي تُجرّ إليه مصر اضطرارا وليس اختيارا، وسيكون المتاح فقط هو الاختيار بين تلك الأدوات وفقا لما تراه القيادات السياسية في البلدين وبما يناسب المرحلة ويحافظ على حقوق 250 مليون مواطن يعتمدون على نهر النيل.

اقرأ أيضًا..ألفة السلامي تكتب: الدروس المستفادة من حادث السفينة

القضية الآن باختصار تجاوزت الحلول التقنية والبحثية والتعاونية التي كانت تبحث عنها مصر طيلة السنوات الماضية وأضحت تتصل بمصير البشر والزراعة والأمن القومي وهو الأمر الذي يحتاج إلى مقاربات مختلفة ستلقى بالتأكيد كل الثقة والدعم والالتفاف من المصريين حول قيادتهم ومفاوضيهم.

تابع موقع تحيا مصر علي