عاجل
الثلاثاء 05 نوفمبر 2024 الموافق 03 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: الدروس المستفادة من حادث السفينة

ألفة السلامي- ارشيفية
ألفة السلامي- ارشيفية

نجاح عملية تعويم سفينة الشحن الجانحة في قناة السويس تصدّر نشرات الأخبار في شتى أنحاء الكون بعد أن أعاقت حركة المرور في واحدة من أهم نقاط التجارة البحرية في العالم. لم تكن عملية تعويم السفينة "إيفر جيفن" سهلة بل كتمت أنفاس المصريين، بل وكل المعنيين بالتجارة الدولية.

وتمثلت الصعوبات في كون السفينة عملاقة حيث يبلغ وزنها 220 ألف طن وطولها ربع ميل تقريبًا وسعتها 20 ألف حاوية، وخطورة التوقف في خليج السويس داخل البحر الأحمر تعني إغلاق الممر البحري بالكامل والذي يستقبل ما يصل إلى 12٪ من التجارة البحرية في العالم، حيث تمر عبره 20 ألف حاوية سنويا تشمل كل شيء من النفط والغاز وصولا إلى الأدوية والسلع الغذائية.

وما زاد من حدة الضغوط التي تعرض لها مسئولو إدارة الأزمة في هيئة القناة أن أي احتمال لإطالة الأزمة يعني مزيدا من الخسائر لمصر تصل إلى 15 مليون دولار يوميا، وكذلك ضربة أخرى لسلاسل التوريد العالمية بعد عام "وحشي" مليء بالتأخيرات والنقص وضغط الأسعار على خلفية جائحة فيروس كورونا. ولكن على قدر المخاطر والمخاوف جاء النجاح في تعويم السفينة بمثابة الانتصار بعد أيام شديدة الوطأة مرت على المصريين وكأنها سنوات! وبعد هذه الانفراجة، من الضروري استخلاص الدروس المستفادة من هذه الأزمة.

أول الدروس يتمثل في أنه لأول مرة تتعرض سفينة جانحة بهذه الحمولة الكبيرة إلى حادث من هذا النوع ويتم تعويمها بنجاح دون تفريغ حمولتها وبلا تداعيات فنية حيث لا يمكن إغفال المخاوف التي سيطرت على الخبراء من انشطار السفينة. وقد تم الحفاظ على السفينة والحمولة دون المرور إلى السيناريو الموالي الأكثر تعقيدا والذي كان سيتطلب ثلاثة أشهر أخرى لتفريغ حمولة السفينة حسب ما جاء في تقرير "مورجان ستانلي".

وهذه الأزمة من شأنها أن توجه الحكومة وهيئة القناة إلى التفكير في ضرورة توفير المزيد من القاطرات والجرافات القوية ليناسب السفن ذات الحمولة الكبيرة، خاصة بعد إنشاء المجرى الملاحي الجديد لقناة السويس الذي يسمح بمرور سفن عملاقة. كما أن إتاحة هذه القاطرات ذات المواصفات الخاصة يجب أن يكون في الجانبين، شمالا وجنوبا. وجدير بالذكر إن عملية تعويم السفينة الجانحة شاركت فيها 12 قاطرة مملوكة لهيئة قناة السويس، وضمت قاطرتين جديدتين (مصطفى محمود وعبد الحميد يوسف) تم تدشين العمل بهما لأول مرة خلال هذا الحادث وساهما بلا شك في نجاح التعويم بشكل كبير. وهذا يقود أيضا إلى التفكير في استمرار الاستثمار في العقول والأيادي المصرية الذين نجحوا بامتياز بنفس روح وعزيمة العبور في حرب 1973.

لست ممن يميل للمبالغات، لكن شعرت كما شعر الكثيرون أن سمعة مصر وسمعة الممر الملاحي الأهم والأكبر في العالم ألا وهو قناة السويس كانت معلّقة على كاهل الهيئة وأبنائها. وهذا الاختبار خير شاهد على أن "الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون" وهذه كانت رسالة من القيادة السياسية في مصر لمن يعنيه الأمر!! أما الدرس الخاص بالإعلام فيؤكد أن السبيل الوحيد للقضاء على الشائعات والأخبار المغلوطة خاصة خلال إدارة الأزمات هو التواصل الجيد مع وسائل الإعلام والتحرك الفوري لعقد مؤتمر صحفي وإصدار بيانات وتحيينها، وهو أمر لا بديل عنه لوقف ترويج الشائعات.

وقد حدث تأخير في هذا التواصل المفترض -ربما يمكن تفهم أسبابه- لكن الوقت في الأزمات لا يرحم ويترك الفرصة لملء الفراغ وبالتالي سقوط الزملاء الصحفيين في أخطاء مهنية قاتلة وبث أخبار غير صحيحة. ويمكن تدارك كل ذلك وسد الثغرات بالتواصل مع الصحافة دون تأخير.

اقرأ أيضًا..ألفة السلامي تكتب: ثلاث دروس من سيرة نوال السعداوي

الدرس الأخير هو أن يكون هذا الحادث مناسبة للتعرف من جديد على قدرات قناة السويس التي تدركها جيدا القوى العظمى، كما أدركها من قبل الاستعمار، لكن بعض الأجيال الجديدة ربما يجهلون قيمة قناتهم! قناة السويس هي المنحة الجيو- استراتيجية التي تتمتع بها مصر، وستظل على الدوام، ويعود الفضل فيها لعبقرية المكان كما عبر عن ذلك العالم الكبير جمال حمدان منذ عشرات السنين؛ ولابد أن تدفع من فقدوا الثقة أو ضعف وقود الإرادة لديهم أن يعيدوا حساباتهم ويسترجعوا ثقتهم في وطنهم ومقدراته. وربما بسببها تبقى مصر على الدوام "مطمعا"، ولكنها أيضا مستعصية في مواجهة تلك المطامع إذا ما حولت قدراتها في ميزان القوة لديها لتصبّ في تعزيز مكانتها وأدوات تفاوضها حول مصالحها وفرض كلمتها على المستوى الإقليمي والدولي.

تابع موقع تحيا مصر علي