ألفة السلامي تكتب: "ابن أمه" ومسلسل العنصرية في قصر باكنجهام
ADVERTISEMENT
قصة حب الأمير هاري وميجان ماركل التي تمردت على العائلة الملكية في بريطانيا مازالت تثير العواصف في قصر باكنجهام وتعيد للأذهان عواصف رعدية مماثلة في التسعينيات واكبت قصة الأميرة ديانا ومعركتها ضد التقاليد الملكية.
ويبدو أن الأمير هاري هو "ابن أمه"وهي قدوته ومثله الأعلى كما سبق وكتب بنفسه رسالة بهذا المعنى بمناسبة العام الجديد 2021 على الموقع الإلكتروني لمنظمة "آرتشويل" الخيرية التي أسسها مؤخرا مع زوجته ميجان.
ولم يعد هناك أي شك الآن في أن هاري هو ابن الأميرة ديانا بيولوجيا وسلوكيا أيضا، وأن زوجته ميجان هي ديانا "الجديدة" التي هزت تصريحاتها النارية العرش البريطاني خلال حوار دام ساعتين أدارته نجمة التلفزيون الأمريكي أوبراوينفري مع الزوجين وشاهده 50 مليون متفرج من شتى أنحاء العالم. ولم يكن الحوار دعوة فقط لاستيقاظ العائلة الملكية من مزاعمها بأنها عائلة متجانسة وإنما دعوة أيضا لاستيقاظ العالم بأسره لإعادة تقييم علاقته بدولة يبلغ عمر عرشها أكثر من 12 قرنا وتفخر بتدريس الحرية واحترام الاختلاف لشعوب الأرض قاطبة.
ويبدو أن استقلال الزوجين عن العائلة الملكية في بريطانيا وتخليهما عن لقب السمو الملكي قبل نحو عام جعلهما يتحدثان بكل أريحية ويفتحان صندوق الذكريات المؤلمة ويبوحان بالأسرار الخطيرة لصديقتهما أوبرا وينفري عبر شاشة "سي بي اس" ليكشفا الجو الأرستقراطي المشبع بسموم العنصرية داخل قصر باكنجهام الذي اتهماه بتنظيم حملة تشويه ضد ميجان من خلال إحدى الصحف التي روجت لقصة كاذبة مفادها أن ميجان أساءت معاملة مساعديها وتنمرت ضدهم وقد أنصفها القضاء مؤخرا وحكم لها بالتعويض.
وعزا هاري قرارهما بمغادرة انجلتراللعيش في الولايات المتحدة الأمريكية إلى العنصرية وأنهما لم يتلقيا الدعم من العائلة الملكية عندما عبرا عن حاجتهما للمغادرة. وكشفت ميجان عن معاناتها من تدهور صحتها النفسية خلال فترة وجودها داخل القصرالملكي لدرجة تفكيرها في الانتحار، قائلة: "لم أكن أريد أن أعيش".
وأضافت أنها سعت للحصول على مساعدة من فرد بارز بالعائلة، ولكنها لم تتلق أي رد. كما فجرت ميجان في المقابلة مفاجأة مخزية في حق العائلة حين ذكرت أن ابنها آرتشي، الذي يبلغ عمره الآن 22 شهرا، حُرم من لقب أمير بسبب مخاوف داخل العائلة الملكية، بشأن مدى سمرة بشرته حتى قبل أن يولد! ويبدو أن ميجان لم تكن تتوقع أن الحياة كأميرة ستكون أصعب من حياة النجمة كما أنها لم تتأمل جيدا سيرة حماتها الأميرة ديانا ولم تتعلم من درسها القاسي.
فهل كانت تظن أن أفراد العائلة التي اختارت الزواج منها سعداء بالحياة التي يعيشونها؟ الحقيقة انكشفت عندما بدأ الواقع بتفاصيله يثقل كاهلها؛ بكت ميجان وبحثت عن جمهور التلفزيون الدولي العريض للتعاطف معها! ولعل مسلسل "التاج" الذي عرضته منصة "نتفليكس" مؤخرا يتيح تكوين نظرة عن العائلة الملكية ومقاومتها لمحاولات تغيير التقاليد على مدى عقود طويلة بل وعزلها لأفراد منها ولفظهم عندما أصروا على ذلك.
وكان زواج ميجان وهاري عام 2018 - والذي تابعه ما لا يقل عن ملياري مشاهد- قد روّج لصورة جذّابة للعائلة الملكية المنفتحة على العالم و تنوعه العرقي والثقافي والمرحبة بالتحديث داخلها متمثلا في قبول ميجان الملونة كفرد من أفرادها وهي ذات الأصول الأمريكية الإفريقية، المنتمية لعائلة متوسطة اجتماعيا و المتحمسة لأفكار تحررية منسجمة مع عملها في الفن.
وقد أعطى هذا الزواج الأمل أيضا لشرائح عريضة من الشعب البريطاني وكذلك شعوب الكومنولث من 54 دولة من سائر الأعراق و المنضوية تحت العلم البريطاني، معتبرين ميجان خير تمثيل لهم داخل العائلة الملكية لأول مرة.
لكن الصورة المغايرة التي كشفتها ميجان خلال الحوار بعد ثلاث سنوات فقط من الزواج تعكس أن الأزمة التي تعانيها في الاندماج مع العائلة الملكية ليست مجرد خلاف عائلي بل صراع فكري أكبر وأكثر خطورة سببه العنصرية البغيضة التي يتصف بها بعض أفراد العائلة والتمييز لصالح "التفوق الأبيض" و"نقاء السلالة الملكية" وعدم اختلاطهم بعامّة الناس بل واحتقارهم لهم! ويتضح بذلك أن أزمة ميجان ما هي إلا حلقة جديدة في مسلسل أزمات ممتدة داخل العائلة الملكية منذ تخلي الملك ادوارد الثامن عن العرش لاختياره حبيبته الأمريكية، مرورا بقصص سارة فيرجسون والأمير أندرو، وصولا لمأساة ديانا وفاجعة موتها مع عماد الفايد.
اقرأ أيضًا..ألفة السلامي تكتب: تحذير للعاملين في السعودية والمعتمرين والحجاج
وهذا الصراع وتداعياته السياسية والاجتماعية على بريطانيا، في عالم معاصر أصبح لا يتهاون مع الخطاب العنصري والممارسات التمييزية، قد يقود إلى وقفة حقيقية داخل العائلة الملكية ويستدعي تبنيها دفعة جديدة من أنماط التحديث للتقاليد الملكية من أجل مواجهة أخطر الاتهامات التي طالت القصر ألا وهي العنصرية وإنقاذ سمعتها.
كما أن هروب هاري وميجان وقول "لا" للعنصرية يدفع العالم إلى إجراء مناقشات صحية حول ما إذا كان عليه أن يواصل الانحناء احتراما للعائلة الملكية وتقاليدها أم يجب أن يقلب الصفحة بدلاً من ذلك ولا يقبل البيئة المسيئة حتى لو كانت داخل القصور الملكية الرائعة.