النائب عمرو عزت حجاج يكتب: إقرأوا التاريخ .. لعلكم تفقهون
ADVERTISEMENT
كانت دائما العلاقات بين المصريين يسودها التناغم والصفاء، بغض النظرعن الانتماء الدينى او المذهبى، وذلك بحكم ان ما يقتسمونه من مصير واحد فى الافراح والاتراح ، حيث تمكن خير النيل الصافى من تنقية قلوبهم بالمحبة والود ، وتمكن توسط الموقع من تعزيز روح التسامح فى نفوسهم ، وحتى عندما كان مرض الطائفية ينجح فى التسرب الى مصرنا الحبيبة ، ما تلبث ان تنجح فى التغلب عليه فى الوقت المناسب .
لم أجد فى مصر فرقاً بين المصريين
عندما دخل الاحتلال
البريطاني الى مصر ، سعى رجاله الى تفريق المصريين
ما بين مسلم وقبطى ، بحجة ان الاقباط هم أشقاء لهم فى الدين ، فأثبت الاقباط أن رحم
الوطن أقرب وأقوى ، حتى ان اللورد كرومر رجل الاستعمار البريطانى الشهير لم يملك بعد
خروجه من مصر الا أن يسجل فى كتابه الشهير "مصر الحديثة" مقولته الخالدة
" لم أجد فى مصر فرقاً بين المصريين ، الإ أن أحدهما يذهب عند الصلاة الى المسجد
، والأخر إلى الكنيسة ".
فى نهاية العقد الأول من القرن العشرين ،عندما نفثت
إلى صدور المصريين بعض مشاعر الطائفية البغيضة على أثر مقتل بطرس باشا غالى رئيس وزراء
مصر لأسباب سياسية ، ما لبث أن أسرع عقلاء المصريين من المسلمين والاقباط فى إطفاء
نيران الفتنة ، حتى أن نجل الفقيد الأكبر "واصف باشا غالى" - أحد أبرز قيادات
ثورة 1919 و وزير خارجية مصر فى ظل حكومة الوفد فيما بعد – أن أعلن بصوت جهور أن وحدة
المصريون أهم من دماء أبيه.
وتأتى ثورة ١٩١٩ لتتويج هذه الوحدة الوطنية ولتقدم الدليل الأكيد عليها
ففى يوم
٢٠ إبريل ١٩١٩م وهو الموافق لعيد الفصح عند الطوائف المسيحية ، ولكنه إنقلب فى هذا
اليوم إلى عيد قومى عام ظهر فيه التضامن بأجلى مظاهره ، فقد ذهبت وفود المسلمين إلى
دار بطريركية الأقباط الأرثوذكس والبطريركية المارونية مهنئين إخوانهم الأقباط بعيدهم
، وهناك خطب الخطباء من العنصرين فأكدوا بذلك روابط المودة والإخاء بينهما . . ولم
تكن المرأة المصرية بأقل حرصاً على قيمة الوحدة الوطنية ، ففى ٢٤ إبريل ذهب وفد من
السيدات القبطيات إلى مسجد السيدة زينب حيث كان فى إنتظارهن فريق من السيدات المسلمات
، وقد ذهب أولئك لرد التهنئة لهؤلاء فكان ذلك حادثا فذا فى التاريخ .
كما أفرزت ثورة 1919 شخصية القمص سرجيوس ، رجل الدين المسيحى الذى لم يتردد أن يشارك إخوانه من رجال الأزهر الشريف فى حث المصريين على الثورة ضد الاحتلال البريطانى ويتحمل فى سبيل ذلك النفي والسجن ، ومن مواقفه الخالدة أنه صعد يوماً منبر الجامع الأزهر مرددا بأعلى صوته " أنا مصري أولاً ومصري ثانياً ومصري ثالثاً لا فرق بين مسلم ومسيحي و إذا كانت الحال تدعو لتضحية بمليون قبطى فى سبيل الحرية بل وبسائر المصريين فإن التضحية واجبة وثمنها غير ضائع ".
عمرو عزت حجاج يكتب: ماذا جرى لمصر؟ أقباطاً ومسلمين
أيضا أفرزت ثورة
1919 شخصية مصرية عظيمة وهى شخصية مكرم عبيد باشا ، الزعيم الوفدى الشهي ، والذى وصفه
الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه "الاقباط فى السياسة المصرية – مكرم عبيد ودوره
فى الحياة السياسة " بأنه مهندس الوحدة الوطنية" ، وهو بحق كان ذلك ،
فقد أخذ الرجل يستغل ملكته اللغوية فى تدبيج الخطب الحماسية لحث المصريين على الوحدة
الوطنية ونبذ الفرقة ، فنجده يحدثنا فى إحدى خطبه " نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا،
اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارًا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك ، وللوطن
مسلمين".
رداً على عبدلله رشدى
..والحق لست أخفى
أننى أورد هذه الوقائع التاريخية ردا على الفتوى التى أصدرها المدعو- عبدالله رشدى
- والتى أكد فيها عدم جواز تهنئة النصارى بأعيادهم
لأن ذلك تعاونا على الإثم والعدوان .. فتوى من رجل - إن جاز لي التعبير - قليل البضاعة العلمية ، ويرتزق دوما من الجدل العبثى والفتاوى الشاذة التى لا محل له من الإعراب ، خصوصا بعد تأكيد الأزهر
الشريف على أن تهنئة شركاء الوطن بأعيادهم من سماحة الأسلام ومحبته
.. أيضا لست
أخفى أننى أتمنى على ضرورة أن تستعيد مصر وجها
الحضارى اللائق بها كى تصبح أعياد المسلمين والأقباط أعيادا قومية عامة تؤكد على تمسك
الجميع بالوحدة الوطنية وعلى إحترام كل طرف لمعتقدات الأخر.
واخيرا
لا أملك بعد ذلك ألا أن أعود ودون ملل إلى تكرار
الأسئلة الملحة على وجدانى .. ماذا جرى لمصر أقباطا ومسلمين ؟ ومن المسئول عن ذلك ؟
ومتى تتخلص مصر من مرض التطرف الديني .. وكيف ؟
وللحديث بقية