هل قدمت مصر للإنسانية أقدم النظم التشريعية والإدارية؟
ADVERTISEMENT
قدمت مصر للإنسانية أقدم النظم التشريعية والإدارية. فعلى ضفاف نيلها نشأت أقدم حكومة منظمة شيدت الحضارات الإنسانية العظمى وعلى مدى العصور تعاقبت الحضارات المصرية الشامخة وازدهرت استناداً إلى أسس قوية وراسخة فى نظم وفنون الحكم والإدارة.
فقبل نحو 5200 عام، استطاع الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى توحيد الوجهين القبلى والبحرى ( الجنوب والشمال) فى مصر فى دولة موحدة، ووضع أقدم النظم التشريعية فى التاريخ الإنسانى عندما جعل من قانون تحوت، إله الحكمة، القانون الموحد السائد فى مصر بكاملها، واتخذ من مدينة منف عاصمة ومركزاً إدارياً لأول دولة مركزية موحدة فى التاريخ، تمتلك جهازاً منظماً فى الحكم والإدارة والقضاء والتعليم والشرطة والجيش وغيرها .
أسفل الطريق الإقليمي..محافظ الشرقية يوافق علي طلب النائب أحمد عبد الجواد لإنشاء كوبري يخدم قرية النعامنة بمنيا القمح
وتدل آثار الحضارة الفرعونية على مدى ما بلغه المصريون من تقدم فى نظم الحكم والإدارة . فكان الملك ( الفرعون) على رأس الدولة، وهو يعين الخازن الأعظم أو جابى الضرائب .. وكان يوجد عدد كبير من الموظفين يعينون بمرسوم ملكى ويتدرجون فى وظائفهم . كما طبقت مصر منذ عصر الدولة القديمة نظاماً ناجحاً للحكم المحلى.
ومنذ الأسرتين الثالثة والرابعة من الدولة المصرية القديمة ظهرت المراسيم والتشريعات المختلفة مثل التشريع الذى حدد أوقات عمل الفلاح . ومثل تشريع الملك منكاورع الذى استهدف محاربة السخرة .
ونستطيع أن نتبين مدى التقدم والتنوع فى المهام التى تؤديها الدولة من مطالعة نقوش مقبرة رخمي رع رئيس وزراء ورئيس قضاة الملك تحتمس الثالث على جدران مقبرته فى طيبة ، إذ تحتوى على تسجيل كامل للتشريعات الخاصة بشرح أعمال الوزير ووظائفه .
وفى عصر الدولة الفرعونية الحديثة برز دور الملك حور محب الذى يعد من أهم المشرعين فى تاريخ الإنسانية .. حيث تميزت تشريعاته بالطابع المدنى بعيداً عن الاعتبارات الدينية ، كما اهتم بإصدار العديد من القوانين التى تنظم العلاقة بين الفرد والسلطة الحاكمة .. كما كان لتشريعاته فضل السبق فى ترسيخ فكرة الحريات والحقوق العامة مثل حرمة المسكن وحرمة الطريق، كما أكد فكرة أن الوظيفة العامة هى خدمة للشعب وليست وسيلة للتسلط عليه .. وأن الموظف العام خادم للشعب وليس سيداً عليه.
وقد تركت الحضارة الفرعونية العديد من آثار وشواهد هذا التطور الإدارى والتشريعى من بينها النص الذى وجد فى مقبرة الأميرة .أيدوت بمنطقة سقارة والذى يعد أقدم تشريع ضرائبى فى التاريخ.
وكثيراً ما سجل المصريون القدماء على معابدهم ومقابرهم صور الملك وهو يقدم ماعت رمز العدالة والقانون إلى الآلهة ، فى إشارة واضحة إلى تقديس مفاهيم وقيم العدل وسيادة القانون.
وعقب دخول الاسكندر الأكبر مصر عام 330 قبل الميلاد بدأ الحكم اليونانى لمصر، وبعد وفاة الاسكندر جاءت فترة الحكم البطلمى ثم الرومانى .. ورغم قسوة الحكم الرومانى فقد استطاع المصريون الحفاظ على معظم تقاليدهم ونظمهم وعاداتهم حتى دخلت المسيحية مصر فى النصف الأول من القرن الأول الميلادى، حيث أسهمت الكنيسة المصرية فى ترسيخ العديد من الأنظمة والتقاليد .
وفى العصر الإسلامي استمدت نظم الحكم والتشريع من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة استناداً إلى مبدأ الشورى الذى يعد أحد المبادئ الأساسية فى نظم الحكم فى الإسلام .
وعندما أصبحت مصر عاصمة للخلافة الفاطمية (969 ـ 1171م)تطورت نظم الحكم والتشريع ، كما تم تخطيط مدينة القاهرة كعاصمة لمصر وللخلافة الإسلامية.
وفى عصر الدولة الأيوبية (1171 ـ 1250م) أصبحت القلعة مقراً للحكم ومركزاً للسلطة وتنوعت المجالس التشريعية والقضائية. فأقيم مجلس للعدل ومجلس للنظر فى المظالم وغيرهما .. وقد تضمنت أعمال هذه المجالس إصدار التشريعات والقوانين وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية .
وفى عصر المماليك (1250 ـ 1517 ) شيد السلطان الظاهر بيبرس دار العدل بقلعة صلاح الدين الأيوبى لتكون مقراً للحكم .. وكانت اختصاصات مجلس الحكم فى ذلك العهد تشمل إصدار التشريعات وتنفيذها وفض المنازعات علاوة على عقد المفاوضات مع الدول المجاورة .
وفى العصر العثمانى (1517 ـ 1805) كانت المحاكم الشرعية هى النظام المطبق فى مصر، وكان القضاة يطبقون الأحكام من الشريعة مباشرة على كل المنازعات المدنية والجنائية والأحوال الشرعية ، وظل هذا الأمر قائما حتى نهاية القرن الثامن عشر .
وقد شهدت مصر فى السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر تطورات سياسية واجتماعية هامة على مستوى الفكر والممارسة .
ففى عام 1795 وبعد أقل من ست سنوات من الثورة الفرنسية ، شهدت القاهرة انتفاضة اجتماعية سياسية كبرى من أجل الحقوق والحريات وسيادة القانون ، برزت فيها بصورة قاطعة مواقف القوى الوطنية والقيادات الشعبية من قضايا الشعب، وتبنت فيها طلائع هذه القوى المطالب الوطنية فى العدالة والمساواة والحرية .
ففى إطار تصاعد المقاومة الشعبية ضد الوالى العثمانى والمماليك . كانت مصر على شفا ثورة شعبية هائلة أفضت إلى انتزاع العلماء والزعامات الشعبيةحجة مكتوبة من الوالى العثمانى والمماليك. وكانت هذه الحجة بمثابة ماجناكارتا مصر الأولى حيث تطلعت إلى وضع ضوابط واضحة للعلاقة بين الفرد والسلطة بشأن عدم فرض مغارم أو ضرائب بغير موافقة علماء الأزهر بوصفهم ممثلى الشعب .