ألفة السلامي تكتب: لماذا أقال ترامب وزير دفاعه؟
ADVERTISEMENT
على عكس عادة الرؤساء الخاسرين الذين يبقون قيادات البنتاجون في مناصبهم حتى يوم التنصيب للحفاظ على الأمن القومي، جاء طرد الرئيس ترامب المفاجئ لوزير دفاعه مارك إسبر بمثابة الصفعة التي أذهلت القيادة العسكرية الأمريكية في وقت كانوا يتوقون إلى الاستقرار في المرحلة الانتقالية لحين تنصيب الرئيس الجديد جو بايدن. وهذه الخطوة غير المسبوقة من طرف ترامب لم يقدم عليها تاريخيا أي من الرؤساء الثلاثة الذين سبق وخسروا الانتخابات لولاية ثانية - جيرالد فورد وجيمي كارتر وجورج بوش – حيث أبقوا على وزراء دفاعهم في مكانهم حتى يوم التنصيب.
ترامب الذي مازال لديه ما يدهش به العالم حتى بعد خسارته الانتخابات أعلن "إنهاء" مهمة إسبر بـ "تغريدة" ضاربا عرض الحائط بالتقاليد التاريخية المتعارف عليها منذ إنشاء وزارة الدفاع عام 1947 والتي تعطي الأولوية القصوى للاستقرار في البنتاجون أثناء التحولات السياسية. وقد فاجأ ترامب الجميع بإقالة إسبر بما في ذلك الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والذي كان يتناول الغداء مع كبار مسؤولي البنتاجون. وما يزعج القادة العسكريين ويستفزهم أن ترامب مازال مستمرا في "ملحمة مصارعة الثيران" ناكرا الهزيمة، متماديا في وضع مصالحه الشخصية قبل مصالح بلاده ومستعدا لتخريب الأمن القومي لتهدئة غروره، مما يؤكد أن الولايات المتحدة ورئيسها الجديد سيواجهان فترة انتقالية صعبة لحين تولي بايدن الرئاسة.
ويثير تخلص ترامب المفاجئ من إسبر وما تلاها خلال الساعات الماضية من تحركات العديد من التساؤلات حول ما ينوي الرئيس القيام به في الأيام المقبلة قبل مغادرته منصبه، بما في ذلك التعديلات المحتملة حول وجود القوات العسكرية في الخارج.
ولعل المتابع لتطور العلاقة بين ترامب ووزير دفاعه خلال الشهور الأخيرة قد لا يستغرب تلك الإقالة. كان ولاء اسبر للرئيس ترامب في البداية قوياً لدرجة أنه أثار قلق بعض القادة العسكريين. لكن اقتربت علاقتهما التي امتدت لنحو 16 شهرا من الانهيار بداية الصيف، عندما عارض اسبر رغبة ترامب في استخدام قانون التمرد لنشر قوات أمريكية لقمع الاحتجاجات العرقية المطالبة بالعدالة في العاصمة واشنطن وفي مناطق أخرى في أعقاب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة. وعلى الرغم من إن إسبر رافق ترامب في مسيرته الشهيرة حاملا في يده الكتاب المقدس بعد أن تعرض المتظاهرون للغاز المسيل للدموع، إلا أنه عبر عن ندمه على ذلك حيث ادعى أن الرئيس "خدعه" بينما كان يظن أن الجولة من البيت الأبيض إلى كنيسة القديس يوحنا القريبة لمشاهدة الأضرار في الكنيسة وتفقد قوات الحرس الوطني في المنطقة. وقال إسبر للصحفيين إن ولاءه للدستور وليس للرئيس وأنه يجب الاستناد إلى قانون التمرد "فقط في المواقف الأكثر إلحاحًا والأكثر خطورة".. و "لسنا في واحدة من تلك المواقف الآن".. كان ذلك بالنسبة لترامب أمرًا لا يُغتفر لأنه أوحى بعدم الولاء من جانب وزير دفاعه. ويبدو أن إسبر اتضح له منذ تلك الواقعة أن بقاءه في المنصب "على كف عفريت". وقد ألمح ترامب في أغسطس الماضي إلى وضع إسبر المهتز عندما رد على سؤال أحد المراسلين حول ما إذا كان لا يزال يثق في قيادة إسبر وعما إذا كان يفكر في إقالته، قائلا: "في مرحلة ما هذا ما يحدث". وبالفعل لم تنجح محاولات أعضاء بمجلس الشيوخ الجمهوريين في إقناع ترامب بالتخلي عن هذه الخطوة المزعزعة للاستقرار.
ومازال الغموض سائدا حول هدف ترمب من تفجير الموقف في هذا التوقيت الصعب والذي انتهى بإقالة اسبر مما جعل المسرح السياسي مزدهرا بالتخمينات المتضاربة، خاصة في ضوء تعيين ترامب لكريستوفر ميلر وزيرا للدفاع بالوكالة، والذي يشغل منصب كبير مستشاري ترامب في قضايا مكافحة الإرهاب ومدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، متجنباً بذلك تعيين المسؤول الثاني في البنتاجون ونائب وزير الدفاع ديفيد نوركويست.
وفي إطار تلك التخمينات الرائجة، هناك من يرى إقالة إسبر مجرد عمل من أعمال اللغط من قبل رئيس غاضب من خسارته في الانتخابات، بينما هناك من يعتقد أن هذا التعديل الوزاري له هدف أعمق وربما أكثر أهمية وتأثيرا على الأمن القومي الأمريكي.
وبالعودة إلى تعليق روبرت جيتس، الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، فإن الإقالة هي مجرد انفعال يعكس تهور ترامب الذي يتخلى عن قيادته في البنتاجون أثناء انتقال السلطة بعد إتمام الانتخابات - وهو الوقت الذي يمكن فيه للخصوم الاستفادة من أي ضعف أو ارتباك أمريكي على حد قوله. ويتفق مع هذا الرأي مسؤول كبير سابق في البنتاجون من الحزب الجمهوري واصفا خطوة ترامب بانها "مجرد تعبير عن حقد" وأنها لن تنطوي على تأثير يذكر على العمليات، ومطالبا بعدم القلق وأنه لن يكون هناك أي تأثير على الإطلاق على القيادة العسكرية لأنها منظمة بالشكل الذي يمنع التغييرات المفاجئة في القيادات من التأثير على استعداد الجيش أو عملياته.
وعلى الرغم من هذه الثقة، فإن ارتباكا مفاجئا يلقى بظلاله على القيادة العسكرية. وعبر عن ذلك بعض مسؤولي البنتاجون وتوقعوا أن الرئيس ترامب ربما يهدف إلى التسريع في عمليات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق لتقوية إرثه في الحكم وعمل بروباجاندا تحسن صورته رغم كون هذه الخطوة ضد نصيحة عسكرية بجعل الانسحاب محدودا بحيث يتم تقليل القوات الأمريكية فقط، وهي البالغة حاليا 4500 في أفغانستان ونحو 3000 في العراق.
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة
ويرى عدد من القادة الكبار السابقين أن أي انسحاب مفاجئ في أفغانستان أو العراق سيكون معقدًا للغاية بسبب صعوبة لوجستيات نقل المعدات والإمدادات الأمريكية إلى خارج هذين البلدين وارتفاع كلفتها. ومن المحتمل أن ترامب يرغب في أن يمكنه رئيس البنتاجون من إصدار أوامر الجيش باتخاذ خطوات الانسحاب. ولا ننسى أنه حتى تنتهي فترته في 20 يناير المقبل، يظل ترامب القائد الأعلى الذي يجب طاعة أوامره إذا كانت قانونية.
ولعل اختيار وزير دفاعه الجديد ميللر قد يسهل تنفيذ قرار انسحاب القوات من العراق وأفغانستان وهو الذي يتمتع بخلفية طويلة خلال عمله في الجيش وخدمته في الحروب في أفغانستان والعراق، ثم إنشائه بعد تقاعده من الجيش لشركة مقاولات في مجال الدفاع، والتي تتولى نقل معدات الجيش والعمليات اللوجستية. وما يعزز هذه الترجيحات حول خطة ترامب للانسحاب أنه خلال فترة حكمه دائما ما كان النقاش محتدما مع البنتاجون حول استخدام القوات الأمريكية في الحرب داخل العراق وسوريا وأفغانستان وعلى حدود المكسيك.
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: كورونا وضرباته الموجعة!
لكن الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط وقيادة العمليات الخاصة، يقلل من احتمال انسحاب القوات من أفغانستان والعراق حيث يقول إن التسلسل القيادي في الجيش سيحاول إبقاء الأمور ثابتة دون تغيير.
وستثبت الأيام القادمة صحة تلك التخمينات من عدمها وإذا ما كان هدف ترامب من وراء إقالة إسبر مجرد تنفيس عن الغضب أم أنها بحثا عن حليف أكثر ولاء وقادر على تنفيذ انسحاب القوات من أفغانستان والعراق.
ويبدو أن بايدن قد جهز للسيناريو العكسي، أي ذلك الذي يعزز التواجد العسكري الأمريكي في الخارج، حيث ترجح المعلومات أنه سيعين أول امرأة في منصب وزير الدفاع وهي ميشيل فلورنوي والتي عملت فلورنوي عدة مرات في البنتاجون، بدءًا من التسعينيات، ومؤخراً كوكيلة وزارة الدفاع للسياسة من 2009 إلى 2012، والأهم أنها معروفة في الكابيتول هيل بأنها تحظى بترحيب حلفاء وشركاء الولايات المتحدة وأنها تفضل التعاون العسكري القوي بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخارج.
[email protected]