عاجل
الأربعاء 06 نوفمبر 2024 الموافق 04 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب عن أحلام الشباب: الوظيفة.. مندوب مبيعات!

تحيا مصر

هل حلمت يومًا وعملت بجد من أجل شيء ما لفترة طويلة دون أن تحققه؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل كان أحد هذه الأشياء هدفا لم تتمكن من تحقيقه أو الوصول إليه وهل مازال الحلم يحتل رأسك وتورق أغصانه في شجرة عقلك ويدغدغ أمل العودة إليه أفكارك لتحقيقه ولو بعد حين؟!
الحقيقة هي أننا جميعًا فعلنا هذا ومازلنا.. وربما لن يعترف الكثيرون بذلك. حتى أكثر الأشخاص نجاحًا في أعمالهم إما فشلوا في محاولة تحقيق هدف معين لفترة وأجلوه أو استسلموا للتو وربما يكررون المحاولة بعد حين أو يودعون ذلك الحلم للأبد. كلنا بشر حالمون تأخذنا أجنحتنا لنحلق مع الطيور ونلتقط ما زرعناه من أحلام في أرض الطفولة وحقول الشباب ثم تناسيناها مع الأيام أو على الأصح خبأناها في ثنايا العقل.. أليس كذلك؟

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: متحرشون بالرجال!

إذن لنتابع ما حدث مع هذا الشاب الذي تخرج من كلية الإعلام قسم علاقات عامة وتسويق وظل يحاول العمل في تخصصه دون جدوى و قادته الظروف إلى العمل مندوب مبيعات في إحدى الشركات مستسلما بعد أن كره أن يرى نفسه عاطلا لقرابة السنتين. كان ومازال "مندوب المبيعات" أكثر الوظائف المطلوبة والمتاحة بأقل جهد وغالبا ما يتخذها الباحثون عن العمل كمرحلة مؤقتة في انتظار العثور على الأفضل بما يناسب دراستهم وتخصصهم. هكذا ودع الشاب أحلامه في العمل في مجال التسويق والعلاقات العامة و اعتقد أنه قد تجاوزها بعد أكثر من ثماني سنوات فدفعها نحو مساحة نائية في رأسه ظنا أنه من المستحيل أن تأتي الفرصة بها مجددا. لكنه وجد تلك الأحلام تقفز من جديد صبية ناضجة وكأنها لم تبرح عقله لحظة وكأنما كبرت معه طوال سنوات عمره.
إليكم ما حدث. ذهب الشاب في مهمة لإحدى الشركات وأثناء وجوده هناك عاد بقليل من "الفلاش باك" لحياته السابقة. تخرج عام 2009 بعد الأزمة المالية التي أثرت على سوق العمل في العالم كله وجعلت الفرص شبه نادرة. وحاصرت المزيد من الصعوبات طالبي الشغل بعد يناير 2011 لدرجة جعلته يستسلم ويرغب في تولي أي وظيفة جاءت في الطريق.

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: معركة حول "الأستاذ" هيكل!

الأمر المحزن حقا هو عندما يرمي الناس جيل الألفية في الوحل بدعوى الكسل وعدم المخاطرة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن العمل. لكن بصراحة التخرج بعد عام 2008 مثقل بالتحديات، والفرص ليست سهلة على الإطلاق بعد 2011.
لم يكن فقط يتنافس على وظائف مبتدئة مع خريجي الجامعات الآخرين، بل كان يتنافس مع الأشخاص الذين كانوا في القوى العاملة ينتظرون قبله بسنوات فرصة للوظيفة. الأعمال التي درسها الشباب و تدربوا عليها فجأة لم تعد موجودة أو لم تكن متاحة.
استغرق الأمر عامين كاملين بعد التخرج للحصول على وظيفة مندوب مبيعات بدوام كامل في إحدى الشركات. وما دفعه للقبول بها بعد تردد هو أنه أصبح على حافة اليأس نتيجة الحزن الشديد جراء عدم قيامه بشيء بل والأصعب من ذلك هو شعوره بالحرج أمام أسرته ومحيطه. وحدث بلا حرج عن قسوة الشعور بالفشل لأنه لم يستطع الحصول على وظيفة. كان الأمر صعبًا على الجميع، لكنه أكثر صعوبة عليه وهو المعروف بالتميز الدراسي والطموح بلا حدود إضافة إلى أن الهم يتملكه ويقطعه إربا عندما يتولى قلة مختارة الوظائف وهو ليس من بينهم بينما يرى نفسه أجدر منهم بها. الشيء الآخر الذي كان صعبًا عليه هو أنه حصل على شهادة في التسويق و العلاقات العامة ولم يصل إلى عالم التسويق والعلاقات العامة. حاول عدة مرات و اعتقد أنه يفعل الشيء الصحيح من خلال الحصول على دورات تدريب في تخصصه داخل عدة شركات لمساعدته في اكتساب الخبرة لعله يختطف فرصة في إحداها ولكن ذلك لم يكن كافيًا. شعر أن جزءا منه وكأنما تعرض للخداع في أول وظيفة بدوام كامل حصل عليها. ذهب لإجراء مقابلة تحت مسمى "متخصص في التسويق"، و لم تكن في الواقع سوى وظيفة مندوب مبيعات.
لا تفهموني بشكل خاطئ فهذا ليس تقليلا من شأن الوظيفة لأن العمل قيمة كبيرة لا يعرفها إلا من حٌرم منه، إضافة إلى كونه قد حقق بعض الامتيازات المحفزة على الفخر بما أنجزه... كان لديه سيارة من الشركة يتنقل بها مجانا، وبطاقة ائتمان للشركة، ومبلغ كبير من العمولة؛ لكن في نهاية المطاف كانت وظيفة مندوب مبيعات وليست ما درسه وتعب من أجله وتمناه.
ومع ذلك كانت تقفز أحلامه أمامه كل حين. تقدم ثلاث مرات لوظيفة التسويق والعلاقات العامة عندما كانت شاغرة في نفس الشركة التي يعمل بها دون أن يفوز بإحداها. وحتى يشعر بالراحة فكر في أنها ربما ليست مناسبة له أو ليست نصيبه أو قدره. لربما هناك طريق آخر أفضل بالنسبة له. لذلك تخلى عن حلمه في أن يكون مسؤولا للعلاقات العامة والتسويق. كان قبول الأمر الواقع صعبًا، لكن أحاط نفسه بسلام تجاه القرار حتى يستمر في عمله ويستطيع الاجتهاد و التجويد.
بينما كان غارقا في "الفلاش باك" ينتظر في ردهة الشركة حتى يٌسمح له بمقابلة المسؤول، خرج من أحد المكاتب شخص توقف لحظة عنده لتحيته. سأل عن إسمه والجامعة التي درس بها وتذكر على الفور أنهما كانا زميلين في نفس الكلية وفي ذات التخصص. واحتضنا بعضهما بحرارة ودارت بينهما محادثة قصيرة أعلمه له خلالها أنه صاحب الشركة ثم ظهر السؤال: "ماذا تفعل الآن؟" بالطبع من طرح السؤال زميله مالك الشركة. أما صاحبنا فشعر بالجفاف في حلقه وتلعثم لأن الكلمات لم تسعفه وتملكته مشاعر الفشل وخيبة الأمل. ظن صاحبنا أن هدأ بانصراف زميله ولكنه في الحقيقة ظل معه طويلا لا يفارقه كما الحلم لم يبرحه و كانت الصدفة بمثابة تذكير بالحلم الذي عاشه لمدة أربع سنوات في الكلية وسنوات عديدة بعد التخرج.
ومضت عدة أيام واتصل به زميله يدعوه للقاء عاجل وعرض عليه الانضمام إلى الشركة ليعمل مديرا للعلاقات العامة والتسويق بمرتب ضخم. وخلال أقل من سنتين حقق صاحبنا نجاحا باهرا للشركة بفضل أفكاره المبتكرة وتقدمت إلى الصفوف الأولى في مجالها وأصبح عضوا في مجلس إدارتها كما امتلك أسهما فيها.
أعلم أن صاحبنا ليس الشاب الوحيد الذي يتعامل مع ظروف مماثلة حيث نرى في الواقع ما لا يقل عن 70٪ من خريجي الجامعات لا يعملون في المجال الذي درسوه أو تخصصوا فيه. الشيء المدهش هو كم مرة قمعوا مشاعر عدم العمل في تخصصهم وكم مرة تساءلوا عما إذا كانوا يطاردون الأوهام فقط لشق طريق صعب لأن لا أحد يمنحهم فرصة. وكم جلدوا أنفسهم لأنهم قصروا أو لم يتواصلوا بشكل كاف مع الشركات التي يستحقونها أو إذا كان يجب أن يمتلكوا سيرة ذاتية أفضل أو يختاروا تخصصا مختلفا أو كلية أخرى.. أو هل كان من الصواب أصلا الحصول على شهادة جامعية لا طائل منها. كل ذلك يثقل كاهل الشباب ويحملهم بحزن لا طاقة لهم به. والإجابة واضحة لدى صاحب القصة وهي أنه لو كان قد حصل على وظيفة في مجال التسويق والعلاقات العامة منذ اللحظة الأولى لما كان قد حصل على تلك التجربة وتعلم منها وصنعت له الفرصة ليقابل زميله ويعمل معه ما حلم به طويلا ويحقق النجاحات التي أحرزها والتي جعلته مساهما في الشركة، ومن يدري ربما يؤسس قريبا شركته الخاصة.
أريد فقط أن أذكر أنني عرضت هذه التجربة لأنه نادرا ما نجد أشخاصا يتحدثون عن هذا الموضوع، على الرغم من أن الغالبية منا ينتهي بهم الأمر في اتجاه مختلف عما خططوا له في دراستهم الجامعية. ومن المهم أن يدرك الشباب أنهم قادرون ولا بأس بهم وأنهم ليسوا أقل من اختيارهم أو أدنى من أحلامهم بل إن من لديهم "دودة" تؤرقهم وتحفزهم على "غزل الحرير" لا يمكن أن يدفنوها في ركن من العقل كما أن على المجتمع أيضا دورا محوريا في دفع الشباب المحترف نحو تحقيق أهدافهم والمحافظة على رؤوسهم مرفوعة شامخة حتى يصلوا القمة المنشودة!
[email protected]

تابع موقع تحيا مصر علي