ألفة السلامي تكتب: متحرشون بالرجال!
ADVERTISEMENT
لم أتوقع أن أتلقى كل هذه الردود على مقال سابق حول التحرش وضحاياه من السيدات؛ والغريب أن الرجال هم الأكثر تعليقا والأغرب تلك القصص الشخصية التي أوردوها حول تعرضهم للتحرش من قبل نساء. أما الصدمة فهي قصص الشباب الذين يتعرضون لتحرش من رجال مثلهم. ولا أخفيكم أني شعرت بالخجل من نفسي ومن صدمتي التي تعكس أني مازلت لا أعرف مجتمعي بالدرجة الكافية بعد تجربتي الحياتية الطويلة وأنا في الخمسينات من عمري حاليا و كيف أن جهلي هذا هو عيب لا بد من إصلاحه بالمزيد من استكشاف الواقع وتشريحه للتعرف على كافة مشاكله قبل التصدي للكتابة عنه.
ولعل ما نحتاج أن نعي به جيدا أن هناك مجرما جنسيا يعيش/تعيش بيننا في الشارع وفي أماكن العمل والمواصلات وأماكن الترفيه ووسط العائلات الآمنة ويكون غالب الوقت متخفيا في هيئة "محترمة" ومنصب مرموق لدرجة أن لا أحد يساوره الشك حول سلوكه المنحرف و الشاذ!
قال حسن إن أصعب شيء عندما يتعرض الرجل للتحرش من قبيل سيدة هي بكل المقاييس بعيدة عن الشبهات لأنه في هذه الحالة لن تحظى بأي تعاطف أو لن يصدقك بشر على وجه الأرض لو فكرت في فضح أمرها بل ستتجه الاتهامات إليك "ببساطة .. محدش هيصدق إنها هي اللي بتتحرش بيا". حسن في أواخر العشرينات يعمل مهندسا في شركة مقاولات كبيرة وكانت مديرته في العمل سيدة في أواخر الخمسينات، وقد لاحظ منذ البداية أن نظراتها له غريبة وفهم بعد فترة له في العمل أنها تتحرش به جنسيا وتريد إقامة علاقة رغم إن فرق السن بينهما كبيرا.
اقرأ أيضًا.. ألفــة السـلامـي تكتب: "الدحيح".. وإعلام مؤثر لا نعرف عنه الكثير! (1)
يضيف أن حديثها الودي معه كان يتقبله في إطار كونها في مقام والدته لكن اتصالاتها المتكررة به في وقت متأخر من الليل بدعوى أنها نسيت تكليفه بأمر مهم في الشغل أصبح أمرا مكشوفا ولا يحتاج منه لذكاء.. وفي مرة تأخر حسن في العمل لأن مديرته طلبت منه إعداد ملف بشكل عاجل استلزم البقاء في المكتب بعد انصراف جميع العاملين في الشركة. ولما تأكدت أنهما لوحدهما قامت بحركات جنسية و تهجمت عليه. أصابت الصدمة الشاب حسن واستغرق الأمر وقتا ليدرك ما يجري حوله فانتفض وجمع شتات نفسه وهرب وقال لها إنه يحترمها مثل والدته وأنه مرتبط بصديقة منذ الجامعة وينوي التقدم لخطبتها وردت أنها لا تمانع من أن يحافظ على صديقته وستساعده في الترقي لكي يستطيع الزواج منها بسرعة. وأنهى حسن قصته بأنه اضطر لترك عمله نهائيا بعد أسبوعين من هذه الواقعة لأن مديرته تكرر إلحاحها عليه في إقامة علاقة وتدعوه إلى السفر سويا في مأمورية عمل وأن الأمر برمته بات مرفوضا تماما وبيئة العمل لم تعد مناسبة له.
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: "الدحيح" .. وإعلام لا نعرف عنه الكثير! (2)
أما قصة التحرش الثانية فهي من أحد الصحفيين الشباب الذين أدرك أن الثقة التي تجمعنا هي ما حفزته على الخروج عن صمته ورواية قصته لي. كان محمد يغطي أحد المؤتمرات بقاعة كبيرة وفندق شهير بالقاهرة عندما اكتشف أن السيدة التي اختارت الكرسي المجاور له متحرشة! قال إنها بدأت بتوجيه الكلام إليه بدون سابق معرفة وبين الجمل كانت تقول "ايه القمر ده".. وتقوم بايماءات جنسية وحركات مقززة كأن تضع يدها على صدرها وتغمز بعينيها .. المهم تطور الأمر وبدأت تتحسس رجله من تحت الطرابيزة ثم فجأة بدأت يدها تخترق مناطق أخرى محاولة إثارته جنسيًا دون توقف. لكنه أنهى الموقف بعدما انتفض من المقعد وترك القاعة ثم الفندق وانصرف. ويقول محمد إنه فكر لعدة لحظات أن ينهرها ويفضح أمرها لكنه أدرك على الفور أن مصيره سيكون قسم الشرطة ومحضر تحرش، متسائلا: من كان سيصدقني ويكذب سيدة "هانم" تلبس ماركات عالمية ومجوهرات ولا تدل هيئتها إلا على انطباع جيد يدعو للاحترام والتقدير؟!
أما حكاية التحرش الثالثة فكانت في الجونة داخل حمام سباحة جميع من يسبح فيه يتمتعون بحيثيات.. كانت ترتدي البكيني وحاولت الاقتراب من ضحيتها أكثر من مرة بينما يبتعد هو عنها، لكنها أصرت على معانقته هامسة في أذنه "أنت متجوز"، فأجابها بجرأة:" أسلوبك رخيص!". ثم سارعها برفع صوته :" هتبعدي وإلا أخرج وأسيب لك البيسين". فلم ترد وخرجت هي لتنهي الموقف. ويقول إنها لم تكن أول مرة يرى هذه السلوكيات ويسمع هذه الألفاظ من بنات يتحرشن بالشباب.. ربما لهذا السبب لم يصدم بالموقف وعرف كيف يتصرف وينقذ نفسه.
اقرأ أيضًا.. ألفــة السـلامي تكتب: العقوبة مضاعفة لضحية التحرش!
أما الرسالة الموالية فكانت وقائع التحرش في كافيه بمنطقة التجمع حيث لم يكن محدثي بمفرده بل وسط مجموعة من أصدقائه. جاءت سيدة وجلست في الطاولة الملاصقة لهم. ومنذ أن جلست هذه السيدة لم ترفع عينيها عن ضحيتها. كانت ترتدي بلوزة بحمالات وبين الحين والآخر " تنزل الحمالة وتبصلي".. وبجرأة واقتحام مدت يدها للطاولة وأخدت تليفون الضحية بحجة أنها تريد أن تشتري جهازا جديدا مثله وطلبت منه أن يفتح لها التليفون بحجة أنها تريد اكتشاف الامكانيات التي يحتويه وكتبت له رقمها وقالت له: "كلمني بالليل".
أما الحكاية الموالية فبطلها متحرش بالرجال وهو طبيب في الخمسينات من عمره يقوم بجرائم تحرش واعتداء جنسي على مرضى يقصدونه لطلب العلاج. ويقول محدثي أن هذا الطبيب تحرش بمئات الرجال في عيادته وأنه يتعرض للضرب والإهانة في بعض هذه الوقائع من ضحاياه لكنه يعاود الكرة دون رادع. ويضيف أنه إذا كانت الفتيات والنساء يسكتن عن التحرش خوفا من الفضيحة في مجتمع يعشق النميمة ولا يرحم نساءه بل يلقي في كل واقعة تثار على الرأي العام جزءا من المسؤولية على الفتاة نفسها ولبسها وتبرجها كما يفعل "عبد الله رشدي وأنصاره"، فمبالنا بالرجال الذين سيزج بأسمائهم في قضية تحرش من رجال والسخرية والتنمر الذي قد يتعرضون إليه من المجتمع. لذلك يرى محدثي أن أقصى تصرف من ضحايا المتحرشين في مجتمع و ثقافة ذكورية هو فضح الشخص المتحرش في جلسات الأصدقاء. غير أن هذا الشخص المريض يستمر في سلوكه الإجرامي معتمدا على خوف الضحايا وعدم تجرؤهم على فضح هذا المجرم وبالتالي لن يلاحقه أي عقاب.
وفي ضوء هذه الحكايات وغيرها التي قد لا يصلنا تفاصيلها نحتاج إلى صحوة في المجتمع أو على الأقل رموزه لايقاظ النائمين من سباتهم وصمتهم المخزي ونفض تلك الازدواجية لمواجهة الخوف الذي يمنع الضحايا من التقدم بشكاوى ضد المجرمين الذين يستمرون في اعتداءاتهم الجنسية والبحث عن ضحايا جدد دون عقاب.
ولعل أخطر التداعيات هي تلك التي تصيب الأطفال ضحايا التحرش والاعتداءات الجنسية والتي تترك آثارها النفسية المدمرة عليهم ربما طيلة حياتهم.
ولن أفقد الأمل في أن نشهد قريبا تحريك دعاوى قضائية ضد المتحرشين وأن يتقدم الضحايا للشهادة بكل شجاعة. ولعل القرار الذي اتخذته النيابة العامة في عدم الكشف عن أسماء الضحايا والشهود في هذه الشكاوى من شأنه تحفيز الضحايا وعائلاتهم لنزع الخوف عنهم وإيقاف هؤلاء المتحرشين المجرمين نساءا أو رجالا .. لأن الكيل فاض وطفح بالقاذورات!
[email protected]