ألفــة السـلامي تكتب: العقوبة مضاعفة لضحية التحرش!
ADVERTISEMENT
تؤكد نساء من جميع أنحاء العالم إنهن كن ضحايا التحرش الجنسي أو العنف في مرحلة ما من حياتهن. وويتساءل معلقون: لماذا لا تبلغ النساء القويات عن مثل هذه السلوكيات، ولماذا تبقى بعض الناجيات هادئات صامتات.. ولماذا قد تشعرالضحية أنه بإمكانها البوح بما تعرضت له من عنف في وقت لاحق ، ولماذا قد لا يتحدثن عن الضرر الذي أصابهن من التحرش على الإطلاق؟
أسئلة كثيرة تجول بذهني بمناسبة القضية التي أثارت الرأي العام مؤخرا عن شاب تعدى على عدد من الفتيات بالقول والفعل وأكرههن على ممارسات منافية للآداب باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للايقاع بضحاياه. وإذا كنا نريد طرح القضية "بحق وحقيقي" فلنبدأ أولا بالاعتراف بتفشي هذه الظاهرة. أما إذا كنا نريد أن نناقش أولا مدى صحة القول بانتشارها فأمامنا وقت طويل جدا لنصل إلى الطريق الصحيح للبدء في التصدي للتحرش. وأؤكد على مسؤوليتي أن بيئة العمل في مصر مليئة بهذه الممارسات، وتتعرض ضحية التحرش لعقوبة مضاعفة مرة عند التحرش بها ومرة عندكما تضطر لترك العمل الذي تعرضت لهذه الجريمة.. أما الصمت فهي أيضا عقوبة لها ثالثة لأنها ستتحمل رؤية المجرم مرات بدون عقاب على اقترفه في حقها بينما هي غير قادرة على فضحه او على الأقل لا يتوفر لها عمل آخر في مكان البديل.
هذا الشاب المتهم في القضية الحالية هو واحد من كثيرين متحرشين، وبعضهم لهم شهرة كبيرة، فهم شخصيات عامة وإعلاميون وفنانون ورياضيون وسياسيون وأطباء وغيرهم. والمصيبة أنهم لا يخجلون مما يفعلونه بل يشاركون في الحوارات المفتوحة حاليا حول التحرش!
وقليلا ما تقرر الناجيات من التحرش مواجهة المعتدي لذلك يظل يمارس سلوكياته المريضة دون أن يطوله الأذى طالما أن ردود الفعل على التحرش الجنسي تتجنب مواجهة المعتدي بقدر الإمكان ، أو تختار الابتعاد عن هذا الموقف تمامًا. وبالنسبة للعديد من النساء اللواتي اخترن التزام الهدوء ، قد يكون السبب هو الخوف من الانتقام من خلال سرقة صورهن وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي كما في القضية الأخيرة، حيث تصبح الضحية هي الخائفة من الفضيحة وليس العكس. كما أن الصمت يكون أحيانا اضطراري وليس اختيارا وذلك بدافع الخوف من فقدان الوظيفة إذا كان المتحرش زميلا أو صاحب عمل؛ وقد تضطر إلى الاستمرار في نفس مكان العمل لعدم وجود خيارات بديلة وبالتالي سيتطور على الأرجح الموقف مع رجل متحرش سيصبح أكثر انتقامًا وسيطرة عليها.
اقرأ أيضًا.. ألفـة الســلامي تكتب: شكل العالم بعد جائحة كورونا
في المجتمع المصري بالتحديد، مازال الرد القوي بالفضح والإبلاغ أمرا نادرًا جدًا بسبب المعادلات غير المتكافئة بين الجنسين وعدم التنفيذ السليم للقانون أو في الواقع الوعي بالقانون. عدد النساء في مواقع العمل أقل بكثير مقارنة بالرجال مما يجعلهن في وضع غيرمؤات للحصول على دعم كبير، بل إن المتحرش قد يجد دفاعا عنه من سيدات زميلات له أكثر من زملائه. في الوضع المنزلي، يصبح الحيف أكثر وضوحًا لأن العقلية التي تخيم على الأسرة عموما تنحرف بشدة ضد النساء. أحد جوانب الضررهو التأثير العميق الذي تخلفه على المرأة. إنها ليست مجرد مسألة قانون أو المعتدي الذي سيحضر إلى الشرطة أو النيابة. أحيانا تتداخل الأفكار الخاطئة الموجودة في المجتمع مع شعور الناجية بالضرر فتخلف لديها تدني احترام الذات، وعدم القدرة على أداء الوظائف اليومية أو العمل بشكل صحيح ، وانعدام الثقة في نفسها وفي العلاقات المحيطة بها. وتعاني العديد من الضحايا وفقا لدراسات علمية كثيرة في الغرض من مظاهر أمراض جسدية تصيبهن مثل الصداع والتعرق وقلة النوم والاكتئاب؛ كما أن الاحتقار الاجتماعي كبير جدًا ضد الضحية لدرجة أن الانتحار نتيجة لذلك أمر شائع خاصة في بيئات ريفية حيث تدفع الضحية حياتها ثمنا لجريمة المتحرش. وفي كثير من الحالات، لا يعتقد الرجال الذين يتصرفون بهذه الطريقة البشعة أنهم على خطأ. يتساءلون بدلاً من ذلك لماذا تثير النساء مثل هذه الضجة، أو يتعمدون إلقاء النقد والتجريح على الملء بقصد حصرهن في صورة الشخصية القبيحة والمتقلبة والمثيرة للمشاكل في أماكن العمل. وكان الأمر كذلك في مكانين للعمل على الأقل كنت فيهما!
ثم هناك الحجة المروعة بأن المرأة هي التي تطلب ذلك بشكل واضح أو مستتر! أتذكر وجود خلاف كبير مع زميل أصر على أن "مديرة مكتب فلان" هي التي وضعت نفسها في خطر حين كانت تلبس أجمل الملابس وتضع أرقى الروائح وبالتالي فهي تعرض نفسها عليه! باختصار وصراحة.. لن يفيد الجدل في إقناعه بأنها مهما فعلت لم يكن لأحد الحق في الاعتداء عليها. والسؤال الأكثر دلالة هنا: لماذا شعر الرجل أنه يستطيع مضايقة امرأة ويأمل أن يستمر الصمت تجاه جريمته وأنه يستطيع أن يهرب من العقاب؟! في الحالات التي تنطوي على رجال لديهم سلطة ونفوذ على الضحية، يفعلون ذلك معتقدين أن قوتهم تضعهم أعلى بكثير من قوة المرأة للرد. وعندما تظل صامتة، تصبح مشبوهة وربما ضحية مجددا لآخرين، وإذا لم يحصل متحرش على ما كان يرغب فيه يصبح انتقاميًا وينكل بها.
إن الخطيئة الأصلية إذن للتحرش هي التستر على ذلك السلوك الإجرامي وأن نظل نلتمس للمتحرش أعذارا ونتهرب من تسميته مجرما كما هي حقيقة فعله. وأصعب الأمور على الضحية ألا تبلغ عن التحرش الذي تتعرض له بمنطق أنها اعتادت عليه! أما إذا تشجعت وأبلغت فإنها غالبا ما تتحول إلى ضحية للمتصيدين و"المتفذلكين" الذين يحاولون أن يستخدموا مهاراتهم الفكرية ووضعهم الاجتماعي للدفاع عن المتحرش بتغليفها بوجهة نظر معينة.. لهؤلاء أقول: كفوا عن ذلك فلا توجد وجهة نظر تبررفعل التحرش. وعندما يكون المتحرش شخصية عامة أو "ذا حيثية" يتجه المدافعون عنه إلى تسفيه الضحية والتقليل من شأنها ومن مصداقيتها.. أو يصفونها بأنها بشعة وبالتالي مبتزة ولا تثير حتى غريزة "كلب"!! وللأسف حدث هذا بالفعل في قضية سابقة لصحفية في بداية طريقها أبلغت عن رئيس تحرير كان ملء السمع والبصر. وحفظت القضية بتليفون منه لوزير الإعلام في ذلك العهد. ومازال حيا يرزق ، وكان ضحاياه بالعشرات دمر حياتهن وربما انساقت احداهن لطريق الرذيلة نتيجة الاعتداء المتكرر عليها.
هذه هي نوعية ردود الأفعال التي مازلت سائدة في مجتمعنا ومازلنا نعيش في نظام اجتماعي هش و مخوخ تظهر العيوب من الكسور حيث يعتقد الأفراد أن سلوك المتحرش لا بأس به وقد يعكس أن رجولته بخير لكننا نعلم جميعًا أنه ليس كذلك، وفي أحيان كثيرة نكتفي بالقول أن فلانا "بتاع ستات" في تهوين لمرض خطير وكأننا نصف التهابا جلديا سطحيا أو بثورا في وجهه في حجم حبة البازلاء! فمتى نواجه الحقيقة ونقول أنها سلوكيات مشينة وأنه شخص ليس على ما يرام بل مجرم يستحق العقاب ونبدأ في تصدي حقيقي حيال ذلك؟
أخيرا لي تعليق على من يربط تفشي هذه الظاهرة حاليا بوسائل التواصل الاجتماعي.. لقد كشفتها هذه الوسائل ووضعتها تحت المجهر وسهلت على النساء التقدم ببلاغات تحوي دلائل تساعدهن في إثبات الضرر، لكن "إرث" التحرش الجنسي طويل وممتد. و من الضروري الآن وضع " رادار" في كافة الشركات ومواقع العمل يكون بمثابة أداة قياس لرصد كافة أنواع التحرش وأن يكون تصنيف الشركات خاضعا لهذا القياس مثله مثل بقية عناصر حوكمة الشركات وبيئات العمل حتى يوضح للمستثمرين والملاك موقع شركاتهم من خريطة الحوكمة محليا وعالميا للمساعدة في بناء جو من الثقة والشفافية والمساءلة الإلزامية لتشجيع نزاهة العمل ومكافحة الفساد بصوره كافة. فرغم وعي بعض الشركات خاصة العالمية بهذا الجانب إلا أن التحايل عليه وحفظ البلاغات التي تتقدم بها الموظفات بعد تحقيق داخلي مازال هو الموقف السائد بل إن الموظفة ضحية التحرش ستجد نفسها مفصولة أو يتم إنهاء العقد عندما يحين موعد التجديد.. حتى لا تمنحها الشركة التعويض المقرر في القانون، وتقبع في بيتها مع سمعة سيئة لحقت بها وهي أنها تتهم رؤساءها بالتحرش وتبلغ عنهم. و لعل أغلبنا تابع خلال الشهور الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي قضية مماثلة في هذا الشأن بإحدى الشركات العالمية العاملة في مصر.
[email protected]
أخيرا لي تعليق على من يربط تفشي هذه الظاهرة حاليا بوسائل التواصل الاجتماعي.. لقد كشفتها هذه الوسائل ووضعتها تحت المجهر وسهلت على النساء التقدم ببلاغات تحوي دلائل تساعدهن في إثبات الضرر، لكن "إرث" التحرش الجنسي طويل وممتد. و من الضروري الآن وضع " رادار" في كافة الشركات ومواقع العمل يكون بمثابة أداة قياس لرصد كافة أنواع التحرش وأن يكون تصنيف الشركات خاضعا لهذا القياس مثله مثل بقية عناصر حوكمة الشركات وبيئات العمل حتى يوضح للمستثمرين والملاك موقع شركاتهم من خريطة الحوكمة محليا وعالميا للمساعدة في بناء جو من الثقة والشفافية والمساءلة الإلزامية لتشجيع نزاهة العمل ومكافحة الفساد بصوره كافة. فرغم وعي بعض الشركات خاصة العالمية بهذا الجانب إلا أن التحايل عليه وحفظ البلاغات التي تتقدم بها الموظفات بعد تحقيق داخلي مازال هو الموقف السائد بل إن الموظفة ضحية التحرش ستجد نفسها مفصولة أو يتم إنهاء العقد عندما يحين موعد التجديد.. حتى لا تمنحها الشركة التعويض المقرر في القانون، وتقبع في بيتها مع سمعة سيئة لحقت بها وهي أنها تتهم رؤساءها بالتحرش وتبلغ عنهم. و لعل أغلبنا تابع خلال الشهور الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي قضية مماثلة في هذا الشأن بإحدى الشركات العالمية العاملة في مصر.
[email protected]