ألفــة السلامـي تكتب عن: "أم صابر وأم حنا وأم شريفة"
ADVERTISEMENT
عندما غابت "أم صابر" عن فرشتها على أحد أرصفة حي الدقي بسبب انتشار فيروس كورونا افتقدها جميع سكان المنطقة لأنها كانت تنثر فرحتها في خٌضرها وفاكهتها وتوفي الكيل فيمضي زبائنها سعداء، لم تعد بعدٌ رغم فك إجراءات الحظر ومازل الفقراء ينتظرونها لتمنحهم ما تبقى لديها من خضر وفاكهة مجانا آخر كل يوم.
نشاطها وهي تضع فرشتها صباحا وتوزع خضرها ثم وهي تجمع شتاتها وتطوي فرشتها استعدادا لركوب قطار الساعة الرابعة للعودة إلى قريتها بمحافظة الشرقية يعكسان الشغف الذي تؤدي به عملها ويحقق لها قيمة كبيرة بما كسبته من جنيهات معدودة وبأكثر منها دعاء من زبائنها يحفزها كل يوم إلى لقائهم.
ولا يدري أحد ماذا فعلت أم صابر خلال فترة الحظر ولا كيف كانت توفر رزق أبنائها وهي المعيلة الوحيدة لأسرتها منذ توفي زوجها.
"أم حنا" لم تعد هي الأخرى إلى فرشتها بعدٌ ومازال ركاب المترو يستشعرون غيابها فهي التي تثقفهم وتسليهم بصحفها وكتبها وقصصها التي ترويها لزبائنها تلخص بها أهم الأخبار التي لا تجدها في نشرات التلفزيون.
ما الذي أخرها وهي التي كانت تردد سأحيا وأموت في هذا المكان الذي أرتاح فيه أمام محطة مترو الأنفاق بجانب جرائدي ومجلاتي وكتبي ووسط حب الناس!
كيف حال "أم شريفة" التي تبيع سندوتشات الفول والجنبة البيضاء مع الطماطم والبيض بالبسطرمة والتونة بالفلفل الحار.. تجلس في ممر بجانب سينما ديانا بلاس بشارع الألفي ويعرفها "الأكيلة" المحترفون من رواد وسط البلد يقصدون أم شريفة ليس فقط من أجل خلطتها السحرية بل وأيضا للاستماع إلى قصص دور السينما في المحيط الذي تجلس فيه وأشهر فناني الزمن الجميل الذين كانوا زبائنها، ملابسهم ونكتهم وحكايات غرامهم، وقصص أشهر السياسيين والكتّاب الذين كانوا يأكلون من سندويتشاتها. وتضحك وهي تروي بدلال كيف أنهم كانوا "يرضعون" طعامها!
"أم صابر" و"أم حنا" و "أم شريفة" وغيرهن كثيرات من العاملات في القطاع غير الرسمي يعانين كثيرا بسبب أزمة كورونا وتوقف أرزاقهن. وحتى حين عودتهن إلى سالف نشاطهن فإن حياتهن لعدة شهور قادمة ستتأثر بسبب البطالة التي امتدت طوال فترة الحظر ووقف تلك الأنشطة. ورغم أن مثل هذه الأزمات الاقتصادية تكون عادة أشد وطأة على الرجال، من حيث نسب البطالة، إلا أن هذه المرة وبسبب أزمة كورونا فقد أثرت عوامل عديدة على معدلات البطالة بين النساء فكان نصيبهن أكبر نسبيا من نصيب الرجال، إذ زادت البطالة بين النساء في العالم بنسبة 0.9 %، مقارنة بـ 0.7 % بين الرجال بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي و التنمية.
وسجلت البطالة في مصر ارتفاعا بنهاية شهر أفريل إلى 9.2 % مقارنة بـ 7.7 % في شهر مارس حسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ ويتوقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية في تقرير حديث أن تكون النساء أبرز الفئات المتضررة من زيادة أعداد العاطلين، وذلك لتمثيلهن المرتفع في أنشطة القطاع غير الرسمي والخدمات.
وتوضح بعض المؤشرات الأولية تأثير أزمة كورونا على نواتج المساواة بين الجنسين؛ فكما هو معروف تتركز قوة العمل النسائية بمصر مثلها مثل بقية بلدان العالم في عدد من القطاعات الأكثر تأثرا بالأزمة مثل السفر والضيافة والسياحة والفنادق والمطاعم والكافيهات والمحلات التجارية وتصفيف الشعر والعمالة المنزلية وبعض الصناعات كثيفة العمالة من النساء كصناعة الملابس والمنسوجات والصناعات التقليدية والحرفية. وينطبق ما ذكرته كارين كراون المديرة العالمية لمجموعة البنك الدولي بشأن المساواة بين الجنسين في العالم على الحالة المصرية أيضا، فبالإضافة لتضرر النساء العاملات في وظائف قطاع الخدمات بشدة من جراء هذه الجائحة على نحو غير متناسب مع العمال الرجال، تشير إلى التأثيرات السلبية على عاملات مصانع الملابس الجاهزة والمنسوجات واللاتي يمثلن نصف الأيدي العاملة في هذا القطاع، حيث "تم بالفعل إبقاء ملايين من عمال الملابس، ومعظمهم من النساء، في منازلهم دون أجر أوتأمين بطالة بسبب وباء كورونا".
ووفقا لوزير القوى العاملة محمد سعفان سجل 2.5 مليون من العمالة غير المنتظمة أنفسهم في موقع الوزارة للحصول على منحة بقيمة 500 جنيه تصرف شهريا لكل عامل غير منتظم لمدة ثلاثة أشهر ضمن حزمة مساعدات قررها الرئيس لدعم هذه الفئة للتخفيف من التداعيات السلبية التي لحقت بهم جراء فيروس كورونا.
اقرأ أيضًا.. ألفــة السـلامـي تكتب: "الدحيح".. وإعلام مؤثر لا نعرف عنه الكثير! (1)
وقد استحق 1.4 مليون فقط تلك المنحة. فيما ذكرت رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي أن 40 % من العمالة غير المنتظمة التي قامت بتسجيل بياناتها من النساء. وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي العمالة غير المنتظمة في مصر حسب تعداد سابق على أزمة كورونا يقدر بـ 11 مليون عامل. وتوقع خبراء أن يرتفع عددهم بعد الأزمة إلى 14 مليون عامل أغلبهم في الزراعة والبناء، منهم 5.6 مليون إمرأة يعملن بشكل غير منتظم أومؤقت في الاقتصاد غير الرسمي. ويتضاعف التأثير السلبي لبطالة النساء عندما نأخذ بعين الاعتبار أن 3.3 مليون أسرة تعولها سيدات بحسب إحصائيات حديثة للجهاز. وقد تلقى المجلس القومى للمرأة، من خلال مكاتب الشكاوي التابعة له ، خلال شهري مارس وأفريل 2020، عدد 8587 طلبا للحصول على مساعدات مالية أو عينية ، من بينها طلبات من عاملات غير منتظمات تأثرن بأزمة كورونا.
وتبدو التداعيات الاقتصادية للوباء أشد وطأة على الأمهات والمطلقات والأرامل، وقد عجز العديد منهن عن العمل في ظل الحجر الصحي، وفي ظل إغلاق الحضانات والروضات وعدم إمكانية ترك أطفالهن في المنزل بمفردهم، وتعذر ترك أطفالهن مع الجيران أو الأقارب في ظل التباعد الاجتماعي. كما أن البعض منهن لا يتمكنَ من تأدية وظائفهن من المنزل إذا كان لديهن أطفال صغار يحتاجون للرعاية المستمرة. ولهذا أصبح أكثرهن عرضة لفقد الوظيفة بل كن بالفعل على رأس القائمة عندما قررت الشركات الاستغناء عن عدد من الوظائف في إطار خططها للتقشف وخفض النفقات!
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: "الدحيح" .. وإعلام لا نعرف عنه الكثير! (2)
وفي ضوء التأثيرات السلبية الحالية للأزمة فإن معدلات الفقر والبطالة والتسرب من التعليم من المتوقع أن ترتفع برغم محاولات الحكومة اتخاذ حزمة من الإجراءات العاجلة لحماية الفئات المهمشة من هذه المخاطر. كما يٌنتظر أن تتأثر صاحبات المشروعات الصغيرة سلبيا من الأزمة بعد أن شهد هذا المجال طفرة خلال السنوات الخمسة الماضية بفضل تخصيص قروض لتمويل المشروعات متناهية الصغر نظرا لاستهدافهن كنساء طبقا لاستراتيجية الدولة لتمكين المرأة (الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030)، حيث بلغت 69 % من إجمالي المستفيدين (3.1 مليون مستفيد)، أي أكثر من 2 مليون امرأة استفدن من خطوط التمويل للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. وأصدر البنك المركزي قرارًا بتأجيل الاستحقاقات الائتمانية لمدة 6 أشهر تلقائيًا للأفراد والشركات، مع اشتراط عدم فرض عمولات أوعوائد تأخير للاستفادة من التأجيل. غير أن صاحبات المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لا يستفدن من هذه التسهيلات لأن مصادر قروض تلك المشروعات هي من شركات تمويل وجمعيات كبرى. وما كان من هيئة الرقابة المالية إلا أن أصدرت قرارًا بتاريخ 29 مارس 2020، بهدف التسهيل على أصحاب تلك المشروعات. لكن أتت تلك القرارات أضعف كثيرًا من المطلوب نظرا لأنها تركت أغلب الإجراءات خاضعة لتقدير الممولين، أو مدى انتظام أصحاب المشاريع في الدفع مسبقًا على عكس قرارات البنك المركزي بخصوص المتعاملين مع البنوك والتي كانت إلزامية وغير مرتبطة بالتزام المتعاملين في الدفع سابقًا.
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة
وفي المقابل، اتخذ جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر التابع لوزارة التجارة والصناعة والمسؤول عن إقراض مباشر من الدولة لتلك المشروعات عدة قرارات مهمة مثل تأجيل أقساط بقية المشروعات بشكل تلقائي لحين استقرار الأوضاع، وتقديم النصيحة للمشروعات غير المتعثرة بالاستمرار في دفع الأقساط بناء على طلب كتابي من المقترض كما سهل الجهاز التمويلات السريعة للمشروعات التي لاقت رواجًا في الأزمة مثل المنظفات والمطهرات.
ويمول الجهاز عدد 20 ألف مشروع بقيمة 3.3 مليار جنيه في حين تمول الشركات والجمعيات 75 ألف مشروع بقيمة 1.6 مليار جنيه. وبمقارنة بسيطة بين عدد المستفيدين من مصدري التمويل السابقين يتضح أن أعداد المتضررين من الأزمة مرشح للزيادة وفي مقدمته النساء وما لذلك من تأثير على أسرهن.
ومازال هناك الكثير لتقوم به الحكومة لتحقيق المزيد من الحماية للفئات الأكثر هشاشة ومنها النساء المعيلات وأسرهن في ظل تداعيات أزمة كورونا على حياة هؤلاء.
[email protected]