ألفــة السـلامـي تكتب عن قضية الساعة: "معركة" الثانوية العامة .. وتأمين العودة المدرسية
ADVERTISEMENT
لعل قضية الساعة الآن في مصر هي امتحانات الثانوية العامة، التي أثار إعلان الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني عن موعدها يوينو الجاري وعدم النية لتأجيلها، جدلا واسعا بين أولياء الأمور والطلبة الذين انقسموا بين مؤيدين لسرعة إجرائها للتخلص من التوتر والضغوط على العائلات والمرتبط بالثانوية العامة، وبين مطالبين بتأجيلها لمنع تفشي فيروس كورونا في ظل حالة الازدحام الشديد وعدم توفر الوعي الكافي باجراءات الوقاية خاصة في ضوء ارتفاع أعداد المصابين والوفيات بشكل قياسي في مصر منذ بدء الجائحة.
نعم شوقي له الحق في أن الدولة لا تدار من منصات "السوشيال ميديا" وأن "هاشتاج" المطالبة بإلغاء امتحانات الثانوية العامة أو استبدال أبحاث بها لا يمكن أن يدفع وزارة التربية إلى تبني قرار مهم كهذا؛ كما أن له كل الحق في أن العديد من الحسابات الوهمية والمزيفة هي التي تدير تلك الحملة، وإذا ما تصدرت برامج وأخبار قناة الجزيرة أدركنا بسهولة من يديرها وماهي أهدافه وقد تعودت مصر على حرب اللجان الأليكترونية وكيفية التصدي يوميا لها.. لكن هذا جزء من القضية وليس كل عناصرها وننتظر أن تكتمل التفاصيل ليعلنها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء قريبا حتى تطمئن العائلات إلى مستقبل أبنائها.
وفي صورة زيادة الإصابات بفيروس كورونا خلال الأيام المقبلة، لا نشك لحظة أن رئيس الوزراء قد يعلن تأجيل الامتحانات لمدة أخرى وهو ما نادى به أعضاء لجنة التعليم بمجلس النواب بحثا عن سلامة 1.4 مليون طالب ثانوية عامة وشهادات فنية وهم قوة بشرية لا يستهان بها توازي عدد سكان دول مجاورة. وقد تكون التكلفة حينئذ التي خصصتها وزارة التربية والتعليم لتعقيم لجان الامتحانات والإجراءات الاحترازية (950 مليون جنيه) غير كافية وبدون جدوى إذا استمرت الإصابات في الزيادة بطفرات مخيفة خلال الأيام المقبلة.
ومن تجارب الدول حولنا نلاحظ أن البعض لجأ إلى التأجيل في سبتمبر المقبل قبل العودة المدرسية مباشرة مثل الجزائر والمغرب والكويت وغيرها، بينما بدأ طلاب الثانوية العامة في الأراضي الفلسطينية امتحاناتهم في الثلاثين من مايو الماضي وينتظر إجراء امتحان الباكالوريا في تونس في الثامن من يوليو المقبل. وهكذا فإن كل دولة قد تتخذ القرار الذي يناسب ظروفها وقدراتها ويوازن بين مبدأ السلامة وتحقيق المصلحة.
وبالعودة إلى قضية التعليم ككل في مصر والمؤمول منه في الفترة المقبلة وسط الظروف الحالية الصعبة فإن المطلوب كثير ويتجاوز ما تم تحقيقه رغم الاعتراف بأهمية الخطوات التي تم إنجازها حتى الآن. فالتعليم هو بلا شك محرك قوي للتنمية وأحد أهم وأقوى أدوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين وتحقيق السلام والاستقرار. كما أنه أهم عامل لضمان تكافؤ الفرص مما يعزز الحراك الاجتماعي الذي من شأنه دعم الأمل لدى الشباب وجميع الفئات في الحصول على الوظائف والدخل وبالتالي الحد من الفقر وتحسين مستوى المعيشة؛ ولولا التعليم لظل الفقراء على فقرهم ولما وصلوا إلى مراكز مرموقة في الشركات والمستشفيات والجامعات و المناصب الحكومية. كما أن التعليم هو المحفز الرئيس على الابتكار ودفع النمو الاقتصادي على المدى المتوسط و الطويل لذلك فإن الاستثمار في قطاع التعليم من شأنه تنمية رأس المال البشري وتعزيز التماسك الاجتماعي وإنهاء الفقرالمدقع الذي وصلت نسبته إلى 33% وفقا لبيانات حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ومن هنا فإن المخصصات المالية التي طالب بها وزير التربية لوزارته فى مشروع الموازنة الجديدة للسنة المالية 2020 /2021 ،وهي في حدود 132 مليار جنيه، تبدو منطقية لتساعد في تنفيذ خطط التطوير الطموحة التي يحتاجها هذا القطاع الحيوي ومع ذلك فإن الإجابة مازالت تأتي مخيبة للآمال من وزارة المالية التي لم توافق إلا على تخصيص 109 مليارات جنيه فقط لا غير، على الرغم من الضغوط المضاعفة التي تتعرض لها الوزارة بسبب جائحة كورونا والالتزامات المطلوبة منها لتأمين عودة مدرسية آمنة في ظروف استثنائية.
في تقرير لمنظمة اليونسكو منتصف إبريل الماضي يرصد إمكانيات العودة للدراسة على مستوى العالم، أفاد بإغلاق 192 دولة جميع المدارس والجامعات في تتابع سريع كإجراء لاحتواء انتشار العدوى، مما أثر على أكثر من 90 بالمائة من المتعلمين في العالم: ما يقرب من 1.57 مليار طفل وشاب. وعندما يخسر الاطفال التعليم يخسرون الفرص المستقبلية مع عواقب بعيدة المدى. يكفي أن نذكر ان الحرب العالمية الثانية خلفت تأثيرات سلبية على المتعلمين السابقين امتدت إلى بعد نحو 40 عاما وفقا لما أشار إليه البنك الدولي في تقرير صادر إبريل الماضي. وهي إشارات مبدئية للخسائر المتوقعة حول حجم التضحية التي تضطر لدفعها أجيال من المتعلمين، وليست تتويجا لتحليل مكتمل المعالم. ويرجح التقرير أن العالم سيخسر ما يصل إلى 10 تريليونات دولار على مدى الجيل القادم إذا امتد إغلاق المؤسسات التعليمية حتى الخريف المقبل، منها 2.5 تريليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها (12% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي) وباعتبار أن الاقتصاد الأمريكي يمثل حوالي ربع الناتج العالمي.
وهذه المعطيات ليست إلا دقا لناقوس الخطر حول حجم الضرر الاقتصادي بسبب فقدان التعلم وهو ما يؤكد ضرورة تدخل الحكومات بسياسات مناسبة على وجه السرعة. ومثل العديد من جوانب هذا الوباء، يبدو أن التأثير على الأطفال والشباب من المرجح أن يتخذ شكل أزمة طويلة المدى بدلاً من صدمة قصيرة وحادة.
المدرسة ليست مكانا للتعلم فقط بل لتوفير الحماية الاجتماعية والتغذية والصحة والدعم العاطفي وتشكل ضمانًا للحياة الكريمة لأكثر الفئات حرمانًا، وينطبق هذا على جميع البلدان سواء ذات الدخل المنخفض أو حتى المرتفع. ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن 370 مليون طفل لا يتلقون وجبات مدرسية نتيجة لإغلاق المدارس. ونظرًا لأن نصف طلاب العالم لا يمكنهم الوصول إلى جهاز كمبيوتر منزلي بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن فرصة فقدان التعلم خلال هذه الفترة تكاد تكون حتمية.
ولأن حجم هذه الخسارة من جراء أزمة كورونا سيعتمد بلا شك على فعالية القنوات البديلة المستخدمة على نطاق واسع فإن القلق من التسرب من التعليم والتشريد وعمالة الأطفال والاستغلال الجنسي يظل قائما.
ورغم استخدام الحكومات تدابير سريعة للتعلم من خلال المنصات الأليكترونية والتلفزيون والإذاعة، لكن عندما يتعلق الأمر بإعادة فتح الحضانات والمدارس والجامعات، فإن الإيقاع يبدو أكثر غموضا لخضوعه لتقديرات الحكومات المتفاوتة حول السلامة وضماناتها لتفادي موجات جديدة للفيروس.
وفقًا لبيانات اليونسكو، لم تعلن 100 دولة حتى الآن عن موعد إعادة فتح مؤسساتها التعليمية، وهناك 65 دولة لديها خطط لإعادة فتح جزئي أو كامل، في حين ستنهي 32 دولة العام الدراسي عبر الإنترنت. بالنسبة لـ 890 مليون طالب في العالم، لم يكن تقويم العام الدراسي الحالي منصفا لهم بشكل مُرضٍ. وموعد إعادة فتح المؤسسات التعليمية وكفاءتها يعد قضية الساعة في كافة البلدان وهو مسألة ليست بالبسيطة لأنها تعتمد على وزن دقيق وموضوعي للمخاطر من جهة، والفوائد من جهة أخرى، مع إعطاء الأولوية المطلقة لحماية حياة ورفاهية المجتمعات بما في ذلك الأطفال والشباب وهيئة التدريس. وحتى إذا لم يكن بالإمكان الآن الإعلان عن تواريخ محددة للعودة فإن التخطيط لها قد بدأ بالفعل.
إنقاذ الوضع في المستقبل القريب سيكون رهينا بمدى تكيف الحكومات والمجتمعات لإحداث تغييرات أساسية في طرق العمل الحالية وتوسيع نطاق مبادرات التعليم وانتشارها. ومظاهر ذلك التغيير بدأت تتضح في مصر وإن كانت جودة التنفيذ مازالت تحتاج لوقت كاف حتى تخضع لتقييم موضوعي. وإذا كان هناك وقت مناسب لتتعلم المجتمعات من تجارب بعضها البعض وتجنب تكرار الأخطاء فليس أفضل من الآن وقد جعلت الأزمة مشاركة المعرفة أكثر واقعية من ذي قبل.
اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة
ويمثل الابتكار في التعليم أحد مفاتيح هذه الأزمة بما يتضمن مضاعفة استثماراته لضمان استمرار فرص التعليم في حالات عدم الاستقرار والأزمات، بالإضافة إلى استكشاف المزيد من إمكانيات التعلم عن بعد، في حين أن التكنولوجيا ستلعب بالتأكيد دورًا في إعادة النظر في إمكانيات التدريس والتعلم، وخاصة في دعم فرص التعلم الافتراضية، مع العلم أيضًا أن التكنولوجيا ليست وحدها دواءً لكل داء خلال الأزمات في ظل مخاطر التكنولوجيا التي تزيد من تفاقم عدم المساواة.
في كل الأحوال يوفر الوضع الحالي فرصة للتفكير خارج الصندوق حول الكيفية التي يمكن بها لأنظمة التعليم الخاصة بنا في مصر أن تقدم أفضل فرص التعلم لأطفالنا من أجل البقاء والازدهار في عالم يتميز بسرعة التغير وعدم الاستقرار. الأمم المتحدة أعلنت من جانبها أنها ستدعم خطط الدول والحكومات في إعطاء الأولوية للتعليم وهو ما جاء على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريس مؤخراً عندما دعا الحكومات والجهات المانحة إلى إعطاء الأولوية لجميع الأطفال، بمن فيهم الأطفال الأكثر تهميشاً وتم إنشاء تحالف التعليم العالمي لدعم الحكومات في تعزيز التعلم عن بعد وتسهيل إعادة فتح المدرسة. وغير معروف حتى الآن إذا كان لمصر نصيب من هذا الدعم.
سأكرر ما ذكرته سابقا في عدة مقالات حول أزمة فيروس كورونا: بقدر نتائجها المدمرة والتي لا يستهان بها على الأفراد والمجتمعات فإنها تتيح فرصا مهمة لمعرفة الحاجة للتغيير واسع النطاق والقدرة على تكيف أنظمة العمل في مختلف القطاعات الحيوية ومنها قطاع التعليم. ومازال الأمل قائما في القدرة على الخروج إلى الجانب الآخر لتجاوز هذا الوباء بمزيد من الدروس المستفادة حول كيفية توسيع تأثير التدخلات الاجتماعية الفعالة وإدخال طرق جديدة للعمل داخل الأنظمة التعليمية لتوفير فرص تعليمية تحقق الجودة للجميع.
ولا أشك أن يكون وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي – وهو الخبير المخضرم ثقافيا- قد اطلع على قصص الشركاء من مختلف أرجاء العالم حول كيفية تعاملهم بشكل مبتكر خلال هذه الأزمة لضمان استمرار الملايين من الأطفال في تلقي التعليم مع عدم إهدار مبادئ الجودة والمساواة في الفرص.. حتى لا ينتصر في الأزمة من لديهم الإمكانيات والقدرات فحسب، وينهزم الفقراء والمهمشون والبنات وذوو الإعاقات -حيث نعلم من تجارب سابقة مثل انتشار وباء ايبولا غرب افريقيا- أنه كلما طالت مدة بقاء الأطفال المهمشين خارج المدرسة كلما قل احتمال عودتهم للدراسة وزاد تعرضهم للخطر والاستغلال بشتى أنواعه.
وكمراقبة للمشهد في مصر أنصح –إذا جاز لي ذلك- بضرورة التشاور والتواصل أكثر فأكثر مع كافة الأطراف في العملية التعليمية من أولياء أمور ومعلمين وطلاب وإدارات تعليمية وممثلين للمدارس الخاصة لفهم المخاوف ومعالجتها. وهذا يضمن الثقة والدعم خلال إعادة العملية التعليمية لنسقها الطبيعي تدريجيا مع ضمان التخفيف من مخاطر انتقال العدوى وتعزيز السلوكيات الصحية؛ فبلا شك هناك أوضاع حرجة لا يمكن إغفالها في المؤسسات التعليمية كما لا يمكن تركها رهنا لتصرف المواطنين و مديري و أصحاب المدارس فقط ، بدءا من أبسط الشروط التي يجب توفرها مثل الحصول على الصابون والمياه النظيفة لغسل اليدين ووجود الحمامات والكمامات، وصولا إلى فرض بروتوكولات حول المسافة الاجتماعية لضمان التباعد. يمكن أن تعني السلامة أيضًا تقليل عدد الطلاب في كل موقع من خلال نظام الفترتين والثلاثة والتناوب في أيام الحضور، أو نصب الخيام في الساحات والملاعب لتوسيع القدرة على استيعاب الأعداد خاصة خلال الامتحانات.
وكمراقبة للمشهد في مصر أنصح –إذا جاز لي ذلك- بضرورة التشاور والتواصل أكثر فأكثر مع كافة الأطراف في العملية التعليمية من أولياء أمور ومعلمين وطلاب وإدارات تعليمية وممثلين للمدارس الخاصة لفهم المخاوف ومعالجتها. وهذا يضمن الثقة والدعم خلال إعادة العملية التعليمية لنسقها الطبيعي تدريجيا مع ضمان التخفيف من مخاطر انتقال العدوى وتعزيز السلوكيات الصحية؛ فبلا شك هناك أوضاع حرجة لا يمكن إغفالها في المؤسسات التعليمية كما لا يمكن تركها رهنا لتصرف المواطنين و مديري و أصحاب المدارس فقط ، بدءا من أبسط الشروط التي يجب توفرها مثل الحصول على الصابون والمياه النظيفة لغسل اليدين ووجود الحمامات والكمامات، وصولا إلى فرض بروتوكولات حول المسافة الاجتماعية لضمان التباعد. يمكن أن تعني السلامة أيضًا تقليل عدد الطلاب في كل موقع من خلال نظام الفترتين والثلاثة والتناوب في أيام الحضور، أو نصب الخيام في الساحات والملاعب لتوسيع القدرة على استيعاب الأعداد خاصة خلال الامتحانات.
أخيرا، الهدف الرئيسي هو الطفل/ة والشاب/ة وإعادة العملية التعليمية مع توفير متطلبات الأمان والسلامة لهم. وهذه فرصة لبناء أنظمة تعليمية تتمتع بالشمول والدعم لجميع الأطفال والشباب من أجل التعلم مع مراعاة المرونة والتكيف في الأزمات المستقبلية.. إنها فرصة و يجب اغتنامها، فهل نستطيع؟
[email protected]