عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: دعاوى التعويضات واللحم المر!

تحيا مصر

أسئلة متلاحقة تركل رأسي طيلة الأيام الماضية حول الخسائر البشرية والاقتصادية المدمرة الناجمة عن وباء كورونا. وكلما مرت الساعات تضاعفت هذه الخسائر المالية وزادت الركلات على دماغي واشتدت علي عضَات الأسئلة في مواجهة حرب التصريحات الأمريكية الصينية. وأمام انعدام الرؤية، كثيرا ما تحيلني الأسئلة إلى تخومات المجهول وتضرم نارا في الروح الهادئة ، فيشتعل حريق من الريبة والشك يراقص خلايا مخي وأصبح فريسة لنظرية المؤامرة. لعلها زارتكم تلك “العروس” اللعوب قادمة من الغرب مرة ومن الشرق أخرى ، تغازل الأفكارفي محاولة لترتيب الفوضى المستحيلة، بعد أن تبعثر العالم في أتونها وأصبحت تنذر بحروب حامية الوطيس يكون “اللحم الصيني” في مرماها!
تزعم المؤامرة أن الصين متورطة في عملية إخفاء وحجب متعمدة للمعلومات حول الفيروس الذي نشأ في ووهان مما أدى إلى تعرض ملايين الأشخاص للفيروس حتى أضحت جائحة بلا سيطرة. وفي رواية أخرى، تزعم المؤامرة أن الصين طورت فيروس كورونا في معاملها ليكون سلاح حرب بيولوجية. بناء على ذلك، تصنع مخازن الفكر والقرار الأمريكي التوجهات. انطلقت ولايتان أمريكيتان (ميسيسيبي وميسوري) في رفع دعاوى قضائية فيدرالية ضد الصين مطالبة بتعويضات تزيد على 44 مليار دولار. وبدوره، رفع المحامي“لاري كلايمان” دعوى قضائية أمام محكمة منطقة شمال ولاية تكساس متهما الصين بصناعة الفيروس التاجي كسلاح بيولوجي، مطالبا بتغريمها بـ 20 تريليون دولار!
فماهو التكييف القانوني لمثل هذه الدعاوى القضائية من طرف دولة أو شركات محاماة ضد الصين للمطالبة بالتعويضات عن الأضرارالتي سببها وباء كورونا... وكيف يمكن التغلب على العقبة المتمثلة في “قانون الحصانات السيادية الأجنبية في الولايات المتحدة”*؟ ثم هل يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفقا لنظامها؟ وهل يوجد اختصاص للمحكمة الجنائية الدولية بطلب التعويضات في هذا الشأن..وهل لها الاختصاص القانوني على الدول؟
ترجح آراء قانوينة أن الدعاوى القضائية ستكون صورية وستواجه موانع يضعها قانون الحصانات السيادية الأجنبية- الذي تم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي جيرالد فورد في 21 أكتوبر 1976 – حيث لا يسمح بمقاضاة دولة أجنبية“أو وكالة أوأداة تابعة لدولة أجنبية” أمام محكمة وطنية حيث ينص قانون الحصانات السيادية الخارجية الأمريكية على أن محكمة الولايات المتحدة ليس لها ولاية قضائية على أنشطة دولة أجنبية.
قرأت لـعقلاء في أمريكا يقولون إنها دعاوى“فشنك” .. ماريا غلوفر، أستاذة القانون بجامعة جورجتاون، ترى أنها دعاوى ليس لديها فرصة تقريبا للنجاة من أول عقبة قضائية. وتقول إنه بدون طريقة للتغلب على قضايا الحصانة السيادية، فإن الدعاوى تظل رمزية. وبدوره، يستبعد شيمين كيتنر، أستاذ القانون الدولي بجامعة كاليفورنيا أن يتم سداد تعويضات مباشرة تحت مسمى“صندوق تسوية فيروس كورونا”. ربما لهذه الأسباب يحاول مشروعان في الكونغرس الأمريكي التغلب على هذه العقبة القانونية بتجريد الصين من حصانة سيادية في الحالات التي تتعامل مع فيروس كورونا، حيث قدم السناتور جوش هاولي، عضو الكونجرس، تشريعًا الأسبوع الماضي من شأنه أن يخلق حقًا خاصًا يسمح للأمريكيين بمقاضاة الحكومة الصينية، كما سيسمح هذا المشروع للمحاكم بتجميد أصول الحكومة الصينية حتى يتمكن الضحايا من تحصيل التعويضات. كما يقترح مشروع قانون آخر برعاية السناتور توم كوتون والنائب دان كرينشو تعديل قانون الحصانات السيادية الأجنبية لإنشاء استثناء للأضرار الناجمة عن معالجة الصين لتفشي فيروس كورونا بحيث تشمل “أي أعمال لإخفاء أو تشويه المعلومات حول الفيروس عمداً”، مما يسمح للأطراف المتضررة باسترداد خسائرهم.


اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة

يبدو أن الصين مقدمة على قانون “جاستا” جديد، وجاستا هي اختصار لـ“قانون العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي”*، وقد تابعنا كيف وظفت مخازن الفكر الأمريكي ومراكز أبحاثها مختلف أوراق الضغط المتاحة لتحويل أزمات دولية إلى فرص تخدم مصالح أمريكا وشعبها مثل أحداث 11 سبتمبر وحادثة “لوكربي” وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق. جميعها فخاخ استخدمت لـ“حلب” دول بعينها وأوراق ضغط لتقديم تنازلات متتالية تخدم المصالح الأمريكية.
لكن هل من الممكن أن تحيل الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دول أخرى فرادى أو جماعات النزاع مع الصين إلى محكمة العدل الدولية؟
وفقا للمادة(93) ومهامها الواردة في ميثاق محكمة العدل الدولية وفي المادة (24) والمادة (26) من نظامها الداخلي ، يمكن لأي دولة أصابها الضررأن تعرض الأمرعلى محكمة العدل الدولية. غير أن محكمة العدل لا تقبل إحالة نزاع لها إلا من مجلس الأمن؛ وفي حالة الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تطرح النزاع على مجلس الأمن وفي صورة ما إذا تم قبوله يصدر قرارمن مجلس الأمن ثم يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية. غير أن الصين ستستخدم بلا شك حق الفيتو لوقف القرار.
أما بالبنسبة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بطلب التعويضات ومحاكمة دول (الصين في هذه الحالة)، فإنها وفقا لاختصاصها الوارد في المواد (5)(6)(7) تنظر الجرائم الخاصة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.. كما أن الأسس القانونية لإحالة مرتكبي هذه الجرائم ترتكز على أحكام المادة (14 ) والمادة (15) من النظام الأساسي للمحكمة. غير أن اختصاص المحكمة ينصرف إلى“مسؤولية الأشخاص وليس الدول من الذين يشك في ضلوعهم بمثل هذه الجرائم” وبالتالي لا يمتد إلى الدول كما هو واضح؛ إضافة إلى أن الصين ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية.
إذن إستدراج القيادة الصينية إلى فخ التعويضات وحشرها في خانة الدفاع عن النفس لإثبات عدم مسؤوليتها عن إنتاج أوانتشار فيروس كورونا ليس بالأمرالهين. وكما يقول المثل الشعبي“مش كل الطير اللي يتاكل لحمه”. وأي محاولة لتطويع الصين وكسر عظامها والاستيلاء على مدخراتها من شأنه أن يجرإلى جولات من الحروب القانونية والاقتصادية والإعلامية تقليدية ومتطورة. وإذا كان أحد أهداف الدعاوى القضائية الوصول إلى حكم بالتعويض يجر إلى حبس الأموال المستثمرة من قبل الحكومة الصينية في سندات الدين الأمريكي- وتقدر بما لايقل عن تريليون دولار- فإن اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية بموجب المادة (5) أكدت على مبدأ السيادة الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، وهو أحد مبادئ القانون الدولي، حيث تعتمد الحصانة السيادية على مبدأ السيادة، فلا يجوز إخضاع سيادة الدولة دون موافقة هذه الدولة على الولاية القضائية التابعة لسيادة أخرى.
وخلاصة هذه الإرهاصات من حرب الدعاوى القضائية إلى حرب ماكينة الدعاية الأمريكية ضد الصين تؤكد على خطورة القادم من أحداث..لأن الصين سيكون “لحمها مرا”.
تابع موقع تحيا مصر علي