عمالة الاطفال خارج نطاق القانون
ADVERTISEMENT
إن مرحلة الطفولة هي أهم مراحل النمو وأكثرها تأثيراً في حياة الفرد ، فهي بداية تربيته وتنشئته وإذا كانت البداية صحيحة وسليمة ، سيتابع الطفل نمو بعد ذلك بشكل سليم . وإدراكاً لأهمية الطفولة يسعى كل مجتمع إلى الاهتمام بأطفاله ، لأنه إذا فعل ذلك فإنه يهتم بحاضرة ومستقبله ، فأطفال اليوم هم رجال الغد وتواجه المجتمعات العربية ظروفاً مختلفة كالزيادة السكانية ، والحروب والنزاعات ، والتفاوت في المستويات الاقتصادية ، الأمر الذي أثر على الخدمات التي تقدمها تلك المجتمعات لأفرادها خاصة في مجالي الصحة والتعليم ، بالإضافة إلى انخفاض الدخل الفردي نتيجة تلك الظروف .
تعتبر ظاهرة عمالة الأطفال من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، فقد بلغ حجم عمالة الأطفال في مصر، وفق تقديرات منظمة العمل الدولية نحو ما يقرب من 2.2 مليون طفل، بنسبة تصل إلى 26%، . ووفقا لآخر احصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لسنة 2013، فإن حجم عمالة الأطفال يبلغ نحو 1.6 مليون طفل، منهم 83% يعملون فى الريف مقابل 16% فى المدن ، وأن 46% من أجمالي هؤلاء الأطفال العاملين يتراوح من 15 إلى 17 سنة ، وأن 78% منهم من الذكور و 21% من الإناث ، وأن عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل تتعدي أكثر من 9 ساعات يومياً في المتوسط ، وأكثر من ستة أيام في الأسبوع. أي أن عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل قد تتجاوز عدد ساعات عمل للكبار.
مما أدى إلى استحداث مشكلات اجتماعية واقتصادية ، واتساع نطاق مشكلات أخرى كان من بينها مشكلة عمل الأطفال دون السن القانونية ، الذين دفعت بهم أسرهم إلى سوق العمل لسد احتياجاتها الضرورية ، فتحولوا بذلك من أفراد معالين إلى مشاركين في الإعالة الاقتصادية والطفل العامل هو الطفل الذي يعمل أو يتم استخدامه من قبل أفراد آخرين بهدف الحصول على المال ، وينحصر عمره بين السادسة والخامسة عشرة . وعمالة الأطفال ظاهرة قديمة برزت في المجتمعات الأوروبية في أوائل عصر الثورة الصناعية ، حين شاع الاستغلال الظالم للطفولة كعمال في المصانع والمناجم . ولكن الإحساس بأهمية هذه الظاهرة وضرورة وضع حد لها ظهر في أوائل الستينات من القرن العشرين حين ظهر مقال لأطباء نفسيين أثار الاهتمام في وسائل الإعلام الأمريكية بهذه الظاهرة ، مما دفع لوضع قوانين تجرم استغلال الأطفال والإساءة إليهم في أعمال مهينة
كانت الأسر منذ القدم تعتمد على الأطفال في أداء العديد من المهام سواء أكانت داخل المنزل أو خارجة مثل الزارعة وفي الأعمال الخاصة بالأسرة. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المساعدة من قبل الطفل كان الأهل يعتبرونها نوعاً من التدريب للطفل لتساعده مستقبلا على تحمل المسؤولية والقدرة على القيام بأنشطة اقتصادية. بينما تسمى الأعمال التطوعية التي لا تشكل أي آثار سلبية على نمو الطفل العقلي والجسدي والذهني وخاصة عندما يقوم الطفل بهذه الأعمال عن رغبة وباستمتاع "عمل الأطفال ألإيجابي أما عمل الأطفال بمفهومه السلبي فهو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل ويستغله اقتصادياً مما يؤدي إلى تهديد سلامته وصحته ورفاهيته. وتعتبر ظاهرة عمل الأطفال ظاهرة عالمية بدأت تنتشر وتتوسع في الآونة الأخيرة وتترك آثاراً سلبية تنعكس على الطفل بشكل خاص، وعلى الأسرة والمجتمع بشكل عام. إن ظاهرة عمل الأطفال متعددة الأبعاد وتشكل تحديا بالغ التعقيد. وتتفاوت مشكلة عمل الأطفال من دولة لأخرى لكنها أكثر شيوعا في البلدان الفقيرة والنامية، وبالرغم من ذلك تعاني أيضا منها الدول المتقدمة.
بدأ الاهتمام العالمي بحقوق الطفل منذ إعداد مسودة الإعلان العالمي لحقوق الطفل في عام 1957، حيث نص الإعلان على وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال وأن لا يتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل وأن لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب وأن لا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي. لاشك أن سوء الأحوال الاقتصادية في المجتمع المصري ، وانتشار الفقر وارتفاع نسبة الأمية ، تدني مستوي التعليم علي اختلاف أنواعه، فضلا عن نقص الوعي المجتمعي لدي الأسر المصرية وعدم الادراك لأهمية التعليم وعدم الثقة في النظام التعليمي خاصة في ظل تزايد نسبة البطالة بين المتعلمين، والحاجة الماسة للمال شجع الأسر علي الدفع بأبنائها في سن مبكرة للخروج لسوق العمل الذي يعد بمثابة طوق نجاه لأسرهم رغم المخاطر التي يتعرض لها الأطفال صحيا واجتماعيا ونفسيا خاصة في ظل غياب الرقابة القانونية والمجتمعية علي ارباب الأعمال وعدم فاعليه القوانين القائمة وعدم كفايتها لضمان احترام حقوق الطفل .
ولا شك ان عمالة الاطفال فى هذا السن المبكرة فى تحت وطأة الحاجة الاقتصادية يعد نوعاً من الاستغلال الاقتصادي الذى يعد صورة من صور الاتجار بالبشر ، والذى يتجلى فى عدد من الأوضاع مثل بدء العمل فى سن مبكرة ( أقل من 7 سنوات ) ، وهو ما يمثل تحديا صارخا لأحكام قانون الطفل , واستمرار ظاهرة مقاولى الأنفار الذين يستحوذون على جزء من أجر الأطفال مستغلين حالة الضعف او الحاجة لدى زويهم ، وانخفاض أجور الأطفال ، وزيادة عدد ساعات العمل اليومية بالمخالفة لأحكام قانون الطفل ومستويات العمل الدولية . وحرمان الأطفال من كافة أشكال الحقوق المتعلقة بالأجازات والراحات الأسبوعية ، وحقهم فى الحصول على أجورهم عنها وذلك بالمخالفة للاتفاقيات الدولية والتشريع المصرى.
لذا نري
يتعين مراجعة القوانين المنظمة لأحكام قانون العمل والتأمين بشأن الطفل العامل في ظل الدستور الحالي الذي مد مظلة التعليم الأساسي للمرحلة الثانوية وتحديده لسن الطفولة .
ضرورة توفير المساعدات المباشرة الضرورية والملائمة لانتشال وحماية الاطفال من الوقوع فريسة للاستغلال الاقتصادى من قبل ارباب العمل.
يجب اعادة تأهيل الاطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا من خلال اهتمام الدولة بإصلاح منظومة التعليم وتجديدها وتطويرها حتى تكون جاذبه اللطلاب عن طريق ادخال التقنيات الحديثة فى وسائل التعليم وتفعيل جانب الانشطة المهنية وإعطاء الفرصة للطفل لكى يخرج ما لديه من طاقات ومهارات ومواهب .
الاهتمام بالرعاية الصحية للأطفال العاملين وعمل تأمين صحى لهم.
دعم وتشجيع قطاعات العمل التطوعى ومؤسسات المجتمع المدنى لعمل المشروعات الانتاجية خاصة المشروعات الاسرية الصغيرة التى تستهدف اسر الاطفال العاملين وإعطاء الأولوية فى الاهتمام للأسر الفقيرة والمفككة المحرومة من احتياجاتها الاساسية.
تطوير التشريعات القانونية وتعديلها للحد من عمل الاطفال بما يتفق مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية وحقوق الانسان الى جانب تشديد العقوبة على صاحب العمل المخالف للأحكام القانون فى هذا الشأن.
نشر الوعى وتنمية الثقافة القانونية ذات العلاقة بعمل الاطفال فى سن مبكرة لدى اسر الأطفال العاملين وتوضيح المخاطر والأضرار التي قد تلم بهم وذلك من خلال وسائل الاتصال الجماهيرى خاصة المرئية و والمسموعة
تكثيف المراقبة والتفتيش على الاماكن التى يعمل بها الاطفال للتأكد من تطبيق احكام قانون العمل والأنظمة والقرارات الصادرة بموجبه.
تخصيص قاعدة بيانات تتوافر بها المعلومات والإحصائيات الخاصة بعمل الأطفال وتطبيق منهجية علمية لجمع البيانات الاحصائية وتحديثها وتطويرها بشكل دورى يفيد الباحثين فى هذا الصدد.